ناصـر محمد العطــار* -
كلما اقترب الوقت لإجراء الانتخابات النيابية في موعدها الدستوري تشهد الساحة زخماً هائلاً من الأقاويل والاحاديث وسقيمها وصحيحها يتركز عما كان وما سيكون وما يجب عمله في سبيل التهيئة لإجرائها وهذا التنوع والتعدد في المفاهيم يعد ظاهرة صحية من شأنها تعميق وترسيخ النهج الديمقراطي..
لو لم يرافقها الأنشطة المحمومة لأحزاب اللقاء المشترك والتي تسببت بسبب خبث مخططيها ومنفذيها الى تشويش الرأي العام واشغال الجميع دولة ومؤسساتها ومنظمات مجتمع مدني وافراد في إجبار الجميع على وضع اتفاقات ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب والمشقة والمصير المجهول للوطن ومكتسباته في الوحدة والوحدة والديمقراطية وبناء مجتمع مدني حديث ومهما كانت واضحة المعاني والدلائل وعلاقتها بأطرافها أولاً وبالعملية الانتخابية والدستور والقوانين ثانياً..
إلاّ أن الأمر سيان ويصب في نتيجة واحدة ومحتومة لو لم يتم التدارك لتجنيب الوطن مما قد يحدث لو تم العدول عن الانتخابات وإحلال بدائل أخرى تخدم وتحقق مآرب تلك الأحزاب ونافذيها والحديث يطول في هذا المجال وسنكتفي بالتنويه للجميع أن يتمعنوا في الأنشطة التي رافقت سير أعمال التحاورات والعوائق والعقبات التي وضعت أمام تنفيذ ما تم الاتفاق عليه وآخر ذلك اتفاق فبراير 2009م، وما أعقب ذلك حتى اليوم والتكهن بما سيكون مستقبلاً ولأن البعض قد تأثر أو تأرجح في قناعاته وتكوين رؤيته بشأن الانتخابات بإجرائها من عدمه أو ما كان منها قد تعامل مع اتفاق فبراير أو غيرها كبديل للقواعد الدستورية والقانونية أو آمن بأنه لا يمكن اجراء الانتخابات إلاّ وفقاً لرغبات تلك الأحزاب.. الخ، لهذا وفي سبيل إزالة الضباب لتتضح الرؤية كوضح النهار لدى الجميع والتي تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك بأنه لا توجد أية مبررات أو أسباب مهما كانت قوتها حتى ولو كانت جميع الأحزاب مجمعة في طرحها والتي من شأنها تعطيل العمل بالدستور والقوانين أو اعاقة إجراء الانتخابات في موعدها وذلك للمبررات التالية:
أولاً: أن الانتخابات في جميع الفلسفات والثقافات قد ظهرت كفكر حديث بنظريات سيادة الأمة أو سيادة الشعب وأن المشرع اليمني قد أخذ بأحدثها وأكثرها ملائمة وتماسكاً في نسيج الشعب، بحيث اعتبرها حقاً للشعب وبالتساوي ودون تمييز وذلك في انتخاب رئيس الجمهورية وأعضاء السلطة التشريعية والمجالس المحلية وأن انتخابات أخرى وفقاً للمبادئ السامية في الحضارات الانسانية واحترام الحقوق والحريات وما يناسب ما يجسد احكام الشريعة الاسلامية والمرتكزة على مبدأ العمومية والسرية، ومبدأ حرية الانتخابات، ومبدأ الشخصية، ومبدأ الانتخاب المباشر وجميعها لا تعترف إلاّ للشعب في ممارسة الانتخابات ودون وصاية أو اذاعات لرغبات أي قوة أو فئة مهما كانت.
ثانياً: إن الاحكام والاجراءات المتعلقة بممارسة الانتخابات قد حددت بالدستور وفقاً لنص المادة »4« والمادة »41، 42، 43، 62، 63، 159« وغيرها من المواد والتي أجملت القواعد المنطلقة بالانتخابات كأساس للتداول السلمي للسلطة وحقوق وواجبات المواطنين وعلاقة نتائج الانتخابات في تشكيل سلطات الدولة وتعتبر من المواد الجامدة التي لا يجوز تعديلها إلاّ باستفتاء من الشعب ثم أورد المشرع بالقوانين كافة الاجراءات والضوابط والشروط بدءاً بعملية قيد من يحق لهم ممارسة الانتخابات وانتهاءً بالاقتراع والفرز واعلان النتائج وأخذ بأفضل الأنظمة المتبعة والمطبقة في معظم الدول الديمقراطية والتي من شأنها تعزيز مبدأ الشفافية وتفصيل جوانب الرقابة على سير أعمال الانتخابات بكافة فروعها وكلنا لمسنا ذلك وما يجب التنويه به هو أن المشرع اليمني قد تفرد في جعل لجنة الانتخابات مستقلة وأناط بها مهاماً ذات طابع رقابي ولم يجعلها كطرف إما باخضاعها للقضاء أو لأي من الوزارات وذلك حتى تكون قادرة على الرقابة والادعاء وإحالة المخالفين لاتخاذ الاجراءات ضدهم بما فيها الجزائية.
ولكل ما ذكر نستطيع الوصول الى قناعة تامة أن اتفاق فبراير بات ملغياً لانقضاء الفترة الزمنية لانفاذه وذلك فيما يتعلق بين اطرافه الموقعة عليه أما فيما يتعلق بعلاقته مع الدستور والقوانين فإنه غير ملزم منذ صدوره.. كما وأن قرار مجلس النواب لا يعتبر ذا حجية بموجبه يكسب الحق الرقي على الدستور لأنه كما أسلفنا القواعد التي تحكم العملية الانتخابية واردة ضمن المواد الجامدة التي لا تعدل إلاّ باستفتاء قد يقول قائل لماذا تم الاتفاق إذاً، نعم، لقد تم في سبيل التوافق وايجاد أجواء آمنة وملائمة تتمكن كافة الأحزاب والمواطنون من ممارسة حقوقهم بعيداً عن الاجواء الموتورة وبما من شأنه تجسيد سمعة اليمن وبيئته الاستثمارية بإضفاء ما تلمسه من الأنشطة التي أساءت واستهدفت كل مكتسباته وهذا القول قد سبق الاشارة اليه من قبل فخامة الأخ القائد الرمز علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية -رئيس المؤتمر الشعبي العام في كلمته التوجيهية لابناء القوات المسلحة والأمن من المتدربين والخريجين وهذا نابع من المفاهيم والقيم الديمقراطية ومتواكب مع الدستور والقوانين مهما تقول المتقولون وتشدق المتشدقون والمؤمل والرجو من الله سبحانه أن يهدي الجميع للوقوف مع الوطن وتحقيق مصالحه.
كما نأمل من الشخصيات السياسية والاجتماعية والدينية والمثقفين وعامة افراد الشعب أن يستفيدوا من تجربة مجتمع تريم وثقافته في تكوين رأي عام وايجاد ثقافة فمن يهمه وفقاً للوسطية والاعتدال لقد ابهرنا جميعاً عند ما شاهدنا وسمعنا الخطابات والعقليات التي تزامنت مع تتويج مدينة تريم عاصمة للثقافة الاسلامية 2010م، والتي دللت في مجملها بأن مدينة تريم ظلت وستظل منبراً ومشعلاً من منابر النور والهداية فلقد تفردت بأنها أرقى المدن تاريخاً وثقافة وعمراناً وتستحق أن تتوج من قبل العالم كمدينة لنشر السلام والمحبة والتسامح فمخرجاتها من طلاب وعلماء قد ساهموا بنشر تعاليم الدين الحنيف بالمنطق والمعاملة الحسنة ولم تشهد أو يشهد العالم وأينما وصلت أقدامهم أن ضاق بهم أي مجتمع أو حتى فرد بل لقد حظيوا باحترام ومحبة لأن مفاهيمهم وأياديهم لم تتلطخ بالثقافات المتطرفة..
فلم يهدموا مآثراً أو معلماً من الحضارات ولم يسفكوا دماً أو يسلبوا حقاً من حقوق الآخرين إنهم بحق سفراء الانسانية والمحبة ويجدر بنا أن ننهج ونكرس هذه الثقافة في قيمنا وسلوكياتنا الاجتماعية والسياسية والحزبية حتى نرقي بشعبنا الى المكانة العليا من الأمم.
*رئيس دائرة الشئون القانونية