اقتضت الطبيعة الرجعية والاستبدادية لنظامي الحكم الامامي والاستعمار البريطاني في صنعاء وعدن قيام نوع من التحالف غير المعلن بين الجانبين طوال عقود رغم بروز حالات ومظاهر خلاف توحي بتقاطع او تناقض الطرفين هنا وهناك.. إلاّ ان السمة الابرز والاهم كانت واضحة في تعامل الجانبين مع الشعب اليمني بطريقة المصادرة والاستبداد وقمع الارادة الحرة والوطنية لجماهير الشعب وحرمان الوطن وابنائه حق التحرر والتطور والانفتاح على العالم.
إعداد/أمين الوائلي
واذا كان الاستعمار قد اختلف عن الامامة في كونه وافداً من خارج الحدود ويمثل ثقافة اجنبية مختلفة اصلاً وفصلاً وغريبة عن البيئة اليمنية ويعتمد منطق القوة والقهر وقمع الارادة الشعبية والوطنية لبناء البلاد الاصليين واصحابها الحقيقيين، فإن الحكم الامامي هو الآخر لم يكن أقل من الاستعمار خطراً وضرراً.. فالقهر والقمع وتحويل البلاد الى سجن كبير ومغلق على اليمنيين امام العالم كان هو القاسم المشترك الذي وحد وجمع النقيضين في تحالف رجعي استبدادي جثم على صدر الوطن الواحد عقوداً طويلة واستدعى من ابناء الشعب ورجالاته التفكير كثيراً بالانعتاق والتحرر وتوحيد الجهود والافكار والطاقات لكسر الحصار ودك الاسوار العالية المزروعة في مواجهة الضوء والهواء والحرية الأثمن.
كانت المعاناة واحدة هنا وهناك، والهم عينه في صنعاء وعدن ولحج وتعز والضالع وإب ومكيراس وذمار وفي كل بقعة من ارض اليمن.
وهكذا هم اليمنيون دائماً.. وحدة واحدة في المعاناة والنضال كما هم وحدة في اشراقات التاريخ الممتد وصباحات الحضارة التليدة منذ آلاف السنين.. اليمن الواحد يحضر واحداً في مسرح التاريخ على تعاقب فتراته ومراحله وتقلب ازمنته وفصوله.
لم يكن بالإمكان الاعتماد على الامام في مقارعة المستعمر او الاستفادة من المستعمر في التخلص من الامام.. اذ كانا يشكلان حائط صد يقي به كل منهما صاحبه ويحفظ ببقائه بقاءه ايضاً.. ادرك الثوار والاحرار ان دك الحائط يقتضي الاجهاز على الشريكين المستبدين معاً، وان المراهنة على احدهما في مواجهة الآخر ما هي إلاّ مراهنة خاسرة وخادعة ولا أساس لها بالمطلق.
وثبت مع الايام والتحولات المتعاقبة ان حركة النضال الوطني كانت أكثر ذكاء ووعياً بمفاتيح التغيير حيث توحدت الجهود والطاقات في انجاح وتفجير الثورة الأم في السادس والعشرين من سبتمبر ٢٦م، بصنعاء والدفاع عنها ليتمكن الثوار بعد ذلك وبعد الفراغ من العدو او المستعمر المحلي والداخلي »الإمامة المستبدة«، من التفرغ للعدو والمستعمر الخارجي »المحتل«.
كان اعلان الثورة وقيام الجمهورية في الشمال يحمل في طياته ومضامينه الوطنية والتاريخية أكثر من وعد واعلان.
اعلان الثورة وانتصارها في صنعاء اعلن ايضاً عن بدء مرحلة اخرى من النضال والكفاح وصولاً الى الثورة والاستقلال في عدن.. ولم يكن ممكناً استثناء هذه من تلك او اهمال ضرورة الامتداد بالثورة وتوسع المد الثوري ليشمل كل ارجاء اليمن وصولاً الى عدن ودحراً للمستعمر المحتل.
لم يكن المستعمر يقبل بالثورة في صنعاء لأنه يعلم ان بدايتها تؤذن بنهايته.. ولم يكن الإمام يفكر بدعم الثورة او الحركة الوطنية في الجنوب، لعلمه أن الحرية لا تتجزأ وان الثورة واحدة كما هو الشعب واحد واليمن واحد وستصل اليه الثورة، خصوصاً والحركات الوطنية لاتزال تستهدف حكم الامامة وظلم الأئمة بدءاً من ابيه يحيى وتعاقباً عليه.
لكن نجاح الثوار وانتصار ثورة سبتمبر قطع الطريق امام الرجعية كلها وامام المستعمر الذي لعب على التفرقة وتغذية الخلافات الداخلية.
حتى اذا دوى نشيد الحرية والثورة في صنعاء وتعز.. تجاوبت معه عدن والتحم الثوار في وحدة نضالية لايصال المد الثوري الى الجزء الآخر والضفة الباقية من اليمن.
هكذا مروا الى أكتوبر.
يقول اللواء الركن محمد راجح لبوزة »نجل الشهيد البطل لبوزة« نائب رئيس هيئة الأركان العامة:
- وقد مثل انتصار ثورة ٦٢ سبتمبر وسقوط النظام الامامي وقيام النظام الجمهوري التمهيد الموضوعي للكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطاني في جنوب الوطن »سابقاً« وبعد مشاركة الثوار من ابناء الجنوب في الدفاع عن الثورة السبتمبرية، بدأت مهمتهم الوطنية في تحرير جنوب الوطن من الاحتلال البريطاني، بالسلاح السبتمبري، وبدأ ابناء الجنوب عقد اجتماعاتهم في صنعاء وكان اول اجتماع لهم عقد في يونيو ٢٦م، بدار السعادة بقيادة المناضل الفقيد قحطان الشعبي وحضور الشهيد البطل راجح غالب لبوزة والمناضلين السماطي والسيد ناصر السقاف وغيرهم، ثم اجتماع آخر في تعز في اغسطس ٣٦م، الذي اتفق فيه الجميع على مقاومة الانجليز بكل الوسائل وبعد الاجتماع بقحطان الشعبي والثوار الآخرين، عاد الوالد الشهيد راجح لبوزة الى ردفان على رأس مجموعة من الثوار من ابناء ردفان، ولما ادركت سلطات الاحتلال ابعاد وخطورة عودة الثوار الى ردفان باسلحتهم السبتمبرية، وبما يحملون من افكار وقناعات تحريرية حاولت ان تفرض عليهم تسليم اسلحتهم واخضاعهم لها، وحركت حملة لهذا الغرض ولكن الشهيد لبوزة ومجموعته تصدوا لها بما يمتلكون من اسلحة وذخيرة وقنابل واعلنوا الثورة ضد الاحتلال في الـ٤١ من أكتوبر عام ٣٦م، واستمر القتال يومها حتى بعد الظهر من نفس اليوم الذي استشهد فيه الوالد الشهيد البطل راجح غالب لبوزة »٦٢ سبتمبر-٢١/٠١/٦٠٠٢م«.
كانت الاسلحة سبتمبرية اذاً.. لم تهدأ البنادق او تبرد.. ولم يسترح المناضلون ولو قليلاً.. الطريق من صنعاء الى عدن كانت هي ذاتها الطريق من سبتمبر ٢٦م، الى أكتوبر ٣٦م.. وقد قطعها الثوار والاحرار والمناضلون اسرع ما يكون وما هو إلاّ عام واحد حتى دوى نشيد الثورة وهتافات الثوار في ارجاء ردفان واعلنت عدن الابية ثورة ضد الاستعمار والمحتل الاجنبي.
بين تعز وعدن.. طريق الثورة
وفي هذا السياق يؤكد المناضل الشيخ صالح احمد اليافعي ان مدينة تعز كانت تشكل معسكراً متكاملاً لثوار ٤١ اكتوبر للثورة ويقول:
- كانت مدينة تعز في تلك الفترة ٤٦م، عبارة عن معكسر سياسي وعسكري للتدريبات.. حيث تم فتح منطقة صالة ليقام فيها معسكر لتدريب الفدائيين ومختلف المقاتلين الذي كانوا يخوضون المعارك في جبهات قتال عدن ضد الاستعمار البريطاني.
كذلك كانت منطقة الحوبان معسكراً لجيش التحرير في عدن.
وكانت اذاعة تعز بمثابة المركز الاعلامي لاذاعة البيانات والبلاغات والاناشيد الوطنية حتى تحولت تعز الى معسكر متكامل لثوار ثورة ٤١ اكتوبر بكل ما كانت تعنيه الكلمة في تلك المرحلة.
وفتح ابناء تعز بيوتهم وقلوبهم للجميع فأصبحنا جزءاً منهم واصبحوا جزءاً منا، حيث تحولت هذه المدينة الوفية الى ملاذ للمناضلين بمختلف توجهاتهم الفكرية والسياسية وكانت تستقبل الوافدين من المناطق الجنوبية وبالذات من عدن حيث كان الاستعمار البريطاني يلاحق كافة الثوار. »٤١ أكتوبر ٤١/٠١/٦٠٠٢«.
|