منصور الغدرة -
الضربات الموجعة والمتلاحقة التي يتعرض لها تنظيم القاعدة أكدت للجميع ان قرار اختيار أرض اليمن موطناً لنمو التنظيم وقاعدة انطلاق لعملياته الإرهابية- كان قراراً خاطئاً..
بل أنه كان بمثابة نحس ونكبة لطموح قيادة التنظيم- حيث أمست تتساقط كأوراق الخريف، والعمليات الأمنية الاستباقية تطاردهم صباح مساء، وفي كل مكان يطؤونه فيه، وصواريخ الطيران اليمني تصطادهم في مخابئهم، والمغارات البعيدة التي كانوا يعتقدون أنها جزء أساسي في استراتيجيتهم، وهي من الأسباب التي دفعتهم إلى إيمانهم بأن بلادنا هي أرض المدد، وموطن الميعاد..
لكن الذي يبدو عليه أن قيادة تنظيم القاعدة عندما اتخذت قرار المجيئ أو التوافد إلى اليمن، بدأ عناصر وقيادة التنظيم في أفغانستان وباكستان والسعودية ومصر بالتوافد إلى اليمن- دون ان تقرأ التاريخ والجغرافيا اليمنية القراءة الموضوعية الصحيحة، والمعمقة، وإنما فقط- أكتفت بقراءة ما هو مدون في أيديولوجياتها الإرهابية والإيمان به، والذي يصف أرض اليمن بأرض المدد، وأنها موطن ميلاد- جيش أبين عدن- جيش الإمارة الإسلامية الموعودة التي يجاهد ويقاتل عناصر التنظيم منذ أمد بعيد في سبيل ايجادها وخلقها..
طبعاً إيماناً بالنص الأيديولوجي، وامتثالاً لتوجيهات أمير الجماعة وتنفيذاً لفتاوى المرشد المقدس..
لكن تحقيق مثل هذه الأمنية المخلدة في الفكر والأيديولوجيا القاعدية قد أصبح شبه مستحيل وبالذات على الجغرافيا اليمنية- إذ أن مجريات الأحداث والضربات الموجعة التي تلقاها التنظيم من قبل الأجهزة الأمنية اليمنية قضت على ما تبقى من أحلام لدى التنظيم.
فعلى قمم الجبال وسهول الوديان اليمنية لم يقم القاعدة عليها إلاّ أضرحة واشهاد لرفاة قياداته وفي أرض اليمن لم يجد ملاذاً آمناً يلجأ إليه.. وما وجده من مساحة فيه أقام عليها مقابر جماعية لقتلاه، وتنصيب خيم مأتم العزاء لصرعاه الذين يتساقطون تباعاً الأول تلو الآخر برصاص حماة الأمن الأشاوس..
ورغم أن مواجهة الحكومة اليمنية مع القاعدة تعود بدايتها إلى قبل عقد ونيف منتصف تسعينيات القرن الماضي تكبد خلالها التنظيم خسائر كبيرة، وفقد خلالها الكثير من عناصره وأبرز قياداته الميدانية والفكرية، بدأت بما يسمى «جيش أبين عدن»، وفي أبين أيضاً، بالقضاء على هذا الكيان الإرهابي بقتل أبو الحسن المحضار..
وتوالت الضربات لقيادات التنظيم مروراً بالحارثي والربيعي والديلمي.. لكن خسائر القاعدة طوال الـ12 السنة الماضية لاتساوي ما خسرته مؤخراً في فترة لاتتجاوز عشرين يوماً من إعلان الحكومة الحرب على العناصر الإرهابية من تنظيم القاعدة، بل وذهبت إلى الإعلان ان حربها مع القاعدة مفتوحة وسوف تستمر حتى يتم اجتثاث بؤر الإرهاب نهائىاً..
إذ أن أكثر من «110» من عناصر القاعدة لقوا مصرعهم خلافاً لمن ألقي القبض عليهم في العمليات العسكرية الأخيرة التي نفذتها قوات مكافحة الإرهاب خلال فترة أقل من ثلاثة أسابيع- حيث بدأت العمليات الأمنية الاستباقية ضد القاعدة في الـ25 من ديسمبر الماضي بثلاث عمليات نوعية وناجحة بكل المقاييس رغم تزامنها وتباعد جغرافيا تنفيذها لتشمل منطقة المعجلة في أبين وأرحب في صنعاء، وأكثر من حي وشارع في أمانة العاصمة.. إلاّ أنها حققت أهدافها، وأدت إلى سقوط عدد من أبرز قيادات التنظيم بين قتيل وجريح ومضبوط..
لاشك أن نجاح هذه العملية العسكرية الاستباقية ضد تنظيم القاعدة أعطى الحكومة اليمنية دافعاً قوياً لتغيير استراتيجيتها الأمنية وخصوصاً في مواجهة الإرهاب والقاعدة تحديداً، وبدلاً من انتظارها- الأجهزة الأمنية- إلى حين مجيئ الإرهابيين من القاعدة إليها وتنفيذ عمليات إرهابية لتكون المواجهة أصبحت الأجهزة الأمنية ووحدات مكافحة الإرهاب هي التي تذهب إلى الإرهابيين في مخابئهم ومعسكراتهم وإلى تجمعاتهم واجتماعاتهم ليضربوا قبل ان تنفض تلك الاجتماعات وقبل الذهاب إلى تنفيذ ما قرروا فيها من أعمال إرهابية..
توالت العمليات الاستباقية والملاحقات ضد عناصر القاعدة تباعاً ودون توقف لتلي عملية المعجلة وأرحب والعاصمة بأسبوع عملية اخرى نفذتها القوات الأمنية بنجاح أثناء اجتماع لقيادة التنظيم في شبوة أدت والى مصرع أبرز قيادات التنظيم، وتبعت العمليتين عمليات مطاردة وضربات قاصمة في أكثر من مكان، وفي أكثر من مغارة لجأوا إليها هاربين في أبين وفي مارب وفي أرحب مرة أخرى وشبوة..
وجميع هذه العمليات العسكرية الاستباقية التي نفذتها الحكومة في إطار حربها المفتوحة ضد القاعدة في اليمن، عصفت بكيان التنظيم وافشلت خططه واستراتيجيته، بفقدانه أبرز عناصره القيادية- كالعولي والوحيشي والكازمي والمحضار والحنق والريمي والشبواني والشهري..
بل إن عناصر التنظيم الأجنبية التي قدمت من السعودية وأفغانستان وباكستان ومصر ومن دول أخرى- لم تسلم هي الأخرى من هذه الضربات فلقت نفس المصير.. رغم أن مجيئها إلى اليمن معتقدة أنها ستكون في مأمن، إلاّ أنها سقطت صريعة تحت حمم نيران الضربات المؤلمة والمقضة لمضاجع الإرهاب والإرهابيين..
الهزيمة الكبرى للقاعدة ولكل الإرهابيين كانت هذا الأسبوع- الجمعة الماضية- بمصرع القيادتين العسكرية والأيديولوجية للتنظيم- عمار الوائلي وصالح التيس وعايض الشبواني والمنظر الأيديولوجي للتنظيم أبو أيمن المصري أحد أخطر عناصر القاعدة القيادية، وأيضاً قاصمة ظهر بعير القاعدة مصرع القائد العسكري للتنظيم قاسم الريمي الذي يعد رجل الأعمال العسكرية والأعمال الإرهابية، وسبق له أن أفلت من أكثر من محاولة عسكرية للقضاء عليه، وهو العنصر الأول في أجندة المطلوبين للأجهزة الأمنية وقوات مكافحة الإرهاب.
شيء طبيعي أن تكون هذه النتائج للعمليات الأمنية قد بددت أولاً تلك الشكوك والمخاوف التي تولدت لدى المجتمع الدولي من عودة الإرهاب من جديد وتمدد القاعدة في اليمن ليصل إلى أرجاء المعمورة، خاصة في ظل ما يتردد أن عناصر القاعدة هربت نار تورا بورا في أفغانستان ووادي القبائل في باكستان إلى أرض السعيدة لتنعم بوعورة جغرافيتها وطبيعتها الخلابة.
كما أن الخسائر التي تكبدتها القاعدة في اليمن على يد قواته الأمنية فرضت على ما تبقى من قيادة التنظيم إعادة حساباتها أن بقاءها في اليمن يزيد من مآسيها، ويقود بالتأكيد إلى زوال التنظيم واجتثاث الإرهاب والإرهابيين نهائىاً، وعليهم أن يقرروا الرحيل من أرض اليمن إلى مكان آخر.. واقترح عليهم أن يفروا إلى الصومال قبل أن يفر إليهم نظراؤهم من جماعة الشباب المجاهدين هناك.. والذين هم أيضاً يواجهون المصير نفسه وهو الموت ولاشيء غير الموت المخزي للإرهابيين أينما كانوا وحيثما نزلوا.. الموت.. الموت.. الموت لهؤلاء..!!!{