عصام السفياني -
جيش من الموظفين يعملون في سفارات بلادنا في دول مختلفة من العالم يتقاضون مبالغ بالعملات الصعبة ليست بالهينة، هذا من حقهم ولكن الحديث هنا سيكون حول واجب هذا الجيش من الدبلوماسيين والإداريين والملحقيات الإعلامية والثقافية حيال وطنهم والصورة التي يجب أن يرسموها عن اليمن في أماكن وجودهم .
مساهمة هؤلاء المناط بهم تمثيل اليمن في الخارج كل في موطن عمله كفيلة برسم صورة غير تلك التي رسمها في أذهان العالم عن بلادنا إعلام غير منصف ومنظمات متجنية بتقاريرها التشاؤمية وسفارات مكممة الأفواه وغير عابئة بخطورة الصورة القاتمة على مستقبل بلد كان إلى وقت قريب يرى في السياحة والاستثمار مخرجاً من أزماته الاقتصادية التي سببتها الموارد الشحيحة والانفجار السكاني المرعب .
الحديث عن قصور أداء بعثاتنا الدبلوماسية في الخارج حيال ما يقال عن اليمن في أماكن وجود هذه البعثات ليس استهدافاً لوزارة الخارجية التي نكن لوزيرها كل الود ولكن لفت انتباه إلى إفرازات الصمت الدبلوماسي لجهات تم إيفادها إلى الخارج لخدمة هذا الوطن بصور مختلفة أحدها توضيح وتصحيح المعلومات الخاطئة التي تكونت عن اليمن في الخارج.
سفارات لاتتكلم
بداية نود الإشارة إلى أن المتابعة لمدة شهر كامل لما يكتب عن اليمن في الصحف ووسائل الإعلام الإلكترونية العربية والدولية لم تسجل توضيحاً واحداً من سفارة أو مسئول إعلامي في سفارة حيال معلومات مغلوطة تقال عن اليمن باستثناء توضيح لسفارة بلادنا في ألمانيا حول اتهام للسفارة ذاتها في التقصير بمتابعة علاج الفنان الكبير أيوب طارش عبسي، ورغم أن التوضيح كان دفاعاً عن السفارة وليس عن شيء آخر إلا أنه تأخر نحو (3) أسابيع ليأتي بعد أن انتشرت معلومات حول معاناة أيوب وتجاهل السفارة له في كل وسائل الإعلام والمواقع والمنتديات الإلكترونية.
بعد إيقاظ المتمردين الحوثيين للفتنة السادسة في محافظة صعدة وبروز الاحتجاجات في الجنوب التي بدأت مطلبية وتحولت إلى تخريب وآخر ذلك تنظيم القاعدة الذي أفزعت العالم محاولة مزعومة لأحد عناصره الذين تدربوا في اليمن تفجير طائرة أمريكية، مع هذا المثلث سعت جهات وإعلام ومنظمات أجنبية إلى رسم صورة قاتمة لليمن اكتفت سفاراتنا في الخارج بالانضمام إلى قائمة المتأملين لهذه الصورة.
الدبلوماسيون العيانون
وإذا كان من غير المنطق سرد كل ما يقال عن اليمن ظلماً ورصد ردود البعثات الدبلوماسية المعدوم يجب الإشارة إلى أمثلة من ذلك.. وأولها تناولات صحف ووسائل إعلامية مصرية ليس من باب التهجم على اليمن ولكن من باب الاهتمام ومن هذه الوسائل قناة النيل التي تفرد مساحة يومية لمناقشة الوضع في اليمن من أجل مسايرة الموقف المصري الداعم والمساند لبلادنا الذي برهنت عليه مصر العروبة في كل المحافل وفي أكثر من مكان .
قناة النيل تستضيف أحياناً صحفيين مصريين وباحثين وبعضهم -لا كلهم- ليسوا على دراية بالوضع في بلادنا ويجب الإشارة هنا إلى حديث لرئيس تحرير صحيفة »الأنوار« المصرية الذي قال في معرض حديثه عن الحرب التي يشنها أبطال القوات المسلحة على عناصر الإرهاب الحوثية يقول " محافظة صعدة ليس فيها تنمية حيث لا توجد بها مدرسة واحدة أو طريق مبرراً للمتمردين ما يقومون به، مصوراً أعمالهم التخريبية بأنها بحث عن التنمية، هذه الصورة لصعدة والتي أفصح عنها الصحفي المصري عادل الجوجري وهو من المهتمين بالشأن اليمني- حسب تعريف القناة- تتحمل سفارة بلادنا بالقاهرة المسئولية الكاملة لعدم استغلالها العلاقات المميزة بين البلدين والاهتمام الإعلامي الراغب في مناصرة الموقف اليمني ومد خيوط تعاون بين السفارة ووسائل الإعلام المصرية وترشيح أشخاص بالتنسيق مع وسائل الإعلام لإطلاع المشاهدين على المعلومات الحقيقية حول كل ما يجري في اليمن مع العلم أن مصر تستضيف الكثير من الباحثين اليمنيين والطلاب الذين يدرسون في الجامعات المصرية.
الصحف المصرية هي الأخرى لم تجد سفارة فاعلة حيث تخلو هذه الصحف من أية كتابات أو أحاديث توضح الرؤية الوطنية لما يدور في وقت تتوق كل وسائل الإعلام في العالم إلى الحصول على معلومات عن بلادنا.
التركيز على سفارة اليمن في مصر ليس استهدافاً ولكن لأن مصر هي الصوت الأكثر حضوراً في الشأن اليمني مؤخراً إعلاماً وسياسة ودعماً، كما أن مصر الدولة العربية الكبرى، كما بإمكان سفارة بلادنا في القاهرة التنسيق مع الجهات المختصة لاستقدام باحثين وأكاديميين مصريين وإعلاميين إلى اليمن للاطلاع على الوضع بصورته الجلية واستقاء المعلومات من مصادرها مع العلم أن أمسية أدبية واحدة كتلك التي يقيمها سفير اليمن في القاهرة تكفي لتغطية جزء من تكاليف مبادرات قد تعود بالنفع على وطننا وشعبنا.
الوزير البريطاني وسفيرنا
سفارة بلادنا في بريطانيا هي الأخرى وقفت خلال الشهر الجاري في موضع اختبار أثبتت فشلاً ذريعاً في التعامل مع فقراته.. هذا الاختبار، هو الهجوم الذي شنته وسائل الإعلام البريطانية على بلادنا بعد دعوة رئيس وزراء بريطانيا لعقد مؤتمر دولي حول اليمن.. السفارة غابت كلياً وافتقدت دورها في توضيح الحقائق ليس فقط للصحف البريطانية بل حتى الصحف العربية الصادرة من لندن وخير مثال على ذلك حديث صحيفة »القدس« العربية الصادرة من لندن عن مؤتمر لندن حيث أوردت الصحيفة معلومات مغلوطة انبرى للرد عليها وزير بريطانيا لشئون الشرق الأوسط وغابت السفارة .
ويكفي الإشارة هنا إلى أنه طوال الفترة الماضية لم يشاهد المواطن اليمني سفيراً لليمن في أوروبا كلها يطل على شاشة ليتحدث فيها عن بلاده أو يرد على من يروج معلومات خاطئة.. مقابل ذلك نجد الإرهابي يحيى الحوثي جند نفسه لتسويق أفكار عصابته الإرهابية في كل الفضائيات.
المغرب وسفير الكويت
ونعود إلى المغرب العربي حين كتبت صحيفة مغربية مشهورة عن الوضع في الجنوب وأشارت إلى أن الحكومة التي يرأسها د. مجور لا تضم في قوامها وزيراً واحداً من الجنوب هذا الطرح تجاوز أحاديث دعاة الانفصال عن التمييز ليجافي الحقيقة بكل صورها وأبعادها.. فأين سفارة بلادنا في المغرب.. وما دورها..؟
ولم نطلع على أي نشاط ثقافي أو إعلامي تنفذه سفارة يمنية في الخارج بمبادرة من السفير أو نائبه ولم نسمع أن سفيراً حضر فعالية ثقافية أو إعلامية في موطن إقامته مع استثناءات بسيطة مع العلم أن سفير دولة الكويت الشقيقة في بلادنا يحضر فعاليات ثقافية ومعارض صور وحتى مقاييل ممثلاً لبلده.. واستطيع الجزم أن الفعاليات التي حضرها سفراء اليمن خلال 2009م مجتمعة لا يمكن أن توازي حضور سفير الكويت في بلادنا.
في زمن الإعلام الإلكتروني والقرية الكونية لم يفلح اليمنيون في تسويق محاسنهم رغم كثرتها فإلى جانب السفارات النائمة يقف الإعلام الرسمي بفضائياته المعطوبة مساهماً في رسم الصورة القاتمة لبلادنا في أذهان الآخرين.
سفيرنا بطهران وسفير إيران
ويجب الإشارة هنا إلى استغراب أبداه كبير الباحثين في مؤسسة »كارنيجي« عمر حمزاوي عندما وصل إلى بلادنا حيث قال : إن من يقرأ عن اليمن في الخارج يظنها كومة من الحرائق المشتعلة بينما هي خلاف ذلك.
لست هنا بصدد تسويق بلاد أخرى غير التي نعيش فيها لكن كل ماتعيشه بلادنا في الفترة الحالية من مخاطر لم تكن صورة بلادنا قبل ذلك مغايرة لحاضرها حتى في سنوات يمكن اعتبارها مستقرة نوعاً ما .
السفير الإيراني في صنعاء ورغم كل الشواهد الدامغة على تورط بلاده في دعم التمرد في صعدة والتدخل السافر للحكومة الإيرانية في شئون بلادنا علناً لم يجد السفير حرجاً في مخاطبة الصحف اليمنية التي انتقدت بلاده نافياً دعم الحوثيين انطلاقاً من واجب مهني قبل أن يكون وطنياً لأنه يمثل طهران في صنعاء ومن واجبه الدفاع عن رؤية حكومة بلاده وتسويق سياستها بينما لم نقرأ تصريحاً واحداً لسفيرنا في طهران دفاعاً عن رؤية بلادنا.
الحديث عن واقع سفاراتنا في الخارج أكثر مرارة حين يتم الحديث عن تعامل هذه البعثات مع الطلاب اليمنيين والعمالة اليمنية والمرضى وحتى الذاهبين لغرض السياحة.
سفارات وأنين الطلاب
في كل البلدان التي يتواجد فيها طلاب يمنيون لغرض الدراسة نجد شكاواهم لا تنقطع ومعاناتهم لا تتوقف لدرجة أن اعتصاماً نظمه طلابنا داخل حوش سفارتنا في الجزائر اقتحم الأمن الجزائري السفارة وفرق المعتصمين لترسم هذه الحادثة المؤلمة فصلاً آخر من يوميات العبث الدبلوماسي اليمني في الخارج، مع العلم أن مشاكل الطلاب تعود إلى غياب فاعلية السفارات والملحقيات الثقافية في التواصل مع الجامعات من جهة أو مع الجهات ذات العلاقة بالابتعاث في الداخل من جهة أخرى.
فكيف بإمكان من يشاهد اعتصاماً لطلاب يمنيين داخل أو جوار سفارتهم أن يتصور واقع الحال داخل الوطن إذا كانت الجهة المخولة برعاية مصالح هؤلاء الطلاب في الخارج أول من يسبب لهم المتاعب.. والسؤال الذي يفرض نفسه لماذا لم نسمع عن احتجاج لجالية أو طلاب أمام سفارة عربية أو أجنبية في بلادنا.. وهل يمكن التصديق أن طلابنا الذين يحتجون في الخارج ليسوا على حق.؟!!
ما العمل؟
قيادة الدولة مطالبة بمراجعة آلية أعمال سفاراتنا لتكون ممثلة لبلد يمر بظروف تتطلب جهود كل أبنائه وسفرائه في الخارج سواء أكانوا دبلوماسيين أو طلاباً أو سياحاً أو رجال أعمال.. جميعهم تقع على عاتقهم مسؤولية الدخول في معركة ينتصرون فيها لليمن لأن السلبية التي تعشعش على رؤوسهم اليوم سيجني الجميع نتائجها المُرّة غداً.
هل بإمكاننا ان نصحو على ذات صباح على google أقل سخطاً على اليمن.
|