-
من حق الجمهورية اليمنية، كما المملكة العربية السعودية، ومصر، والأردن وغيرها من الدول العربية أو الأجنبية إغلاق مكاتب القنوات الفضائية التي تنقل جزءاً من الصورة “فقط” أو تنظر بعين واحدة لما تريد، وتتجاهل بقية المشهد عن قصد وسوء نية.
فالمهنية والاحتراف والمصداقية، التي يتشرب أبجدياتها طلاب الصحافة والإعلام، وتتشدق بالالتزام بها عديد من الصحف والفضائيات تقتضي نقل الصورة من زواياها المتعددة، ومنح المختلفين في الرأي مساحة متوازية... بل إن المسئولية الاجتماعية تفرض على وسائل الإعلام عدم تضخيم الصغائر وتكبير التوافه.. ومنح الخارجين على الأنظمة والقوانين فرصاً للظهور.. بوصفهم مناضلين وطلاب حق، وأصحاب قضايا مشروعة.
< < <
والأمر هنا لا يتعلق بسحب جهازي البث التابعين لقناتي العربية والجزيرة من مكتبيهما في صنعاء، بقدر ما يؤكد ضرورة احترام هاتين القناتين لدستور البلد الذي تغطيان أحداثه، وحتى إن كانت هاتان القناتان تابعتين لبلدين يتيحان لمعارضيهما فرص الظهور والإساءة للنظامين فيهما - وهو ما ليس متوافراً - فلا يحق لهما البتة الإساءة لبلد آخر، تحت أية ذريعة من الذرائع!.
< < <
في تغطية قناة الجزيرة الأربعاء الفائت للاعتصامات التي دعت إليها أحزاب ما يسمى بالمشترك تضامناً مع بعض العناصر الانفصالية ؛ تعمدت القناة التهويل من حجم تلك الاعتصامات مع أنها لم تتجاوز المئات في أحسن الأحوال.. وإن كان يشفع للجزيرة اعترافها في سياق التقرير على لسان المذيع – غير اليمني بالطبع – بأن خروج المشترك جاء بعد إعلان الدولة مواجهة الانفصاليين!! وهي فلتة لسان صادقة من مذيع الجزيرة، وليس من فضائية اليمن، أتمنى ألاّ يحاسبه عليها حمد بن ثامر!.
< < <
يقول المثل اليمني “يا موزّع المرق أهل بيتك أحق”.. والأصل أن تبدأ هذه القنوات بأهلها.. إلاَّ إذا كانوا يريدون إقناعنا بأن بلدانهم قد شبعت حرية رأي وتجشّأت ديمقراطية، وصاروا يضاهون فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة في ذلك، فلهم الحق في كل ما يفعلونه بنا.. ولكنْ هم يعلمون أن ذلك لم يحدث بعد، وحتى في أمريكا لا تزال هناك بعض المحاذير.. وأحسب أنه لم يغب عن بال الإخوة في قناة الجزيرة مقتل مراسلهم طارق أيوب إبان تغطيته للحرب الأمريكية على العراق , واعتقال مدير مكتبهم في افغانستان تيسير علوني , وحبس مصورهم سامي الحاج في معتقل جوانتنامو على خلفية الحرب على طالبان!.
< < <
منذ تأسيس الجزيرة في ديسمبر 1996م تعرضت مكاتبها للإغلاق في القاهرة والسودان والكويت وبغداد وإيران وعمان لفترة.. ولم يسمح لها بفتح مكتب في الرياض، إلاّ بعد تعهّد بالكف عن الإساءة للشقيقة المملكة العربية السعودية، والأمر نفسه مع بقية دول الخليج.. أما في اليمن فالجزيرة تصول وتجول على كل المحاور دون حسيب أو رقيب.. حتى عندما تجاوزت الثوابت الإعلامية بالتعامل مع أخبار المتمردين الحوثيين والانفصاليين والإرهابيين من تنظيم القاعدة بنوع من التعاطف ؛ لم يردعها أحد، على أمل أن تراجع هذه القناة نفسها.. مع أن موقفها ذلك لطالما أساء لها، وجعل كثيراً من اليمنيين يتحولون عنها إلى قنوات أخرى حيادية وأكثر مهنية.. ولم تتراجع الجزيرة عن سياستها القائمة على التضخيم والتهويل، ومنح الفرصة للشذاذ من الانفصاليين والمتمردين والمدافعين عن إرهاب القاعدة للإساءة إلى اليمن.. ربما ارتكاناً من القائمين على هذه القناة على سعة صدر اليمن وصبرها الذي بلغ حداً لا يطاق.. ويصبح الأمر معيباً إذا ما ظنوا أننا ضعفاء أمام قناتهم التي يحكمها التعجرف والتخبط ذات اليمين .. وذات الشمال!.
< < <
الأمر ليس ضعفاً...وإنما هو احترام لحرية الصحافة التي لا تكاد تضاهي اليمن فيها سوى دولتين عربيتين أو ثلاث على الأكثر..وقناة الجزيرة خير من يعلم وضع الصحافة في اليمن.. كما أن القائمين عليها يدركون أن الحرية لا تعني نشر الغسيل، وتجريح الدول والإساءة للرموز، فالديمقراطية التي يهرطقون بها لا يطبقونها على الجميع بما فيها دولة المقر.. وإلا لأغلقت مكاتب قناتهم كل دول الجوار..ولوجدت نفسها على شفا الإفلاس دونما داعم أو مُعين.. ولأغلقتها الدوحة نفسها بالضبة والمفتاح!.
< < <
لا تحتاج قناة الجزيرة لمن يدافع عنها , ولا يهم أن يتضامن معها بعض الغلمان والمراهقين فكرياً من المحسوبين على مشترك الانفصال والقاعدة.. لكن المؤكد أنها تحتاج لإعادة ثقة المشاهد اليمني فيها وجعلها في موضع يده من الريموت كونترول كما كانت لسنوات.. ولن يتأتى ذلك إلا باحترام عقل المشاهد وتقدير حبه لوطنه ووحدة بلده.. ولا يعني ذلك أن تتحول إلى قناة “عوراء” تدافع عن النظام في اليمن.. بقدر ما يعني احترام دستور الجمهورية اليمنية وقوانينها النافذة.. وإن شاءت تغطية أحداث التمرد وقطع الطرق فمن هذا المنظور.. لا كما فعلت خلال الأشهر الماضية..حيث ظل مراسلوها يلاحقون شذاذ الحراك وكأنهم (المهاتاما غاندي) أو (نيلسون مانديلا)، فيما غضوا الطرف عن إحراق محلات المواطنين من أبناء المحافظات الشمالية في أبين ولحج، وتجاهلوا قتل عابري السبيل من الآمنين أمام أولادهم وزوجاتهم من قبل المنتمين للحراك الانفصالي القاعدي على الطرقات في أبين ولحج والضالع وبعض الضحايا مع الأسف من قرى مراسلي الجزيرة بصنعاء!!.
< < <
الحرية ليست فوق الدساتير والقوانين.. ويحق لكل دولة أن تدافع عن سيادتها وتحافظ على أمنها وتفرض هيبتها.. مالم فسيتحول الأمر إلى فوضى ودعم لمن يحرضون على تفتيت الأوطان.. وقطع الطرقات، وإزهاق الأنفس، وإذا شاءت الجزيرة أن يكون لها مكان في اليمن فلتحترم سيادة بلدنا.. ما لم فمن الخير لنا ولها أن يغلق مكتبها، ويُمنع مراسلوها.. ولن يضيرنا بعد ذلك أن تبث ما تشاء بطرق غير مشروعة.. فعلى الأقل سيتم التعامل مع من يشجعها بالمثل.. وسيعرف اليمنيون دونما مواربة عدوّهم من صديقهم, ومن يسعى لتمزيق وحدتهم، ويخطط لتفريق جمعهم.
ونربأ بأشقائنا في قطر.. أن يشجعوا على ذلك, فلا نزال – نحن اليمنيين – نكْبِر مواقفهم الداعمة للوحدة إبان الحرب على الانفصاليين في صيف 1994م.. رغم مئات الملايين من الدولارات التي عرضت عليهم للانضمام للمسيئين لوحدة اليمن، على حد قول رئيس وزراء قطر حمد بن جاسم لقناة الجزيرة قبل بضعة أسابيع.
< < <
لا خوف على وحدة اليمن من أحد.. وقد تغلب اليمنيون على صعوبات ومحن أشد.. لكن الإعلام في أيامنا يصنع من الحبة قبة.. وغرّر حتى على كبار الصحفيين أمثال الكاتب الأمريكي الشهير توماس فريدمان الذي اضطر لزيارة صنعاء الشهر الماضي للتأكد عن قرب، وكتب في مقال له أنه كان يتوقع أن يستقبله أسامة بن لادن في مطار صنعاء!!.
سندافع عن وحدتنا.. وبلدنا.. بكل الوسائل... لأننا على يقين أن اليمن فوق الجميع.. ووحدتها أهم من الأحزاب الطامعة.. ومن الحرية غير المسئولة التي يهرف بها تجار الأزمات.. وبائعو الكلام في الفضائيات!.
واسلمي يا يمن!
كلمة صحيفة الجمهورية