طه العامري -
يظل (الـ30 من نوفمبر ) يوماً استثنائياً في مسارنا النضالي الوطني كونه اليوم الذي عبر فيه شعبنا عن إرادته الوطنية وتكللت تلك الإرادة بتحقيق الاستقلال ورحيل آخر جندي من جنود الاستعمار البغيض، ولم يكن هذا اليوم المجيد والخالد صناعة أو حصيلة لجهود فئة من أبناء شعبنا كما لم يكن نتاج جهود شلة أو جماعة أو حزب أو قبيلة أو نطاق بذاته من الجغرافية الوطنية، بل كان نتاج جهود كل أبناء شعبنا اليمني من صعدة حتى المهرة ومن جزيرة كمران حتى جزيرة سقطرى وجاء هذا الإنجاز الوطني كحصيلة لتضافر الجهود الوطنية وتعبيرا عن وحدة تلاحمية راسخة جسدها أبناء شعبنا خلال نضالهم الوطني وإصرارهم على دحر كل فلول الاستبداد، ومع أن المستعمر لم يرغب في الرحيل حينها دون تكبيد شعبنا مزيدا من التضحيات، فقد جاء رحيل الاستعمار متزامنا مع بداية محاولة أذنابه الانتقام من الثورة اليمنية الأم ليبدأ حصار صنعاء مباشرة بعد الاستقلال وكأن الغزاة لم يرضهم التكاتف الوطني لصد تطلعاته فراح يحاول فرض عقابه وعمل على تشجيع فلول قوى الردة والارتزاق التي عملت على احكام حصارها على صنعاء لكسر إرادة شعبنا والتشكيك بقدراته وإرادته ولكن هذه المحاولة لم تنجح بل تمكن شعبنا من صناعة انتصاره الوطني لتهرب تلك الفلول برموزها إلى مزبلة التاريخ، ومن يومها وشعبنا يعمل على نسج نظامها الوطني وفق قناعته وبعيدا عن كل الظواهر الشاذة والاستثنائية والعابرة، فكان (التشطير) آخر أوراق قوى الاستبداد والتخلف والتي ظلت تعزف على هذا الوتر ردحا من الزمن إلى أن جاءت المنجزات الكبرى والعظيمة وتوجها شعبنا بميلاد الوطن اليمني الجديد في ( الثاني والعشرين من مايو 1990م) وهو اليوم الذي توج مسارنا النضالي وختم على هامة الزمن والتاريخ والجغرافية حقيقة المسار الحضاري الوطني وهويته الوطنية والتاريخية والحضارية بكل ما تحمل هذه المفاهيم من قيم تراثية وثقافية، تجعل من محطات نضالنا الوطني سلسلة مترابطة لا تنفصم ولا تتجزأ ولا يمكن تقسيمها أو الفصل بين أحداثها وتبعاتها بل أن هذه الأحداث والمحطات النضالية الوطنية وأن باعد بينها التوقيت الزمني لكنها في جوهرها تعبر وبكل جلاء وشفافية عن حقيقة تلازمها وترابطها وأجندة أهدافها وهويتها الوطنية الواحدة المعبرة والمجسدة عن إرادة وتطلعات شعبنا اليمني العظيم ..
إن احتفاءنا بيوم (الاستقلال المجيد) لم يأت تعبيرا عن تقليد أو تجسيداً لفعل عابر لحدث مر على ذاكرتنا بل إن احتفالنا بهذا اليوم يأتي تخليدا لمسار نضالي عميق وراسخ في ذاكرة الوطن والمواطن وليس هناك شك في هوية هذا اليوم الوطني وكونه صناعة جمعية وطنية وتحصيلاً لتضحيات قدمها أبناء شعبنا من مختلف الأطياف والمشارب والنطاقات الجغرافية فكان الثلاثون من نوفمبر ولا يزال وسوف يستمر يعبر عن أصالة الفعل والفاعلين وعن واحدية الهوية والانتماء ورسوخ كل هذه المفاهيم في الذاكرة الوطنية ليدركها أبناء شعبنا بأجيالهم المتعاقبة بعيدا عن محاولة بعض الفئات والشلل تكريس هوية (ضيقة للاستقلال ) ومنحه تبعية (شللية ) لا تعكس عظمة الحدث والفعل ولا تعبر عن أصالة القصة النضالية لشعب قدم قوافل من الشهداء وأنهارا من الدماء ليس لكي تستثمر شلة بذاتها هذا الحدث بل لكي يفخر كل يمني بملحمة تاريخية شكلت بتداعياتها اهتمام كل بيت يمني واستوطنت تفاصيل الإنجاز الوطني العظيم ذاكرة ووجدان الوطن والمواطن والتاريخ الذي سيظل يدون هذه الملحمة الخالدة والرائعة لشعب ثار ضد الظلم والاستبداد والجبروت وضد التخلف والجهل والمرض الجسدي والفكري وهو ما كان يعنون حياة شعبنا في ظل ثالوث التخلف المتمثل في (الكهانة والاستبداد والتشطير) ..
إن يوم الاستقلال يوم خالد وسيظل منحوتا في ذاكرة شعبنا وفي انصع صفحات التاريخ الوطني المشرق بكل ما يشرف مسارنا ومسيرتنا النضالية، وهو التاريخ الذي يحق لنا التفاخر به وبصفحاته وبمواقف صناعه لكن يظل أهم ما يجب أن نتفاخر به هو الإنجاز الأعظم الذي به حصنا كل منجزاتنا ونسجنا من خلاله دروعا وسياجا وقلاعا تحول دون قدرة أي من المتربصين بوطننا وشعبنا أن يستهدفونا والوطن مرة أخرى وهذا الإنجاز هو الوحدة اليمنية التي تعد حاضنة المنجزات الوطنية وتاج المناسبات وأعظم ملاحم تاريخنا الوطني وهذه الوحدة كادت هي الأخرى أن تواجه ذات التحديات التي واجهتها الثورة والجمهورية والاستقلال لكن وبفضل حكمة وإرادة قيادتنا السياسية ممثلة بفخامة الأخ علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية - حفظه الله - فقد استطاعت هذه الوحدة وحتى اللحظة الصمود ومقاومة كل أشكال المؤامرات والسيناريوهات الاستهدافية القاتلة التي نسجها ولا يزال أعداء الوطن والشعب والتحولات وهم يبحثون عن مصالحهم الخاصة وينفذون مخططات شيطانية تسعى جاهدة إلى إحباط كل بارقة أمل تلمع في سماء الوطن وفي نفسية المواطن .. وبهذه المناسبة نزجي أرق وأجمل التهاني لفخامة القائد والمعلم فخامة الأخ علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية- حفظه الله - الذي منحنا الثقة بأنفسنا وأعاد الاعتبار لتاريخنا ولتحولاتنا ولشهدائنا وهو من يعود إليه الفضل بعد الله سبحانه وتعالى في إيصالنا إلى هذه المكانة الحضارية المتقدمة لنأخذ موقعنا تحت الشمس وفوق الأرض أحرارا تحكمنا قيمنا وتتحكم بنا تطلعاتنا الحضارية والوطنية المشروعة والمتجددة بحكم عوامل التطور والتقدم الإنسانيين ..
[email protected]