أحمد غيلان -
.من الطرائف المتداولة عن أسطورة الطرفة في أدبنا العربي (جحا) أن أحدهم استوقفه ذات يوم وسأله باستفزاز:
- يا جحا.. مازرت بلداً أو مدينة إلا وجدتك فيها أو سمعت أنك سبقتني بالمرور عليها أو تبعتني إليها.. فما هي ضالتك وعم تبحث؟
أجابه (جحا) ببساطة شديدة:
- أبحث عن المال..
رد عليه الرجل بشيء من التعالي والاندهاش المصطنع:
- وهل يستحق المال كل هذا العناء والتنقل؟
أجاب جحا بذات البساطة:
- عندي نعم.. فما ضالتك أنت وعم تبحث؟
- أجاب الرجل بأنفة مصطنعة أيضاً:
أبحث عن المجد والشرف والكرامة والقيم النبيلة..
- فرد عليه جحا ببرود أكثر:
لا غرابة في ذلك.. فكل منا يبحث عما ينقصه..
•هذه الطرفة تتبادر إلى ذهني كلما سمعت أو قرأت أو تابعت بكائية لـ"المشترك" من تلك البكائيات التي يفرط أصحابها في النياحة على قيم الديمقراطية وقيم المواطنة وقيم النزاهة والعدالة والحرية والمساواة و.. و.. الخ.. من القيم التي لا نجد لها في سلوكياتهم وممارساتهم اليومية والدورية والموسمية محلاً من الحضور.
•أدعياء الحوار هم أول الهاربين من الحوار وأكثر الناكثين للاتفاقيات التي أفرزتها مراحل الحوار.. وأكثر من يعيق برامج وأجندات الحوار.. وأكثر من يتملص من جدية الحوار، ويفقد كلمة الحوار قيمتها ومعناها.
•المتباكون على الديمقراطية هم أول وأكثر من يكفر بالديمقراطية ونتائجها، ويهرب من صناديق الاقتراع، ولا يعترف بإرادة الجماهير ويقتنص الفرص للانقلاب عليها تحت شعارات ونظريات وتنظيرات عن القيم الديمقراطية أيضاً.
•ونجدهم يشكون من الانفلات الأمني وغياب الأمن والاستقرار والسكينة، وهم من يقلق السكينة العامة ويؤجج الفوضى ويناصر الجريمة والمجرمين.
•ويصمون أذاننا وأجواءنا بتنظيراتهم عن الإصلاحات المؤسسية والاحتكام إلى الدستور والقانون والتشريعات وهم أعجز من أن يصلحوا أنفسهم ويمأسسوا رؤاهم وأداءهم وأحزابهم التي تحولت إلى أوكار للتآمر والتدليس والزيف.. وبث ثقافة القفز على القوانين والتشريعات.
•سيقولون أنهم معارضة.. ونحن معهم في ذلك، لكن المعارضة لا تعني الرفض المطلق والكفر للآخر، والتضاد المطلق معه.
•اذاً فالمسألة فضلاً عن كونها دليل قلة وعي وضعف إرادة وعدم مصداقية وثقة في النفس، فإنها كذلك تندرج ضمن عقد النقص التي أفتى فيها (جحا) وهو يقول لمحدثه المتبجح: (لا غرابة.. فكل منا يبحث عما ينقصه).