|
|
|
أحمد الحبيشي - في الحلقة الماضية من هذا المقال تناولنا بعض العناوين الرئيسية لمشروع قانون الجرائم والعقوبات الذي تقدمت به لجنة تقنين الشريعة الاسلامية في مجلس النواب، وقلنا انه بقدر مايشكل هذا المشروع التفافاً سافراً من قبل الكتلة البرلمانية لحزب التجمع اليمني للاصلاح على مشروع التعديلات التي تقدمت به الحكومة قبل ثلاثة أعوام، تنفيذاً لتعهدات رئيس الجمهورية في برنامجه الانتخابي، بقدر ما يشكل مشروعاً للانقلاب على الأسس الدستورية للنظام السياسي الديمقراطي التعددي في الجمهورية اليمنية، وهو ما يفسر قيام اللجنة بسحب المشروع من أروقة مجلس النواب، وتسريبه الى مجالس شيوخ الحركة الصحوية السلفية في الرياض وجدة والقصيم والكويت وصنعاء وإب وتعز، حيث جرى إعداده بصورة سرية خلال عامين كاملين.
وبهذا الصدد أصدر البروفيسور حسن مجلي استاذ علوم القانون الجنائي في كلية الشريعة والقانون بجامعة صنعاء والمحامي أمام المحكمة العليا، كتابأ قيماً تضمن ملاحظات نقدية على مشروع القانون الذي تقدمت به لجنة تقنين الشريعة الاسلامية، وصف فيه هذا المشروع الانقلابي الخطير بأنه «جاء ليخدم مصالح القوى المتخلفة في المجتمع» مشيراً الى ان واضعيه عملوا جاهدين على الغاء كل اجتهادات فقهاء اليمن الاوائل المتحررين من التعصب والجمود، وتكريس الآراء والافكار والأقوال السلفية الوهابية المتزمتة والمتطرفة بديلاً عنها، ناهيك عن ان المشروع المقدم من لجنة تقنين الشريعة التي يهيمن عليها نواب كتلة حزب التجمع اليمني للاصلاح في البرلمان تخلى عن كل ماهو متقدم وانساني من احكام وقواعد في القانون الجنائي النافذ، وقام بتكريس جرائم واحكام وعقوبات بعضها في غاية الغرابة والقسوة والتشدد، ناهيك عن ان معظمها لا أصل له في الشرع، ولاينسجم مع روح العصر وقيم العدالة والمساواة والحرية.
وبوسع كل من يطلع على الجهد الكبير والرائع الذي بذله البروفيسور حسن مجلي في كتابه المشار إليه آنفاً، ان يلاحظ كثيراً من المخاطر المدمرة في المشروع المقدم من لجنة تقنين احكام الشريعة حول الجرائم والعقوبات، انطلاقاً من رؤية حزب التجمع اليمني للاصلاح للشريعة الاسلامية ونظام الحكم، والتي من شأن تطبيقها عملياً في حال وصول هذا الحزب الى السلطة على رأس أحزاب "اللقاء المشترك" ان يلحق بالمجتمع والبلاد عموماً ويلات وكوارث كبيرة لاتضاهيها سوى تلك التي حلت بالمجتمع الافغاني المنكوب عقب وصول حركة (طالبان) الى الحكم، وإقامة إمارة إسلامية في افغانستان كخطوة على طريق احياء نظام الخلافة الامبراطوري الاقطاعي الذي يتوهم السلفيون بامكانية إحيائه من جديد وإعادة انتاج عصر اقتصاد الخراج مجدداً.
ومن خلال اطلاعنا على النص الكامل للمشروع الانقلابي المقدم من لجنة تقنين احكام الشريعة في مجلس النواب، لاحظنا ان نواب حزب (الاصلاح) المتشدد لم يتآمروا فقط على مشروع التعديلات المقدم من الحكومة قبل ثلاث سنوات بشأن تصحيح النصوص القانونية التي تكرس التمييز ضد المرأة، بل أنهم سعوا الى استثمار هذه الفرصة لصياغة مشروع قانون جديد للجرائم والعقوبات، يتضمن احكاماً متشددة ونصوصاً رجعية تكرس العنف والقسوة والتعذيب في العقاب، كما أنها تفتح أبواباً واسعة ولامحدودة للتحريم والتكفير والتجريم.
ومما له دلالة خطيرة ان لجنة تقنين احكام الشريعة الغت في مشروع القانون الجديد الذي تقدمت به الى مجلس النواب مناط تحديد النشاط المعاقب عليه، والذي كان يعتمد على النص القانوني أو الحكم الشرعي كما هو الحال في قانون الجرائم والعقوبات النافذ، وأستبدلته بما أسمته اللجنة في مشروعها الانقلابي (النص الشرعي على أساس أصح الاقوال)!!!.
وبهذا المعني أصبح باب التجريم والعقاب مفتوحاً على مصراعيه، ويتسع لأي رأي يزعم المتزمتون أنه (اصح الاقوال)، الامر الذي يهدد بإخضاع التجريم والعقاب للأقوال التي يدور حولها خلاف وصراع فكري بين الاتجاهات الفقهية والمذاهب الدينية المختلفة، ويجعل تفسير ما يسمى (النص الشرعي على أساس أصح الاقوال) رهناً لدى إجتهادات وتفسيرات الاشخاص القائمين على تنفيذ القانون واتجاهاتهم الحزبية أو الايديولوجية أو المذهبية، وطرائق تفكيرهم ومستوى فهمهم للنصوص الشرعية والآراء الفقهية الموروثة عن العصور الغابرة.
والحال أن عدداً كبيراً من االأكاديميين ورجال القانون أصيبوا بصدمة لا توصف عندما قدمت لجنة تقنين الشريعة في مجلس النواب مشروعها الانقلابي بعد سنتين من الانتظار الطويل، بينما كان الناس ينتظرون تصويب النصوص القانونية التي تكرس التمييز ضد المرأة تنفيذاً لتعهدات رئيس الجمهورية في برنامجه الانتخابي،، وبلغت الصدمة ذروتها عندما لم تكتف لجنة تقنين الشريعة بتجاهل مشروع التعديلات الذي تقدمت به الحكومة بهذا الشأن، بل أضافت تعديلات إضافية لا تشكل فقط إهانة للمرأة وتكريساً للتمييز القائم ضدها قي قانون الجرائم والعقوبات الذي جرى تعديله بعد حرب 1994م، بل تدميراً تاماً لكافة المكاسب التي حققتها منذ قيام الثورة والوحدة، وفي مقدمتها حقها في العمل والتعليم والمشاركة في الحياة العامة.
ويمكن القول أن المشروع المقدم من لجنة تقنين احكام الشريعة لم يستهدف تصويب الاخطاء الموجودة في قانون الجرائم والعقوبات الحالي، وهو الهدف الرئيسي لمشروع التعديلات المقدم من الحكومة، مع الاخذ بعين الاعتبار أن الاخطاء الواردة في القانون الحالي ما كانت لتحدث لولا التعديلات الرجعية التي فرضها حزب التجمع اليمني للإصلاح أثناء مشاركته في السلطة بعد حرب صيف 1994م المشؤومة.. وعلى النقيض من ذلك جاء المشروع الانقلابي الخطير للجنة تقنين الشريعة ليعيد انتاج بعض الآراء الفقهية المتشددة في صياغات بدائية وهمجية تشكل انتكاسة خطيرة للوراء واغتيالاً سافراً لمشروع بناء الدولة الوطنبة الحديثة الذي وعد به البرنامج الانتخابي لفخامة رئيس الجمهورية.
واللافت للنظر أن المشروع المقدم من لجنة تقنين احكام الشريعة جاء خالياً من أية عقوبات يحتاجها المجتمع لمواجهة بعض الجرائم الحديثة التي انتشرت في عصرنا، ولم تكن موجودة في عصور الاسلاف الغابرة.. كما ان المشروع لم يتضمن احكاماً تسد القصور التشريعي في القانون نتيجة اصرار اللاعقل السلفي على عدم استيعاب الجرائم المرتبطة بالتطور التكنولوجي والعلاقات الدولية والأمن والسلم الدوليين، ناهيك عن انه لايتضمن أي تجريم لمخالفة الأوامر القضائية او الامتناع عن تنفيذها من عموم الافراد والمؤسسات ومراكز القوى والجماعات المنظمة.
والأخطر من ذلك فإن المشروع الانقلابي المقدم من لجنة تقنين الشريعة يتعارض مع الحريات المدنية وحقوق الانسان التي تلتزم بها بلادنا بموجب المادة الرابعة من الدستور، الأمر الذي من شأنه تعريض بلادنا للعقوبات الدولية وعزلها عن العصر والعالم الواقعي، وهو ما تتجاهله لجنة تقنين الشريعة التي لايستطيع اعضاؤها التحرر من الاقامة الدائمة في الماضي، والكف عن الاستغراق في متون الكتب الفقهية القديمة التي عفى عليها الزمن.
مما له دلالة ان التقرير المقدم من لجنة تقنين الشريعة التي تخضع لرؤية حزب التجمع اليمني للاصلاح وجامعة الإيمان، تجاهل بصورة سافرة الآليات التي تضمن التفاعل الحي بين النص القانوني والواقع، ومايصاحب ذلك من أخطاء وتعسفات وويلات تستوجب وضع نصوص جنائية جزائية في مجال التجريم والعقاب، وبما يمنع التمادي في تأويلها وممارسة التعسف ضد المواطنين والاجانب غير المسلمين الذين يعيشون ويقيمون في اليمن.
وقد أبدى التقرير المقدم من لجنة تقنين أحكام الشريعة أصراراً عجيباً على تعديل كل النصوص القانونية التي تحدد المسؤولية الجزائية وتصفها بأنها شخصية، وان لاجريمة ولاعقوبة الا بقانون، وعملت على استبدالها بنصوص رمادية وعائمة تستبدل شرط القانون للعقوبة بما يسمى (النص الشرعي) وهذا الاصرار يعد مخالفة صريحة وسافرة للدستور، حيث زعمت لجنة تقنين الشريعة بان عبارة (نص شرعي) وردت بصورة ((ضمنية)) في المادة 3 من الدستور التي جعلت من الشريعة الاسلامية مصدر جميع التشريعات.. بينما يذهب اكاديميون وقانونيون بارزون الى أن المتاجرة الكلامية بعبارة (النص الشرعي) هي افتئات من اللجنة على السلطة التشريعية، لأن المادة الثالثة من الدستور جعلت من الشريعة الاسلامية (مصدر جميع التشريعات) وليس مصدر جميع الاحكام القضائية، كما أن كلمة التشريعات الواردة في المادة 3 من الدستور تفيد بأن أحكام الشريعة والآراء والمبادىء الفقهية المنسوبة اليها يجب ان تصاغ في قالب تشريعي، حتى تصير تشريعات نافذة وسارية المفعول، وملزمة للقضاء بدلاً من فتح الابواب على مصراعيها لأي فقيه او قاض لإستنباط فهمه الخاص لما يسمى (النص الشرعي) انطلاقاً من موقف مذهبي او حزبي او ايديولوجي متزمت!!!.
وعليه يمكن ملاحظة نقطة الصراع الخطير بين الدستور ومشروع القانون الانقلابي الذي من شأن تنفيذه أما إفراغ الدستور من محتواه، أوالتمهيد لتعديله حتى يكون منسجماً مع مشروع القانون الطالباني الذي تقدمت به لجنة تقنين أحكام الشريعة، في حال إقراره من قبل مجلس النواب حيث من شأن إقرار هذا المشروع الرجعي أن يفتح الطريق واسعاً أمام مخطط طلبنة اليمن، والانتقال لاحقاً إلى مرحلة جديدة وخطيرة للغاية، وهي تعديل الدستور بصورة جذرية.
وما من شك في أن الدستور اليمني لم يمنح أحكام الشريعة الاسلامية والمذاهب الفقهية المنسوبة إليها قوة إلزام ذاتية كما هي موجودة في كتب الفقهاء الأسلاف في العصور الغابرة، وما تتضمنها من إختلافات وخلافات، لأن قوة الإلزام لا تعود إلى آراء الفقهاء بل إلى قواعد القانون، بعد أن يقوم المشرعون بصياغتها في نصوص قانونية وضعية طبقاً للإجراءات الدستورية.. وبذلك يكون مصدر الإلزام ليس الوظيفة الكهنوتية لبعض رجال الدين المتنفذين، بل للأحكام والنصوص الشرعية بعد ان تتحول الى تشريعات ملزمة ومجسدة في نصوص قانونية محددة، بمعنى ان مصدر الإلزام ليس رجال الكهنوت بل سلطة الدولة باعتبارها ممثلة للمجتمع بأسره عبر الهيئات الدستورية الشرعية.
والحال ان المادة الثالثة من دستور الجمهورية اليمنية تخاطب المُشرِّع وهو مجلس النواب المنتخب من الشعب عبر صناديق الاقتراع، ولاتخاطب السلطة القضائية او رجال الدين.. فالدستور يُلزم السلطة التشريعية بأن تستمد التشريعات القانونية من أحكام ومبادئ ومقاصد الشريعة الاسلامية والمصالح المرسلة واجتهادات الفقهاء المعاصرين وليس الاسلاف فقط،، كما يلزم السلطة التنفيذية في الوقت نفسه بان تستند الى هذه الاحكام والمبادىء والاجتهادات والمصالح المرسلة في تفسير القوانين وتطبيقها بما يضمن رعاية مصالح الناس ودرء المفاسد عنهم وعدم تكليفهم بما يشق عليهم ويوقعهم في الضيق والحرج، وهو ما أكدته المادة الثالثة من القانون المدني اليمني النافذ، والتي تنص على (ان الشريعة الاسلامية مبنية على رعاية مصالح الناس ودرء المفاسد عنهم والتيسير عليهم في معاملاتهم وعدم تكليفهم بما يشق عليهم ويوقعهم في الضيق والحرج).
ولا نبالغ حين نقول ان العديد من الاكاديميين وفقهاء القانون في اليمن يرون ان المادة الثالثة من الدستور لا تُلزم السلطة التشريعية بالاقتصار في مجال التشريع (أي أصدار القوانين) على مصدر واحد فقط هو مباديء الشريعة الاسلامية واجتهادات واقوال الفقهاء الاسلاف، بل ان المُشرِّع اليمني يملك الحق في ان يستمد من التشريعات المقارنة والعرف والعادات والقانون الدولي ومباديء العدالة والاجتهادات الفقهية والقضائية المعاصرة ما يراه مناسباً وملائماً للمنفعة العامة والمصالح المرسلة، والسبب في ذلك يعود إلا أن مناط التكليف عند الدولة هو العقل الجمعي والواقع الملموس والمصلحة العامة، وأن أقوال الفقهاء ورجال الدين الاسلاف في العصور الغابرة، ليست ملزمة للمُشرِّع اليمني.. لكن ذلك لا يمنع الاستئناس بها بشرط عدم تعارضها مع مبادئ ومقاصد الشريعة الاسلامية والنظام العام والآداب العامة والمصالح المرسلة والقانون الدولي والمواثيق الدولية.
في هذا السياق وجه البروفيسور حسن مجلي في كتابه المشار اليه آنفاً، نقداً مريراً لمشروع قانون الجرائم والعقوبات المقدم من لجنة تقنين أحكام الشريعة، مشيراً إلى أن الدستور اليمني لم يجعل إجتهادات الفقهاء والاحكام الشرعية غير القطعية اساساً قائماً بذاته للتجريم والعقاب دون الحاجة إلى وضعه في نصوص قانونية، ناهيك عن أن المُشرِّع الدستوري في الجمهورية اليمنية لم يقرر إعتبار الشريعة الاسلامية (المصدر الوحيد) للتشريعات في اليمن، وإنما نص على كونها فقط (مصدر التشريعات) دون تخصيص بالواحدية والتفرد، بل أن الدستور اليمني لم يصفها حتى بأنها مصدر رئيسي، ولذلك يكون التخصيص هنا باطلاً، ومتعارضاً مع بنية ومدلول النص الدستوري، بالاضافة إلى تعارض التخصيص مع مقتضيات الإلتزام بالقانون الدولي والمواثيق الدولية التي لا يمكن بدونها أن تعيش الجمهورية اليمنية في العالم الواقعي وممارسة سيادتها وإستقلالها وحماية وتطويرمصالحها ضمن أطر المجتمع الدولي الحديث.
في هذا السياق، يمكن القول أن منطوق المادة الثالثة من الدستور اليمني ملزمة للسلطة التشريعية من حيث وجوب أن يكون مصدر التشريعات في اليمن هو الشريعة الاسلامية من ناحية، وعدم السماح لأي جهة كانت بالزعم بأنها تملك الحق في تعريف الشريعة وفق أقوال للفقهاء السلف بذاتها وإعتماد بعضها كأصح الاقوال من ناحية أخرى !!!.. مالم تكن تلك الاقوال (المعتمدة على أنها الاصح) قد صدرت على هيئة نصوص قانونية واضحة من قبل السلطة التشريعية ورئاسة الدولة بعد استكمال الاجراءات الخاصة بإقرارها في مجلس النواب وإصدارها بواسطة الجهة المختصة دستورياً بذلك وهو رئيس الجمهورية.
ويرى البروفيسور حسن مجلي أن القوانين عموماً تنص على المرجع في تفسير النصوص الواردة بالقانون وليس وضع أسس التجريم والعقاب، ولكن المشروع الانقلابي المقدم من لجنة تقنين الشريعة ينص على تخويل الجهات ذات العلاقة وفي مقدمتها (المحتسبين) والشرطة والنيابة العامة والقضاة إمكانية إضافة جرائم وعقوبات جديدة لم ترد في القانون، وذلك استناداً إلى مجرد ((أقوال)) صادرة من أي شخص في الماضي أو الحاضر ما دامت هذه الأقوال هي (الأصح) في نظر أصحابها ولو كانت مخالفة للاجتهاد والإجماع والمصلحة العامة والدستور والقوانين النافذة والقانون الدولي والمواثيق والاتفاقيات الدولية.
ومن نافل القول إن تجريم الناس ومعاقبتهم بدون نصوص قانونية وإنما استناداً إلى مجرد رأي أو قول هذا الشخص أو ذاك، سيفتح باب التجريم والعقاب على أساس (الحسبة) ضد الناس، ويلغي المشروعية الدستورية والقانونية معاً، كما أنه سيزج باليمن في أتون الصراعات المذهبية والطائفية والحزبية بسبب صيرورة ((الأقوال)) أو ((الآراء)) في مجال الفقه الشرعي الى وسيلة للتجريم والعقاب في اليمن، حيث من شأن عبارة ((أصح الأقوال)) الواردة فيه، إتاحة مجال واسع لتطاول المتطرفين والجهلة على أحكام الشريعة الغراء والفقه الإسلامي بحسبانهم (أصحاب أقوال) أو (آراء فقهية)، فتنهال فتاوى التكفير والتفسيق والتجريم على المواطن اليمني من كل حدب وصوب، حتى يصير ضحية لا يستطيع لها رداً، بسبب استنادها على النص الإضافي المقترح إضافته إلى قانون العقوبات النافذ.
ولئن كان المشروع الانقلابي المقدم من لجنة تقنين الشريعة قد تضمن تعديلات جوهرية وضارة في قانون العقوبات النافذ بما في ذلك إضافة عدد كبير من الجرائم التي لا يوجد لها مثيل في العالم المعاصر، ومن ذلك جريمة لقاء رجل بامرأة من غير محارمه في مواقع العمل والانتاج والتعليم والجامعات والمجمعات التجارية والمؤتمرات السياسية والحزبية والصحفية والندوات العلمية ...الخ.
وبموجب تجريم لقاء الرجل بالمرأة في هذه المواقع سيتعين على جميع النساء العاملات والطالبات في المدارس والجامعات اصطحاب محارمهن الى العمل او الانقطاع عن العمل والتعليم اذا تعذر ذلك، كما سيتم منع لقاء أي وزير بسفيرة دولة اجنبية اذا لا تصطحب معها محرمها بحسب ما ينص عليه المشروع الجديد الذي لا يميز بين المسلمين والمقيمين من غير المسلمين في اليمن، وهو ما سيؤدي بالضرورة الى استحداث شرطة دينية كان الصحويون السلفيون قد سعوا اليها قبل عامين وبصورة مبكرة، عندما طالبوا بتشكيل هيئة الأمر والنهي سيئة الصيت قبل ان يتصدى لها المجتمع المدني ويُسقطها.
وبهذا الصدد أشار البروفيسور حسن مجلي في كتابه الذي انتقد فيه المشروع المقدم من لجنة الشريعة الى إن الله سبحانه وتعالى، حينما لم يورد، فيما يخص اجتماع المرأة والرجل نصاً يحرمه، إنما أراد لنا أن نجتهد في هذا المجال لاستنباط حكم تستقيم به مصالحنا المعتبرة شرعاً.. والحكم اللازم شرعاً هنا هو إباحة الاختلاط والاجتماع بين الرجل والمرأة لضرورات الحياة ومقتضيات العمل والتعليم، فلا يجوز، بالتالي تحريم الاجتماع بينهما إلا إذا انطوى على جريمة أو كان الغرض منه ارتكاب معصية، وهنا يجب على من يدعي ذلك إثباته، لأنه استثناء من الإباحة، موضحاً ان القول بغير ذلك هو تعسف وظلم لا يستند حتى إلى تأويل لنص ظني الدلالة، كما أنه لا يقوم على استنباط حكم لمسألة لم يرد فيها نص قطعي الثبوت.
ويرى البروفيسور حسن مجلي ان النص المراد إضافته إلى قانون العقوبات تحت عنوان: (الخلوة بأجنبية) يشكل إهداراً للمبدأ الدستوري القاضي بأن البراءة الأصلية هي الأساس في حياة الإنسان، ومن يدعي العكس عليه الإثبات، وبناءً على ذلك، فالبراءة الأصلية الثابتة في علاقة الرجل بالمرأة، لا تزول بمجرد احتمال وجود سبب للتجريم، طبقاً لنص تجريم اجتماع الرجل والمرأة بمعنى انه تجريم مطلق لأي لقاء بين رجل وامرأة من غير محارمه، ذلك أن المفروض شرعاً ودستوراً هو عدم التجريم كأصل، ومن يدعي العكس هو الملزم بالإثبات دون حاجة لنص قانوني، فمن يزعم أن هناك جريمة مرتبطة بوجود امرأة ورجل منفردين في مكان ما، يلزمه إثبات دعواه وتقديم البرهان على صحة بلاغه وإلا وقع تحت طائلة المساءلة والعقاب، أما أن يحظر لقاء رجل بامرأة من غير محارمه دون شهود ويُجَرَّم اجتماع المرأة والرجل مطلقاً ويصير عبء إثبات البراءة واجباً على من يتمتع بحق شرعي ودستوري هو البراءة الأصلية، فهو نقل لعبء الإثبات إلى من ليس واجباً عليه، وتغليب لمبدأ غريب على القانون الجنائي، مفاده (أن الإنسان متهم حتى تثبت براءته)، مع أن المعلوم بالضرورة هو أن الإنسان بريء حتى تثبت إدانته بارتكاب جريمة ما.
*عن"26سبتمبر" |
|
|
|
|
|
|
|
|
تعليق |
إرسل الخبر |
إطبع الخبر |
معجب بهذا الخبر |
انشر في فيسبوك |
انشر في تويتر |
|
|
|
|