الميثاق« متابعات : صلاح الدين.. عمل سينمائي نضالي أراد من خلاله الصحفي المصري جمال حمدي أن يؤرخ لمرحلة مهمة من تاريخ الكفاح المسلح للشعب اليمني الذي خاضه ضد الاحتلال البريطاني ونيل الحرية واستقلال جنوب الوطن..
حينما بدأت أحداث الثورة الأكتوبرية تتصاعد وتتسع لتمتد في عموم المشيخات والمستعمرات في الجنوب اليمني والتحق بفوج المقاومة المسلحة مختلف فصائل وفئات المجتمع اليمني، والتي حولت حياة الدوائر السياسية والعسكرية البريطانية إلى جحيم ومضطربة لاتستطيع مواجهة الموقف هناك في جنوب اليمن- في مستعمرة عدن- التي أصبحت مظاهرات واعتصامات نقابات العمال والنوادي الثقافية والفعاليات السياسية شبه يومية تتصدر أخبارها نشرات الإذاعات وصفحات الجرائد المحلية والعالمية..
الأمر الذي رأه الاستاذ احسان عبدالقدوس رئىس تحرير مجلة »روز اليوسف« من العيب غياب الإعلام العربي عن هذه الأحداث وعن الثورة الشعبية اليمنية ضد الاستعمار البريطاني، فبدأ إحسان إلى البحث عن صحفي يوفد إلى عدن لتغطية تلك الأحداث ولصعوبة المهمة فإنه لابد وان يكون لهذا الصحفي مميزات تمكنه من التسلل إلى مدينة عدن وتنفيذ المهمة الصحفية كمراسل حربي، فلم يجد أمامه إلاّ ذاك الصحفي الشاب جمال حمدي الذي يتقد شعلة لخوض المغامرات وهائماً عشقاً بقومية ناصر وتياره التحرري الذي يزحف به لتحرير الوطن العربي من الهيمنة الاستعمارية.. عندما كان الاستاذ احسان عبدالقدوس قد وقع اختياره على مراسله الحربي القادم من اليمن وهو قرار دبره بليل ودون المشاورة مع جمال حمدي الذي هو الآخر في اللحظة نفسها عقد قرانه على الآنسة نيرمين القوسني، لكن يبدو أن احسان عبدالقدوس تعمد ان يقدمها للعريس كرشوة قبل أن يعرض عليه قرار سفره إلى اليمن أو أنها مهر العروس، خاصة وان نيرمين كانت حينها تشغل السكرتيرة الخاصة لاحسان عبدالقدوس.
قومية جمال حمدي وهوياته في معايشة المغامرات دفعت به إلى الموافقة مباشرة في تنفيذ المهمة بمجرد ما ابلغ بهدف المهمة الصحفية وتفاصيل الدخول إلى مدينة عدن متسللاً ليكون هناك المراسل الحربي لمجلة »روز اليوسف«.. وسافر فعلاً إلى اليمن أوائل عام 1964م من القرن الماضي، فوصل إلى صنعاء وبدأ محاولاته في التسلل إلى عدن.. لكن جميع المحاولات فشلت ونتيجة لذلك تحول المراسل الصحفي أو الحربي لمجلة »روز اليوسف« إلى قائد عسكري لأكبر وأول عملية تهريب للسلاح من شمال اليمن إلى ثوار أكتوبر في جنوب اليمن عندما انطلقت قافلة من الجمال تتجاوز (300 جمل) في مساء أحد أيام شهر مايو 1964م- وهي تحمل شحنة الأسلحة المكونة من 300 بندقية آلي انفليد و303 صناديق طلق رصاص كل صندوق يضم (50) ألف طلقة ومدافع بلانسيد مضادة للدروع ورشاشات وألغام مضادة للدبابات رقم (7).. انطلقت قافلة الجمال بقيادة جمال حمدي من مطار ترابي- ذي ناعم- في محافظة البيضاء متوجهة إلى جبال ردفان التي وصلتها بعدما واجهت القافلة التي يحرسها قرابة 500 رجل- أحداث وأهوال دونها قائدها جمال حمدي في مذكرته ليعود إلى مصر ليكتب تقريره من حوالي (70) صفحة ليسلمه إلى سامي شرف مدير مكتب عبدالناصر حينها..
ومنذ شهر يونيو عام 1964م من القرن الماضي عندما عاد الصحفي جمال حمدي من مهمته تلك في اليمن كتب تفاصيل تلك الرحلة التي وصفته فيها الإذاعات والصحافة العالمية والبريطانية تحديداً بالكولونيل جمال حمدي التابع للمخابرات المصرية فقالت عن تلك العملية إذاعات لندن، عدن الجنوب الحربي، تل أبيب: إن قوة عسكرية مصرية اخترقت أراضي الجنوب اليمني عند منطقة يافع السفلى يقودها كولونيل من المخابرات المصرية يدعى جمال حمدي«.
عموماً جمال حمدي كتب مذكراته في تلك الرحلة البطولية بشكل عمل سينمائي وسماها »صلاح الدين« وظل منذ كتاباتها وحتى وفاته قبل خمس سنوات وهو يحلم باليوم الذي يأتي ويترجم ما كتبه في مذكراته إلى دراما سينمائىة تجسد وتدون لمرحلة من التاريخ اليمني إلاّ أنه رحل دون ان تتحقق أمنيته تلك، رغم أن الأخوة في مصر الممثلين أو المنتجين أرادوا تحويل تلك المذكرات إلى فيلم سينمائي وبادروا أكثر من مرة إلى عرض الفكرة على المسئولين اليمنيين في إنتاج فيلم سينمائى مشترك مصري- يمني عن الثورة اليمنية و14 أكتوبر وبعد محاولتهم المتكررة رحب الأخوة في وزارة الثقافة اليمنية بالفكرة واستقبلوا بطل الفيلم الفنان محمود حميدة المخرج علي بدر خان ووصول بطل الفيلم العام الماضي إلى صنعاء وحلّ ضيفاً على وزارة الثقافة التي سارعت بالإعلان ان إنتاج الفيلم الذي وعدت أنه سيتم الانتهاء منه نهاية هذا العام، وزار الفنان محمود حميدة والمخرج علي بدر خان اليمني لبحث امكانية انتاج الفيلم وجمع المادة والاطلاع على المواقع التي سيتم فيها تصوير بعض مشاهد الفيلم والالتقاء بالممثلين اليمنيين المقترحين ان يشاركوا المصريين في العمل السينمائي المشترك، لكنه عاد بطل الفيلم إلى مصر يحمل معه خيبة الأمل في تحمس الأخوة في وزارة الثقافة اليمنية الذين أرادوا أن يشاركوا في الأسم والممثلين الذين مايزالون خارج عالم الفن السينمائي وليس خارج خشبة المسرح أو أدوار المشاهد السينمائىة خاصة وأنهم مايزلون متمسكين باللهجة الصنعانية، بأدوار شخصيات ردفانية يحكي عنها الفيلم وأحداث دارت في يافع والبيضاء وأبين وردفان، فهم يريدون أن يقوم بدور بليل بن راجح لبوزة- مساعد قائد عملية »صلاح الدين« والمخرج علي بدر خان وبطل الفيلم محمود حميدة إلى تغيير اسم الفيلم »صلاح الدين« الاسم السري للعملية إلى اسم »جندي مصري في اليمن«..
كان الأفضل للأخوة المسئولين في وزارة الثقافة والجهات المعنية بالإنتاج التلفزيوني ان يوفوا بوعدهم وينجزوا هذا العمل السينمائي ليقدمونه هدية رمزية للنضال اليمني والكفاح المسلح ضد الاحتلال البريطاني ويحيوا به احتفالات الثورة الأكتوبرية بمناسبة عيدها الـ43 هذا العام بدلاً من ان يبقى الاحتفاء بالمناسبة محبوسة في قاعة المركز الثقافي للتعبير عنها فقط بالرقصات الشعبية واستنساخ المزيد من كاسيتات الأناشيد الثورية والحماسية.
إنه عتاب وتساؤل أين الوفاء بوعودكم بإنتاج الفيلم السينمائي الذي اعلنت عنه، وما أسباب تعثر المشروع، وهل صحيح أنكم أردتم المشاركة دون أن تشاركوا بتكاليف الإنتاج التلفزيوني للفيلم؟!
|