دكتور/عبدالعزيز المقالح -
كنت قبل أسابيع قد كتبت مثالاً قصيراً، حاولت فيه أن أشير إلى وجود دلالة لفظية بين الكُره (بتسكين الراء) والكُرَة (بتحريك الراء)، وأعترف أن ذلك الاستدلال لم يعجبني شخصياً، كما لم يعجب بعض القرّاء الشغوفين بكرة القدم، لمعرفة الناس بأنها أشهر الألعاب الرياضية وأكثرها استقطاباً للجماهير، وكنت أعد نفسي واحداً من المعجبين والمشجعين لكل أنواع الألعاب الرياضية، بوصفها ألعاباً، ولأنها تبني الأجسام ومن ثم تبني العقول، فالعقل السليم -كما تعلمنا- في الجسم السليم. لكن التحوّل الذي حدث مع كرة القدم وإخراجها عن هدفها الرياضي الرامي إلى تقوية الروح الرياضية ، واحترام الآخر والتعامل معه (بروح رياضية) لا مكان معها للتعصب والتحزب الأعمى، هذا التحول الغريب دفع كثيراً من عشاق هذه الرياضة إلى الانصراف عن متابعتها وتشجيع أبطالها.
وإذا كانت الألعاب الرياضية ، وفي طليعتها كرة القدم تستخدم في الأقطار الراقية لإصلاح ما تكون السياسة قد أفسدته من علاقات، فإنها في الأقطار المتخلفة تستخدم على العكس من ذلك ومنها إفساد ما أصلحته السياسة، وما ينبغي أن تكون عليه حالة العلاقات بين الشعوب، شقيقة كانت أو صديقة. وما حدث ويحدث في هذه المرحلة - عربياً- لن نعده سوى سقطة أخلاقية لن تتكرر، ولا يجوز أن تتكرر لاسيما بين الأشقاء، الذين تربطهم علاقات وثيقة من اللغة والثقافة والتاريخ المشترك. ولعل الاهتمام بهذا النوع الرياضي دون بقية أنواع الرياضات، ربما أدى إلى انصراف عدد كبير من الشباب الموهوب عن العلوم، وشغلهم عن العمل على تطوير الزراعة والصناعة والإبداع في كثير من المجالات الحيوية. وسيكون من مصلحة الشعب العربي وشعوب العالم أجمع أن تخرج الرياضة عن دائرة التسيس والشعبوية الزائفة، وتعود إلى ما كانت عليه، وسيلة للتنافس الخلاّق والمهارات الإنسانية البارعة، وأن يكون التشجيع للاعب أو اللاعبين لمهاراتهم وجهدهم، بغض النظر عن أوطانهم أو قومياتهم، فاللعبة فن بديع، وأداة لتبادل الخبرات وتوطيد للعلاقات بين الشعوب، لاسيما تلك التي أنهكتها الخلافات وفرضت سدوداً وحدوداً لا طاقة للسياسيين والاقتصاديين على تجاوزها ، ونجحت الكرة في إيجاد ثغرة في تلك الحدود ، وإقامة علاقات إنسانية ترتفع فوق الخلافات والاختلافات . والآن، ونتيجة ما حدث ويحدث في ميادين الكرة ، لا أستغرب ما يقوم به البعض من إنشاء جمعيات تحارب كرة القدم ، وتدعو إلى مقاطعتها، ولست من المحبذين لإقامة هذه الجمعيات ، إلاّ أن تكون رسالتها الدعوة إلى الالتزام بالأخلاق الرياضية ، ونشر ثقافة المحبة والتسامح لدى الفرق الرياضية من ناحية ، ولدى الجمهور المتحمس أو المتعصب من ناحية ثانية، والبحث عن اهتمامات أخرى ، تشغل الجمهور الواسع وتتحكم بمشاعره، بعد أن افتقد التوازن النفسي والأخلاقي في أكثر من موقف ، وفي أكثر من ميدان ، وفي أكثر من بلد. المبدعة مها صلاح في إصدارها الجديد: "قصص ونصوص" هو العنوان الجانبي للكتاب الجديد الذي أصدرته المبدعة مها صلاح، أما العنوان الرئيس ، فهو "كانت تأخذني التناقضات" ، وما يكاد القارئ يمسك بالصفحة الأولى منه حتى يجد نفسه مأخوذاً ، بل مسحوراً بعوالمه المثيرة للتأمل والإعجاب, بما فيها من الواقعي المحزن والمروع، والمتخيل المدهش والحالم، في لغة هي الأصفى والأجمل في كل ما قرأت في الأيام الأخيرة من إبداعات الجيل الجديد من شباب وشابات ، يأخذون طريقهم إلى عالم الإبداع الجديد ببراعة وثبات. تأملات شعرية: من السهل أن تشعل النار في غابةٍ بيد أن من الصعب إطفاءها ومن السهل نشر التعصب في زمن الافتقار إلى العقل لكن من الصعب نشر المحبة في غابة لا تجيد التسامح والابتهال. خفف الحزن يا صاحبي وتذكّر بأنك لست الوحيد الذي يكتب الكلمات على الماء يبني قصور التفاؤل فوق الرمال.
|