د. علوي عبدالله طاهر - من الظواهر السلبية التي برزت في شهر رمضان المعظم ما يعرف بظاهرة اطفال الشوارع، التي كثيراً ما رأيناها تطل برأسها في حارات بعض المدن وازقتها وشوارعها، والمتمثلة في وجود اطفال يفترشون الثرى ويلتحفون الشمس، ينامون على الأرصفة وفي الحدائق العامة، او عند مداخل المساجد، لظروف عائلية غير سوية، اجبرتهم على ترك منازلهم واللجوء الى الشارع هروباً من معاناة نفسية وضغوط اجتماعية لم يستطيعوا التكيف معها، فاصبح الشارع بالنسبة لهم ملاذاً يحتمون فيه من بيئة منزلية حرموا فيها من حقوقهم المعترف بها دولياً.
لقد اجبرتهم الظروف الاجتماعية على ترك بيوتهم -ان كانت لديهم بيوت- والبقاء لفترات طويلة اثناء الليل والنهار في الشارع، فاضطر بعضهم للعمل في اعمال هامشية مثل مسح الاحذية او بيع سلع تافهة كمناديل الورق ونحوها، او القيام بالتسول لجلب الرزق، وكثيراً ما يتعرض مثل هؤلاء الاطفال لبعض المخاطر التي تؤثر في مستقبل حياتهم، وخاصة اذا ما اختلط بعضهم باصدقاء السوء، او التقوا بأشخاص عديمي الضمائر فيوجهونهم للاشتغال بأعمال غير قانونية، او يعوّدونهم على سلوكيات غير سليمة.
وبعض هؤلاء الاطفال ربما تكون لهم اسر يتركونها في النهار ويعودون اليها في المساء للمبيت، حاملين معهم بعض الريالات التي كانوا قد جمعوها ليساعدوا أباً مُقعداً او أماً عاجزة، او اخوة يتامى، وبعضهم تكون صلتهم بأسرهم ضعيفة يتركونها ولا يعودون اليها الاّ في اوقات متباعدة، وبعضهم ترك اسرته في القرية واتجه الى المدينة آملاً ان يجد فيها ما افتقده في القرية من رعاية او حماية او طعام وكساء، فاذا بالشارع يجتذبه الى مهاوي الرذيلة او يدفعه الى دياجير الانحراف.
وكثير من اطفال الشوارع انقطعت علاقاتهم مع اسرهم التي اضطروا لتركها اما هروباً من سوء المعاملة، او بحثاً عن لقمة العيش التي افتقدوها إما لفقدهم من كان يعولهم بالموت او بالطلاق او بالهجر او نحوها.
وظاهرة اطفال الشوارع ليست ظاهرة محلية ولا هي قضية يمنية فحسب، بل هي ظاهرة عالمية، وقضية دولية، ينبغي ان تلقى اهتماماً من المجتمع الدولي الذي يجب ان يوليها عناية كبيرة خاصة منذ مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك لكثرة المخاطر التي تعرض لها اطفال العالم، وتعدد او تنوع المشكلات التي عانى منها الاطفال من جراء اساليب الاستغلال والعنف والفقر والجوع والمرض، حيث ان الطفل يكون غالباً عاجزاً عن الدفاع عن نفسه، وغير قادر للمطالبة بحقوقه، وهو ما ادى بالمجتمع الدولي الى اصدار تشريعات في محاولة منه للتصدي لهذه المخاطر، والبحث عن العوامل المسببة لها، والحد من استمرارية استغلال الاطفال وتعرضهم للخطر.
فبدأت المنظمات الدولية والاقليمية والمحلية تعطي اهتماماً متزايداً لقضايا الطفولة، فعقدت المؤتمرات، ورصدت الاحصاءات، ووضعت الاتفاقيات والتشريعات التي تصون حقوق الطفل وتحميه من التعرض لمخاطر الاستغلال من الكبار، ومن ذلك الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام ٩٨م، والتي تجاوبت منها بلادنا.. وعلى إثر ذلك التجاوب تأسست في مدينة عدن جمعية حقوق الطفل اليمني عام ٠٩م، والتي نمت وتطورت واصبحت معلماً من معالم مديرية الشيخ عثمان بما تقدم من خدمات فاعلة للاطفال، وبما تسهم به من تبني قضايا الطفولة والدفاع عن حقوقها، عبر وسائل الاتصال الجماهيرية المختلفة، ولكن رغم كل الجهود المبذولة لاتزال ظاهرة اطفال الشوارع كبيرة وصارت ملفتة للنظر، وهي ظاهرة خطيرة ان بقيت دون معالجات لاستئصالها من جذورها.
ولعل من اسباب انتشار هذه الظاهرة في مجتمعنا من وجهة نظرنا ما يلي:
١- العامل الاقتصادي: حيث شهد المجتمع اليمني في مرحلة ما بعد الوحدة المباركة تغييرات سريعة شملت مختلف جوانب الحياة بما في ذلك الحياة الاقتصادية، حيث تبنت الدولة سياسة الانفتاح الاقتصادي، والتي على اثرها اتجهت الدولة لتشجيع القطاع الخاص، ورفع الدعم عن السلع، مما ادى الى ارتفاع الاسعار فأدى ذلك الى انتشار الفقر في كثير من الاسر، ولما كانت كثير من الاسر تعيش دون مستوى خط الفقر، فقد ادى ذلك الى جعل الوالدين في بعض الاسر يدفعون ابناءهم الى ممارسة اعمال التسول، او الاشتغال ببيع بعض السلع الهامشية طوال اليوم لمساعدتهم، وفي بعض الحالات تقسو الاسرة على الطفل مما تجعله يهرب الى الشارع، وفيه يتعرض لمختلف اساليب الاستغلال والعنف والانحراف.
٢- نمو وانتشار التجمعات العشوائية: اذ تعتبر التجمعات العشوائية في بعض المدن الرئيسية بؤرة اساسية لاستقبال اولاد الشوارع، وذلك لأن غالبيتهم يولدون ويعيشون في هذه التجمعات، مما يستوجب اعطاء عناية خاصة لتطوير هذه التجمعات العشوائية والعمل على الحد من اتساعها، ذلك ان المستوى الرديىء لغالبية مساكن المناطق العشوائية، وضيق شوارعها، وتعرجاتها، نتيجة البسط العشوائي على الاراضي، ادى الى افتقار نسبة كبيرة من المساكن العشوائية الى المرافق الخدماتية الاساسية كالمياه والمجاري والكهرباء، وعدم وجود احتياطات لمواجهة المشكلات الطارئة كالحريق وانتشار الأوبئة، وتكدس القمامة وعدم النظافة، كل ذلك من شأنه ان يؤدي ان لم يكن قد ادى الى ان يصبح بيت الاسرة بيئة منفرة للطفل، وبالتالي يكون الشارع افضل منه بالنسبة لبعض الاطفال، خاصة عند زيادة الكثافة السكانية، او عند تكدس اكثر من اسرة في مسكن واحد.
٣- الوضع الاجتماعي للأسرة: حيث تلعب الظروف الاجتماعية لبعض الاسر دوراً كبيراً في انتشار ظاهرة اطفال الشوارع، حيث تقوم الاسرة باكساب الطفل بعض سلوكياتها الخاطئة، او تورثه اياها عن طريق تعويدة على انماط من الافكار والسلوك والقيم واساليب التربية والمعاملة غير المستحبة، فلا يستطيع التخلص منها بسهولة، فيشب عليها حتى تتغلغل في مكونات شخصيته، وينتمي عادة اطفال الشوارع الى اسر تعاني من انخفاض الدخل وتدني مستوى التعليم، وافتقار الى الوعي التربوي والصحي، وقصور في الرعاية الاجتماعية، فينعكس ذلك سلبياً على الطفل، فتقل تطلعاته، ويتضاءل طموحه، فيصبح عرضة للانحراف نتيجة للحرمان والرغبة المتزايدة لاشباع حاجاته، كما ان انخفاض المستوى التعليمي للوالدين، وارتفاع نسبة الامية يؤدي الى عدم وعي الاسرة بأهمية التعليم مما يجعلهم لا يكترثون بالتعليم، ولا يقلقون اذا ما ترك ابناؤهم المدرسة ولجأوا الى الشارع.
يضاف الى ذلك كبر حجم الاسرة وضيق المسكن نتيجة الفقر قد يؤدي الى الرغبة احياناً الى إبعاد الطفل عن البيت لفترات طويلة، فيكون الملاذ هو الشارع.
٤- تفكك الاسرة: ليس بخاف ان التفكك الاسري يؤدي الى مشكلات كثيرة تدفع بالطفل احياناً الهروب منها الى الشارع، لأنه يكون قد فقد الحنان الابوي، وافتقر الى رعاية الوالدين او احدهما، فينتابه شعور بالنقص والحرمان مما يدفعه الى الانحراف، والبحث عن بيئة اخرى غير بيته، التي لم يجد فيها الامان، ولعل ذلك هو ما يدفع كثير من اطفال الشوارع الى ترك اسرهم دون عودة، ويفضلون التسول في الشوارع بحثاً عما يسد رمقهم، بدلاً من العودة الى بيوتهم التي لا يجدون فيها الامان والرعاية.
تلكم هي بعض الاسباب المؤدية الى انتشار ظاهرة اطفال الشوارع وهي بحاجة الى معالجات جادة للحد من تأثيراتها على المجتمع عموماً وعلى الاطفال خصوصاً، وهو ما يتطلب تضافر جهود جميع افراد المجتمع ومؤسساته.
|