محمد حسين العيدروس -
عندما ضربت مدينتا «هيروشيما» و«ناكازاكي» اليابانيتان بأول قنبلتين ذريتين عرفتهما البشرية ظن العالم بأسره أن الدمار الهائل سيطمس اليابان من خريطة العالم.. لكن بعد عقدين من ذلك كانت اليابان تغزو أكبر الأسواق العالمية بمنتجاتها الصناعية التي لا يخلو بيت على وجه الأرض منها اليوم..!!
ما حدث في اليابان لم يكن بفعل عصا سحرية لدى إمبراطورها، بل بأمرين أساسيين:الأول تمثل بإرادة دولية من قبل الدول الكبرى التي مدت لها يد العون، والثاني كان هو الأهم وتمثل بإرادة وطنية، إذ أن جميع القوى الشعبية شمرت سواعدها، واستنفرت إمكانياتها، وراهنت على التحول إلى الرقم الذي صارت عليه، فكانت تلك الارادة الوطنية هي المعجزة الحقيقية التي أثارت دهشة العالم.
عندما نتصفح التاريخ، ونتأمل بالتحديات التي واجهتها البلدان المتخلفة، بما فيها بعض حقب تاريخنا اليمني، نكتشف أن ما نواجهه في بلدنا اليوم ليس بالتهويل الذي تتداوله أحزاب اللقاء المشترك وأبواق في الخارج، وليس بالتعقيد الذي يعجزنا بإحباطاته، وإنما هي سلسلة ظروف صعبة تترقب بلورة إرادة وطنية يمنية تفك طلاسمها، ويزيل اشكالياتها..
ويبدو أن عدم اكتمال نضوج الفكر السياسي لساحتنا الوطنية هو من أعاق تبلور الإرادة الوطنية، المنشودة، وذلك على خلفية اعتقاد البعض أن تلك الإرادة أمر يخص السلطة- صانعة القرار- ولا يعني سواها من القوى السياسية والشعبية لكونها تتجاهل الخطوط الديمقراطية التي جعلت منها طرفاً أساسياً مؤثراً في القرار التشريعي «البرلماني» الذي تسير على هديه السياسة الحكومية، ولا يحق لها إبرام عقد أو اتفاقية أو اعتماد وميزانية بدونه.. وتجاهلت أيضا نفوذها في السلطات المحلية ومجالسها على مستوى العزلة والمديرية.. فضلاً عن تجاهل واجبات المواطنة، وما يترتب عن المواقف السياسية من أثر على استقرار الساحة الوطنية.
إن الرؤية القائمة للحياة الديمقراطية ما زالت مشوهة كثيراً جداً لدى البعض منا.. حيث أن بيننا من لا يعي أن الديمقراطية هي النقيض التام للعنف، والعصبية، والانتهاكات القانونية، وأنها خيار الأمن والسلام والحوار والشورى والصناديق الانتخابية.. لذلك يصطدم مجتمعنا بمن يصر على خرق قانون المسيرات باسم الديمقراطية والحرية، بل الأدهى أنه يجد من يطالب السلطات الأمنية بإطلاق سراحه متجاهلاً الضرر والأذى الذي لحق بالمصالح العامة والخاصة..
لا شك أن هذا النوع من التعاطي مع العملية الديمقراطية أوجد إشكالية كبرى، ليس فقط بانعكاسات على المسيرة التنموية أو أثرها الاقتصادي السلبي، أو بما خلق من ثغرات أمنية، بل أيضا في تنمية النزعات الفئوية والمناطقية ، والمذهبية، وتشجيع الممارسات والمواقف المتعصبة ، وبما يبدد أي إرادة وطنية مأمولة لمواجهة التحديات، وبحث حلول للقضايا الوطنية، أو مخارج لأي أزمات تعترض مسيرة الوطن..
ومن وحي الأحداث التي يشهدها اليمن يمكن القول أن هناك من يتعمد الممارسات السلبية التي لا تمت للثقافة الديمقراطية بصلة، ربما، في محاولة للانعتاق من الديمقراطية التي لم توافق تطلعاته ومصالحة والتهويل الدعائي الذي يحيط نفسه به.. أو أنه يجد ضالته في الفوضى والفتن وغياب الرقابة المدنية التي تفرضها المنظمات الناشطة في الساحة الديمقراطية..
ومهما كان منطلق تلك الرؤى، فإن الساحة اليمنية أمست في النهاية مشتتة الجهود، والمواقف، وأصبح العبء كله على عاتق الدولة وأجهزتها الحكومية التي يطالبها الجميع بكل صغيرة وكبيرة، وبكل ممكن ومستحيل، وقانوني وغير قانوني، بل إن أحزاب اللقاء المشترك وجدت بالمطالب التعجيزية فرصتها للانعتاق من التزاماتها الوطنية.