علي عمر الصيعري -
من نافل القول إن العالم بعد ولوجه الألفية الثانية، أصبح شبيهاً بقرية صغيرة جراء تصاعد قوى «السوق المعولمة» التي مكنتها من ذلك ثورة تكنولوجيا المعلومات، ناهيكم عن تكنولوجيا «النانو» القادمة علينا، وظهور الشركات العالمية عابرة القارات، والتي ولدت بدورها حزمة من المصالح المتبادلة أدت إلى ظهور مايصطلح عليه بـ«تعددية الأطراف» وظهور مصطلح «الشراكة» partemership في الترتيبات الدولية والإقليمية.
إلا أن الجدير بالقول إن الدول العظمى وشركاتها العالمية واستثماراتها «الدول النامية» وثرواتها أصبحت في اطار هذه القرية الكونية شديدة الحساسية من كل ما يهدد مصالحها الاقتصادية والتجارية ومايمس سيادتها وسلامة أراضيها وثرواتها، من أي تهديد إرهابي سواء أكان مباشراً مثل تنظيم القاعدة، أم غير مباشر مثل الاضطرابات ومخرجات «الفوضى الخلاقة» التي تنجم عن المشاريع الصغيرة لمجموعات ومنظمات تخريبية متطرفة لا تخلو منها جميع دول العالم في هذه القرية الكونية.
ومع تشابك المصالح الدولية، وتشعب مفاصل الشراكة العالمية، وتعاظم قوى السوق وانتشارها، أصبح لزاماً على المنظومة الدولية العظمى والنامية الأخذ بزمام المبادرة لمواجهة تنظيم القاعدة وإعلان الحرب على الإرهاب، مثلما فعلت بلادنا اليمن منذ مطلع التسعينيات.
ولهذا فإن الدول الحريصة على سلامة أراضيها وسيادتها وأمنها واستقرارها، وكذا علاقاتها الخارجية بالمجتمع الدولي والتي تحكمها علاقات صداقة وتعاون وشراكة دولية قائمة على الاحترام المتبادل، والتي ابتليت بوجود ولو نسبي لتنظيم القاعدة مثل بلادنا اليمن، لم تتوان ولو لحظة عن مكافحة هذه الآفة التي لا وطن ولادين لها، بل إن اليمن كانت السباقة في مواجهة الإرهاب وحذرت المجتمع الدولي منه قبل أن يعلن الحرب عليه.
ولا تزال اليمن مصممة وماضية في طريق اجتثاثه منطلقة في ذلك من قناعتها بأن هذا الإرهاب ومجموعاته إنما يهددون أمنها واستقرارها ومصالحها العليا، قبل تهديدهم لأمن ومصالح أشقائها وأصدقائها وحلفائها، مع ثقتها في مقدرات قيادتها السياسية ممثلة في فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح - حفظه الله -وحكمته وتجربته الطويلة في مواجهة هذه الآفة ومن على شاكلتها.
وبالمقابل فإن الدول العظمى لاسيما المستهدفة من قبل القاعدة، وهي تصعد من مبادراتها الدولية لمواجهتها بعد أن استفحل شرها، أدركت جلياًَ الدور الذي لعبه ويلعبه اليمن في هذه المواجهة، كما أدركت نوعية العوامل والمحفزات التي خلفت أرضية جاذبة لهذا التنظيم في اليمن ومن أهمها الضائقة الاقتصادية التي يعانيها جراء ما تكالبت عليه من محن وفتن ونوازع قوى سياسية لا همّ لها سوى القفز على كرسي السلطة بأية طريقة كانت، إلى جانب إدراكها - أي القوى العظمى - حاجة اليمن للإمكانيات المادية والتقنيات والاستشارات المتخصصة في محاربة هذه الآفة.
ومن هنا جاءت مبادرة رئيس وزراء بريطانيا السيد جوردن براون لعقد مؤتمر «لندن» لمناقشة ما تحتاجه اليمن من دعم وإمكانيات مادية، واستدراكاً منه للتقصير الذي أعقب مؤتمر لندن السابق لمانحين والذي لم يستكمل ماأقره لليمن من مساعدات مما زاد من الأعباء المالية والاقتصادية عليها، مستعداً طرح أية فكرة أو تلميح لأي تدخل عسكري يمس بالسيادة اليمنية ويساعد على تعقيد الوضع الحساس فيها، كما أدرك ذلك الرئيس الأمريكي «أوباما» وصرح به مؤخراً.
وإذ نتعشم في نجاح مؤتمر لندن خيراً لقناعتنا بأنه يمثل الفرصة المواتية لليمن للخروج من محنتها، فإننا نأسف على كل ما أثير حول هذا المؤتمر المنتظر من زوبعات وضجيج وولولة إعلامية صدرت وتصدر عن صحف محلية وخارجية لا يعنيها الخير لليمن بقدر ما يعنيها العزف على وتر الإثارة والكيد والمزايدة الإعلامية والسياسية على وحدة شعب وسيادة وطن وصوابية ومقدرة نظام حاكم قاد اليمن ويقوده صوب مرافئ الأمن والسلام والمستقبل المأمول.
قال الشاعر:
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد
وينكر الفم طعم الماء من سقم
البوصيري
[email protected]
عن صحيفة الجمهورية