حوار/ منصور الغدره -
< أكد رئيس مركز الخليج للأبحاث الأستاذ عبدالعزيز بن عثمان بن صقر: أن دول مجلس التعاون الخليجي قادرة على ضبط الأوضاع في أراضيها، ولن تسمح لقوى أو منظمات موجودة على أراضيها أن تقدم الدعم المادي للحوثيين.
وقال بن صقر في حوار مع »الميثاق«: إن الموقف الخليجي الرسمي الداعم والمؤيد لليمن هو موقف واضح وصريح وينطلق من ثوابت استراتيجية مفادها أن أمن اليمن واستقراره يأتي ضمن أولويات دول المجلس باعتبار أن عدم الاستقرار في اليمن سوف ينعكس بالسلب على هذه الدول. وأوضح بن صقر أن إيران لها سياسة واضحة تجاه العالم العربي مفادها توظف بعض القضايا العربية من أجل خدمة أهدافها ومصالحها، وخاصةً فيما يتعلق بعلاقاتها مع الولايات المتحدة والغرب، وفي ضوء ذلك تتدخل في العراق ولبنان وفلسطين وتحاول التسلل إلى دول أخرى..
{ حبذا لو نبدأ حوارنا من حيث انتهيت باستغرابك -من توقيت القيادة الإيرانية في الحديث عن حجاجها 'والتحذير بعدم وضع قيود عليهم من قبل السعودية.. كرئيس مؤسسة بحثية.. إلَامَ ترمي الحوزات والقيادة الإيرانية من وراء ذلك، خاصة وان تلك التعبئة التي تمت للحجاج كانت علنية وفيها تحدٍّ واضح وجاءت على غرار مراسيم توديع المجاهدين المتجهين إلى جبهة المعركة؟
- بداية لابد من التأكيد على أن الحج ركن من أركان الإسلام وشعيرة دينية عظيمة ، وبالتالي ليس لأحد الحق بتسييس هذه المناسبة لأن ذلك المكان ليس مكاناً للتظاهر والاحتجاج لاسيما وأن الملايين من المسلمين يؤدون الفريضة ، وبالتالي فإن أي تظاهرات ذات طابع سياسي قد تعيق الحجيج عن أداء مناسكهم ، بل وقد يترتب عليها خسائر مادية وبشرية كما حدث في بعض السنوات التي عمد فيها الحجاج الإيرانيون إلى تسييس هذه المناسبة . وإذا كانت السلطات الإيرانية ترغب في الاحتجاج ضد أمريكا وغيرها من الدول الغربية ، فيستطيع الإيرانيون القيام بذلك على أراضيهم، وليس خلال مناسبة دينية عظيمة لها قدرها ومكانتها ، وصدق القائل: "لارفث ولافسوق في الحج".. وعموماً فإن هدف السلطات الإيرانية من وراء ذلك هو توجيه إشارات بأن طهران قادرة على التأثير في هذه المناسبة الدينية ، وهو أمر غير إيجابي بالمرة ، فالحج ليس هو المناسبة التي يمكن استغلالها من أجل خدمة أهداف السياسة الخارجية الإيرانية.. لكن موقف المملكة جاء واضحاً كل الوضوح، حيث أكدت أنه لا مجال للقيام بأي أنشطة سياسية في موسم الحج بما يعكر صفو هذه المناسبة الدينية العظيمة.
تحريض الحجاج
{ من خلا ل قراءتك للأحداث الجارية ، هل تعتقد أن الحجاج الإيرانيين سوف يفتعلون أحداث شغب وعنف خلال موسم الحج - كما سبق ذلك عام 1987م؟
- نتمنى ألا يحدث شيء من هذا القبيل ، وأن يمر موسم الحج بسلام وسكينة ، وبالتالي يتعين على الحجاج الإيرانيين أن يتصرفوا شأن بقية الحجيج القادمين من مختلف بقاع العالم الإسلامي . والمشكلة هنا أن أي احتجاج جماعي قد يبدأ سلمياً ولكن سرعان ما يتحول إلى أعمال شغب وعنف ، لاسيما مع استمرار عمليات الشحن والتحريض من قبل بعض العناصر الإيرانية. وبالتالي قد يتعرض بعض الحجاج لقوات الأمن المكلفة بتأمين موسم الحج والسهر على راحة حجاج بيت الله الحرام ، مما يؤدى إلى صدامات . ولتلافي كل هذه الأمور وما يمكن أن يترتب عليها من تداعيات ، كان يتعين على السلطات الإيرانية أن تتجنب من الأصل مثل هذه الممارسات التي تؤثر بالسلب على العلاقات بين الدولتين.. وأعتقد أن السلطات السعودية لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي تجاه أية ممارسات تؤثر على أمن وسلامة حجاج بيت الله الحرام.
أولويات
{ اليمن يواجه تمرداً في محافظة صعدة مدعوماً من إيران ومن جمعيات ومنظمات تتواجد في أكثر من بلد معظمها- للأسف- موجودة في الدول الخليجية.. ألا ترى أن الموقف الرسمي الداعم لليمن لهذه الدول لم يكن كافياً مادام هناك جمعيات وشخصيات تمول المتمردين؟
- إن أي حديث عن الدعم الخارجي للحوثيين لابد أن يكون مستنداً إلى أدلة قاطعة، وبالتالي فإن القول بأن هناك جمعيات ومنظمات فى الدول الخليجية تدعم التمرد الحوثى هو أمر يحتاج إلى مزيد من التدقيق والتحديد حتى نتجنب التعميمات، لاسيما وأن دول مجلس التعاون الخليجي قادرة على ضبط الأوضاع في أراضيها ، ولا اعتقد أن أياً من هذه الدول يمكن أن تسمح لقوى أو منظمات موجودة على أراضيها أن تقدم الدعم المادي للحوثيين، قد تكون هناك فئات أبدت تعاطفاً معهم في هذه الدولة أو تلك لاعتبارات طائفية ، إلا أن ذلك يظل الاستثناء وليس القاعدة. وبالتالي فإن الموقف الخليجي الرسمي الداعم والمؤيد لليمن هو موقف واضح وصريح وينطلق من ثوابت استراتيجية مفادها أن أمن اليمن واستقراره يأتي ضمن أولويات دول المجلس باعتبار أن عدم الاستقرار في اليمن سوف ينعكس بالسلب على هذه الدول.. أما بالنسبة للموقف الإيراني، وبغض النظر عما يُقال عن حقيقة دعمهم للحوثيين ، فإن جانباً من هذا الأمر يتعلق بقدرة الأجهزة اليمنية المختصة على ضبط الحدود والمنافذ بحيث تمنع وصول أي دعم من قبل أية جهة خارجية كذلك عدم تسرب أي أسلحة او عتاد إليهم.. أما عن الموقف الإيراني في شقه السياسي فيمكن فهمه في ضوء اعتبارات عدة دينية وطائفية واستراتيجية ، حيث تسعى طهران لتعزيز نفوذها في المنطقة عبر وسائل وأساليب عدة من بينها التدخل في الصراعات والشؤون الداخلية لبعض الدول كما هو الحال فى لبنان والعراق وفلسطين واليمن.
اعتبارات استراتيجية
{ منذ أن ظهرت أهداف المتمردين واليمن يعلن عن وجود دعم لوجستي خارجي للحوثيين.. و كان يقابل بنوع من التشكيك، وانتم كمسؤولين في مؤسسة بحثية.. كيف تقيمون دعم الأشقاء الخليجيين لليمن على ارض الواقع حتى الآن؟
- لقد أعلنت دول مجلس التعاون دعمها لليمن بوضوح وهذا الموقف تحكمه اعتبارات استراتيجية تتعلق بأهمية الأمن والاستقرار في اليمن باعتباره عنصراً مهماً من أجل تعزيز الأمن والاستقرار في الخليج والجزيرة العربية ، ناهيك عن العلاقات التي تربط دول المجلس باليمن ، حيث تتبنى هذه الدول خططاً ترمي إلى دعم اليمن وتأهيله اقتصادياً ، فضلاً عن دور دول المجلس في دعم النازحين من جراء المواجهات العسكرية.
البحرين ووفاق
{ كتلة جمعية الوفاق في البرلمان البحريني امتنعت عن التصويت على بيان يدين تسلل الحوثيين إلى الأراضي السعودية.. كيف تقرؤون مستقبل الدول التي تتواجد فيها جمعيات تدين بالولاء للخارج وتستطيع إيران من خلالها أن تثير الأحداث والاضطرابات والفوضى متى ما أرادت ذلك؟
- إن موقف كتلة الوفاق يتعين فهمه في ضوء خصوصية الواقع السكاني والسياسي في مملكة البحرين ، فهذه الجمعية تعبر عن التيار الرئيسي في صفوف الشيعة ، وهى جمعية شبه معارضة لها مواقفها المعروفة تجاه بعض سياسات وقرارات النظام الحاكم في البحرين. وبالتالي فإن موقفها يتعين النظر إليه في ضوء هذه المعطيات . وفى الحقيقة فإن مملكة البحرين تعاني جراء ممارسات كتلة الوفاق وغيرها من القوى التي تسلك نهج التظاهر واللجوء إلى الشارع، ولذا تكثر فيها الاحتجاجات وأحداث الشغب، وكان يتم رفع أعلام دول ومنظمات غير بحرينية، وهو أمر منعته السلطات البحرينية.. ولكن موقف كتلة الوفاق ليس هو الموقف البحريني الرسمي الداعم لليمن أسوة ببقية دول مجلس التعاون الخليجي.
نقطة الضعف العربية
{ تصريحات القيادات الإيرانية تعطي اعتقاداً أن هدفها مذهبي وأنها الوصية على الجماعات الشيعية.. ما الهدف الحقيقي لحوزات قُم من وراء ذلك؟
- من المؤكد إيران لها سياسة واضحة تجاه العالم العربي مفادها توظيف بعض القضايا العربية من أجل خدمة أهدافها ومصالحها، وخاصة فيما يتعلق بعلاقاتها مع الولايات المتحدة والغرب ، وهى العلاقات التي تشهد الكثير من الشد والجذب بسبب البرنامج النووي الإيراني وقضايا أخرى . وفى ضوء ذلك فهي تتدخل في العراق ولبنان وفلسطين وتحاول التسلل إلى دول أخرى، بل هناك من المسؤولين الإيرانيين من راح يجدد ادعاءات إيران بمملكة البحرين . وفى هذا السياق يمكن فهم الموقف الإيراني من الصراع في اليمن، فالحسابات السياسية والاستراتيجية هي الأساس في سياسات إيران تجاه القضايا العربية . والمشكلة أنه لا توجد سياسة عربية موحدة تجاه إيران ، بل هناك سياسات عربية بهذا الخصوص . وهذه إحدى نقاط الضعف التي يتعين معالجتها عند الحديث عن إعادة صياغة العلاقات العربية الإيرانية على أسس جديدة .
درس التاريخ
{ صدر مؤخراً تقرير معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى يحذر من ترك اليمن يواجه المخاطر في المنطقة بمفرده، بحكم تخصصكم في هذا الشأن.. ما هي الرؤية والاستراتيجية التي يمكن أن تقدمونها لصناع القرار في الخليج لدعم اليمن للوقوف أمام التحديات التي تواجهه؟
- بغض النظر عن تقرير المعهد المذكور ، فإن دول مجلس التعاون الخليجي تعي هذه الحقيقة تماماً وتتصرف على هذا الأساس . وقد سبق لنا في مركز الخليج للأبحاث تنظيم العديد من الأنشطة وإصدار العديد من التقارير والدراسات بشأن واقع ومستقبل العلاقات الخليجية - اليمنية، وحذرنا مراراً وتكراراً من مخاطر وقوع اليمن فريسة لحالة من الفوضى وعدم الاستقرار ، ففي هذه الحالة سوف يصبح ساحة لتصدير التطرف والعنف والإرهاب والأسلحة إلى الدول المجاورة . وهذا هو درس التاريخ الذي تدركه دول الخليج جيداً، فعندما تنهار الدولة تصبح عنصراً لزعزعة الأمن والاستقرار في إقليمها . وهذا ما حدث في دول مثل الصومال وأفغانستان وغيرهما . لذلك دول المجلس حريصة على ألا يحدث في اليمن ما حدث في هذه الدول.
خطط فعّالة
{ كيف تقيمون الدعم الخليجي لليمن، خاصة في المجال الاقتصادي وفي المجالات المؤهلة لانضمامه إلى مجلس التعاون الخليجي؟
- هناك خطط خليجية لدعم اليمن . وقد كان لدول المجلس مشاركات فعالة في مؤتمر الدول المانحة الذي عُقد من أجل دعم اليمن. قد يكون تنفيذ الخطط دون المستوى المطلوب ، لكن لابد أن نأخذ في الاعتبار أن الأوضاع في اليمن تؤثر بالسلب على إمكانية التنفيذ الفعال لهذه الخطط سواء لجهة المشاكل الداخلية وحالة عدم الاستقرار أو لجهة الإصلاحات التي يتعين على الحكومة اليمنية القيام بها من أجل تعزيز فرص الاستفادة من الدعم الخليجي وغير الخليجي ، وهي إصلاحات تشريعية وقانونية واقتصادية وغير ذلك.
ولكن في جميع الحالات هناك حاجة للبحث عن وسائل من شأنها تفعيل خطط وبرامج الدعم الخليجي لليمن .
واقع معقد
{ كثير من الخبراء ينصحون قادة مجلس التعاون بدعم اليمن لكن كل ذلك لم يُترجم على ارض الواقع.. ما هي الأسباب التي تحول دون ذلك طالما وأمنه من أمنهم؟
- الواقع في اليمن معقد إلى أبعد الحدود ، فهناك مشكلات الفقر، وهناك مشكلات انتشار السلاح ، وهناك حالة عدم الاستقرار الداخلي ، وهناك التجاذبات شبه المستمرة بين الحكومة والمعارضة. وفى ضوء ذلك فإنه من غير المتصور حل كل مشكلات اليمن بين عشية وضحاها. المهم هنا هو أن تتحرك الحكومة اليمنية بفاعلية ووفقاً لخطط مدروسة من أجل معالجة المشكلات الحادة والمزمنة، بحيث يأتي الدعم الخارجي ليجعل تنفيذ تلك الخطط ممكناً، وبدون ذلك يصعب الحديث عن تحقيق تقدم ، فالدعم الخارجي مهما كان حجمه لن يحل المشكلات دون أن تمتلك الحكومة اليمنية خططاً واقعية لمعالجة هذه المشكلات، ومنها تحقيق العدالة الاجتماعية، وسيادة القانون ومكافحة الفساد، ووضع حد لانتشار السلاح فضلاً عن توافر الإرادة والتوافق الوطني لتحقيق هذا الهدف، على سبيل المثال فإن دول الخليج لديها الاستعداد لتمنح العمالة اليمنية نوعاً من الأولوية ، لكن المهم هو أن تلبي هذه العمالة متطلبات أسواق العمل الخليجية في ظل تنامي مظاهر اقتصاد المعرفة.
خطوة لتأهيل اليمن
{ مضت سنوات على انضمام اليمن إلى بعض مؤسسات مجلس التعاون لكن المواطن اليمني لم يلمس الفائدة التي كان يأملها من ذلك - عدا تحوله إلى سوق للمنتجات الخليجية ونقطة التعادل في المباراة التي يعود بها منتخبه لكرة القدم.. أليس مركزكم معنياً بوضع الخطط والاستراتيجيات لدول المجلس، فأين اليمن من ذلك؟
- قد ينظر المواطن اليمنى إلى أن مشاركة اليمن في بعض مؤسسات المجلس عديمة أو محدودة الجدوى . ولكن يجب ألاّ نقلل من أهمية ذلك ، فهذه مجرد خطوة يمكن أن تكون مقدمة لخطوات أخرى . ولذلك يتعين النظر إليها في إطار الجهود التي تبذلها دول المجلس من أجل تأهيل اليمن اقتصادياً.
أبعاد جديدة
{ خلاصة القول في ظل كل هذه التطورات والتحديات الراهنة كيف تقرؤون مستقبل الخارطة السياسية للمنطقة.. وهل تتوقعون أن تصلح علاقات دول المنطقة مع إيران..؟
- المنطقة ستواجه خلال المستقبل استحقاقات صعبة، فهناك المسألة العراقية بتعقيداتها المعروفة، والتي ستكتسب أبعاداً جديدة في أعقاب الانسحاب الأمريكي الجزئي من العراق، وهناك أزمة الملف النووي الإيراني، وهناك مخاطر الإرهاب والتطرف، ناهيك عن التدهور في محاولات وجهود إحياء عملية السلام. وفى ضوء كل ذلك لا ننفي أن هناك إمكانية لإعادة صياغة العلاقات العربية - الإيرانية على أسس جديدة أهمها : كف إيران عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية ، وكفها عن استغلال القضايا العربية من أجل خدمة أهداف سياستها الخارجية ، والتجاوب مع أطروحات دولة الإمارات بشأن ملف الجزر المحتلة، والتعامل بشفافية مطلقة مع جيرانها العرب بشأن ملفها النووي بحيث يكون لديهم قناعة كاملة بأنه موجَّه للأغراض السلمية.. ولكن بالمقابل فإنه يتعين على الدول العربية بلورة سياسة عربية تجاه طهران تأخذ في الاعتبار المصالح العربية.