أحمد حسن عقربي – تصوير: صقر أحمد - الفساد اخطر عناصر الإخلال الذي ينخر في جسم المجتمع ويعطل اختياره الحر ويشوه جهوده ورؤيته الاستراتيجية في تحقيق التغيير والتقدم.. أما بالنسبة للفرد فإن الفساد هو طريق الاحباط الذي يجعل الفرد يائساً مما يفقده الاحساس والمسئولية بمشاكل مجتمعه ويجعله رافضاً للعطاء.. وبما ان التنمية المستديمة بحاجة إلى الإنسان وطاقاته وإبداعه وقدرته المعرفية وثقته وكذلك حاجتها إلى الاستثمار والأموال الطائلة.. ومع ذلك فهي بحاجة إلى الأمن والأمان والطمأنينة في ظل نظام محكوم بسلطة الشعب وسيادة القانون إلاّ أن الفساد باستشرائه يبقى السبيل الوحيد الذي يدمر كل تلك المقومات التي يتطلب توافرها لتحقيق التنمية المستديمة لكونه يحمل كل الآثار التدميرية ليست المادية فقط ولكن النفسية ايضاً وهو الأخطر وبهذا يفقد المجتمع كل مقومات تطوره وتقدمه.
وتأسيساً على ذلك فقد ادركت اليمن خطورة ظاهرة الفساد ذات الأوجه المتعددة على حياة المجتمع وتقدمه وصون ثرواته وحقوق افراده منذ فترة قصيرة بعد أن أصبحت رائحة الفساد تفوح وبقوة لم يستطع المواطن احتمالها، لذا كان طبيعياً أن تولي قيادة الدولة الاهتمام الواجب للحد من الفساد تدريجياً والقضاء عليه تدريجياً وتجسد هذا الاهتمام مع الجهود الدولية الرامية إلى إيجاد تنظيم قانوني دولي يساعد على محاربة الفساد باعتبار هذه الظاهرة لم تُعد شيئاً محلياً بل تُعد شيئاً دولياً كونها لاتقتصر على وطن أو بلد معين وإنما أصبحت تعني دول العالم بأكمله.
> ومن هنا كانت اليمن من الدول التي حرصت على المشاركة في اجتماعات اللجنة المتخصصة التي عهد إليه بمهمة إعداد وثيقة دولية لمكافحة الفساد وأيضاً حرصها على التوقيع على الاتفاقية المعدة من قبل هذه اللجنة المعتمدة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في أكتوبر 2003م والتي اطلق عليها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والتي تعرف أيضاً باسم المدينة المكسيكية التي انعقد فيها المؤتمر الدبلوماسي الرفيع المستوى الذي دعت إليه الجمعية العامة للأمم المتحدة للتوقيع على هذه الاتفاقية (ميروا) واستكمالها الإجراءات للتصديق عليها بصدور القانون رقم (27) لسنة 2005م بشأن المصادقة على هذه الاتفاقية، والبدء بتنفيذ بنود هذه الاتفاقية المتعلقة بإيجاد القواعد القانونية الكفيلة بمكافحة الفساد.. وترجمة عملية لمكافحة هذا الشر أعدت بلادنا مشروع قانون لمكافحة الفساد والذي هو حالياً قيد التصديق عليه من قبل مجلس النواب بعد أن صادق عليه مجلس الوزراء.
هل يخلو مشروع القانون من الثغرات؟
> مشروع القانون حدد الجهة المناطة بها اتخاذ التدابير لمكافحة الفساد وتدابير مكافحته وحدد جرائم الفساد والعقوبات والأحكام الختامية، لكنه لم يخلُ من الثغرات وهو سيكون موضوع مناقشات مجلس النواب التي قد تعالج هذه الثغرات حتى يكون مشروع القانون مكتملاً وشاملاً الرؤية والشفافية بعيداً عن النصوص والقواعد القانونية الغامضة التي قد تشكل مصدراً للتأويل والتفسير والتلاعب عند المساءلة الجنائية أو عند اصدار الأحكام أو حتى لايكون منفذاً للمحامي الشاطر النفاذ منه لانقاذ الفاسدين من وجه العدالة.
الفساد قضية رأي عام!!
> وحتى لايكون موضوع الفساد يشكل الشغل الشاغل لجهة بعينها بل يصبح قضية رأي عام تشارك في معالجته كافة الجهات الرسمية والمدنية والحرم الأكاديمي الذي دخل بكل ثقله من خلال إحدى مؤسساته التنويرية المعنية ككلية الحقوق أو كلية الشريعة والقانون، وإيماناً من رسالة الجامعة نحو المجتمع وحل مشاكله المتمثلة بمعالجة تعقيدات البناء الاجتماعي نظمت كلية الحقوق بجامعة عدن مؤخراً ورشة عمل حول التنظيم القانوني لمكافحة الفساد بمشاركة من رجال القانون من منتسبي هيئة التدريس في الكلية بمشاركة الدكتور نجيب أحمد عبيد مدير إدارة الأمم المتحدة/ دائرة المنظمات والمؤتمرات الدولية بوزارة الخارجية اليمنية.
مناقشة قانون مكافحة الفساد!!
> وطيلة المناقشات التي أثارها الأكاديميون التي اتسمت بالعمق والتحليل العلمي والجرأة العلمية والشفافية لمجمل النصوص القانونية التي تضمنها مشروع قانون مكافحة الفساد والاتفاقيات الدولية المعتمدة من قبل الأمم المتحدة وجميعها كانت تحت مجهر القانونيين وسندان رجال القانون المالي والاقتصاد الدولي..
وفي البدء استهل الدكتور نجب أحمد عبيد مدير إدارة الأمم المتحدة/ دائرة المنظمات والمؤتمرات الدولية بوزارة الخارجية اليمنية ورقته العلمية باستعراض على الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد وهي الاتفاقية التي اعتمدتها كمشروع الدورة السابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة التي استمرت من 29 سبتمبر إلى 1 أكتوبر ودعت فيها إلى عقد المؤتمر السياسي الرفيع المستوى للتوقيع على الاتفاقية في مدينة ميريدا بالمكسيك في الفترة من 9 إلى 11 ديسمبر 2003م وخلال هذا المؤتمر وقعت 140 دولة على هذه الاتفاقية وصادقت عليها 70 دولة ودخلت الاتفاقية في 14 ديسمبر 2005م فيما وقعت الجمهورية اليمنية على هذه الاتفاقية في 11 ديسمبر 2003م وصادقت عليها في 3 أغسطس 2005م في القانون رقم 47 لسنة 2005م.
اعتراف عالمي بأن الفساد آفة عالمية!!
> وفي هذه الاتفاقية اعترف العالم بأن الفساد آفة عالمية وخطيرة في حين أصبح على بلادنا- بعد أن صادقت على هذه الاتفاقية- عمل الكثير من الإجراءات منها إنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد وإعداد وإقرار مشروع قانون مكافحة الفساد ليكون متوائماً مع أحكام هذه الاتفاقية واستكمال الإجراءات القانونية الوقائية لمنع الفساد وإعادة النظر في تحفظ بلادنا على المادة (44) من الاتفاقية المعنية بتسليم المجرمين ويمكن الاكتفاء بحسب قول الدكتور نجيب بالإعلان ان بلادنا لن تعتبر هذه الاتفاقية أساساً قانونياً للتعاون بشأن التسليم مع سائر الدول الأطراف وأن تشترط لذلك توافر اتفاقية ثنائية، كما اقترح الدكتور تسمية سلطة مركزية وطنية تستند إليها مسئولية وصلاحية تلقي طلبات المساعدة القانونية المتبادلة وتنفيذ تلك الطلبات أو احالتها إلى السلطات المعنية لتنفيذها وإبلاغ الأمين العام للأمم المتحدة باسم هذه الهيئة وفقاً للاتفاقية.
مخارج قانونية لمكافحة الفساد
> أما الدكتور سعد محمد سعد عميد كلية الحقوق فقد كرس ورقته العلمية لاستعراض النصوص القانونية لمشروع قانون مكافحة الفساد مبيناً نصوصه ومحللاً مضامينه القانونية ومدى استيعابها للواقع اليمني وخطر الفساد لكنه أبدى كثيراً من الشفافية والحرص والجرأة الأكاديمية حينما تعرض للثغرات والنواقص والتي اكتنفها القانون وطرح مخارجه القانونية لمساعدة مجلسي النواب والوزراء عند مناقشة القانون والخروج برؤية شاملة قبل المصادقة عليه.. ومن المآخذ والملاحظ التي أثارها الدكتور سعد هي اكتناف مشروع القانون الكثير من القصور والثغرات والغموض من بينها عدم شمول التنظيم الحالي في المشروع على مختلف أوجه الفساد كالفساد القضائي، والفساد الأكاديمي وتركيزه على الفساد الإداري والمالي، في حين ان احكام الفساد موضوع التنظيم القانوني وهو الفساد وما يؤدي إلى مكافحته يقتضي وضع القواعد القانونية المحكمة والدقيقة، مثل تحديد المقصود بالفساد وصوره ا لمتعددة ووضع الأحكام العامة كل ما أمكن لهذه الصور والتحديد الشامل والدقيق للأشخاص الذين تُعد أفعالهم جرائم فساد ووضع التنظيم الدقيق للجهة المخول لها القيام بمهام محاربة الفساد وتحديد مايتوجب القيام به وضمانات قيامها بهذه المهام على الوجه الأكمل، بالإضافة إلى وضع الأحكام التي تجسد كافة أوجه التعاون الدولي لمكافحة وضمانات تحقيق هذا التعاون بما يحقق الفائدة لليمن، وكذلك إيجاد القواعد التي لاتكرر مضمون النصوص في قانون آخر بشأن الجرائم والعقوبات وإجراءات التحقيق أي بيان الاستثناءات بشأن جرائم الفساد عن ماهو معمول به بالنسبة لذات الجرائم التي لاتكون غايتها تحقيق الفساد أو التي يمكن ان يترتب عليها فساد قيم وأخلاق المجتمع.
لابد من تدابير لتجريم الفساد
> وفي سياق تحديد الاتفاقية لمكافحة الفساد لهذه الأفعال قطعاً تم توجيه كل دولة طرف في هذه الاتفاقية الدولية ان تعتمد ما قد يلزم من تدابير تشريعية وتدابير أخرى لتجريم هذه الأفعال في التشريعات الوطنية حتى يتسنى الملاحقة القانونية والقضائية لمرتكبي هذه الأفعال.. ولتكتمل الصورة في هذا المنحى القانوني في مجال تجريم أفعال الفساد.. تناول الدكتور خالد باجنيد رئيس قسم القانون العام بكلية الحقوق بجامعة عدن التدابير الوقائية بمزيد من السلاسة والشفافية والوضوح إذ استأنس بما تضمنته الاتفاقية الدولية من تدابير وقائية التي ينبغي على كل دولة طرف في الاتفاقية ان تضعها بعين الاعتبار عند قيامها بوضع برنامجها التشريعي والإداري والاجتماعي والعلمي في مكافحة الفساد ومن هذه التدابير التي استعرضها الدكتور خالد باجنيد وضع سياسات وقائية لمكافحة الفساد، وإنشاء هيئات وقائية لمكافحة الفساد ووضع نظام لتوظيف المستخدمين المدنيين على أساس من الكفاءة والشفافية والمعايير الموضوعية.. وتأمين التدريب الفعال والأجور المنصفة ووضع القوانين الهادفة إلى تعزيز النزاهة والأمانة والمسئولية بين الموظفين العموميين، ووضع نظام للمشتريات وإدارة الأموال العامة تقوم على الشفافية والتنافس واعتماد المعايير الموضوعية وتعزيز نظام فعال للمراجعة الداخلية وتحديد المسئولية وتعزيز الشفافية في كيانات القطاع الخاص منعاً لانغماس هذا القطاع في أعمال الفساد باعتباره الطرف المهم في معادلة الفساد وتعزيز مشاركة المجتمع من خلال المجتمع الأهلي والمنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المحلي وذلك منعاً للفساد ومحاربته وإذكاء وعي الناس بوجود الفساد وأسبابه وجسامته وتأمين التدابير الفعالة لمنع غسل الأموال.. ولدى تناوله لمشروع مكافحة الفسادين أثنى الدكتور على تحديد أهدافه وتحديد الاختصاصات للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد واختصاصاتها والتدابير التشريعية ومشاركة المجتمع والتعاون الدولي وتحديد إجراءات الضبط والتحقيق والمحاكمة والعقوبات المفروضة على التدخل في تحمل الهيئة وإفشاء الاسرار والمعلومات من قبل العاملين في الهيئة وعدم ابلاغهم أثناء تأديتهم لمهامهم عن جريمة من جرائم الفساد.. ومع ذلك يرى الدكتور خالد باجنيد ان مشروع القانون بحاجة إلى تنقيح وتطوير في العديد من بنوده لتتلاءم مع محتويات كل بند مع عنوان وأهداف البند نفسه ومع كل ذلك فالمشروع بحسب قوله: »انه يشكل نقلة نوعية في مسيرة العمل على مكافحة الفساد.
تعزيز الشفافية في الإدارات العمومية
> أساتذة القانون الدولي أدلوا بدلوهم في هذا الشأن واقتصرت مناقشاتهم على بعض النواقص والقصور التي اكتنفت مشروع القانون، وها هو استاذ القانون الدولي الخاص المشارك بكلية الحقوق بجامعة عدن عبدالحكيم محسن عطروش المح في مناقشته لمشروع قانون مكافحة الفساد بأنه لم يتطرق إلى تدابير تعزيز الشفافية في الإدارات العمومية المتعلقة بكيفية تنظيمها واشتغالها وعمليات اتخاذ القرارات مستدلاً بالمادة (10) من مشروع القانون كما لم يتطرق إلى التدابير المتعلقة بالجهاز القضائي وأجهزة النيابة العامة في المادة (11) ولا إلى تدابير منع غسل الأموال كما ورد في المادة (14) من مشروع القانون.. وفضلاً عن ذلك لم يعتبر مشروع القانون إلا مسألة للعمل على وضع معايير وإجراءات تستهدف صون نزاهة كيانات القطاع الخاص بما في ذلك وضع مدونات قواعد سلوك من أجل قيام المنشآت التجارية، كذلك منع إساءة استخدام الإجراءات المتعلقة بالرخص التي تمنحها السلطات العمومية للأنشطة التجارية.
|