د. عبدالعزيز المقالح -
ليست مجزرة واحدة تلك التي تتعرض لها هذه البلدة العظيمة الصامدة بل مجموعة مجازر تهز وجدان الأرض ومن عليها من جماد وحيوان فما بالك بالبشر الأسوياء، ولكن يبدو أن القلوب تجمدت والضمائر توقفت عن العمل، ولهذا غابت المواقف الإيجابية وحلت محلها الأصوات الداعية إلى الصمت والاستسلام للواقع المريض بكل احباطاته وما يفرزه من شعارات الضعف والهوان، لذلك فلابد أن تظل الأقلام تكتب، ونواقيس الخطر تدق لعل بعض الضمائر تصحو، وتدرك مايحدث في هذه البقعة المنكوبة من العالم، ولايكفي أن تصحو فقط بل يسعى أصحابها إلى فعل أي شيء من شأنه أن يضع حداً للقتل والتدمير.
ومن المؤكد أن بعض الكتابات التي تتناول القضية الفلسطينية بكاملها أو بجزئياتها صارت تشبه أنين الضحايا أنفسهم أولئك الذين لم تعد مأساتهم توقظ ضميراً أو تحرك ساكناً خارج الديار الفلسطينية التي ماتزال رغم المأساة الفريدة في نوعها وحجمها تنبض بالأمل وانتظار النصر.. أما بعض الكُتَّاب فقد هجروا الحديث عن هذه القضية أو أنهم هجروا الكتابة في شتى الموضوعات يأساً منهم وشعوراً بخيبة الأمل من موقف الرأي العام العربي والعالمي الذي يجيد الفرجة ويتابع مايحدث بصمت مريع، والفرجة بالنسبة للرأي العام العربي تشبه موقف الحيوانات التي جمعها الجزار في الحظيرة انتظاراً لذبحها وهي مستسلمة لاتدري ما يراد لها.
لقد دفعت بيت حانون في الأيام الماضية مالم تدفعه شعوب بكاملها من تضحيات ودم ودموع، وتعرضت نساء هذه البلدة الصامدة وأطفالها وشبابها وشيوخها للقتل والحصار.. وكان شأنها في هذه البطولات شأن الشعب الفلسطيني المقاومة العظيمة فكلما اشتدت خسائره وزادت ضحاياه زاد صموداً ومواجهةً.. والمثير للعجب، بل للغيظ أن غالبية الحكام العرب يزدادون صمتاً وتجاهلاً لهذه التضحيات ولا يعلمون أو بالأحرى لايريدون أن يعلموا أن المسئولية في كل ما يحدث تقع على عواتقهم بحكم الروابط التاريخية والأخوية وبحكم الجوار، وإذا كانت هذه الروابط قد اندثرت بحكم المشاعر الإنسانية التي تفرض على من يشاهد ظلماً فاحشاً في مكان ما أن يسارع إلى مقاومته.
وإذا كان اللوم كله ينبغي أن ينصب على حكام العرب المتفرجين، لأنهم وحدهم الذين يستطيعون التواصل مع القوى الكبرى الفاعلة في عالم اليوم فإن اللوم نفسه ينبغي أن ينصب على الجماهير العربية، على هذا القطيع المستلب وعياً وإدراكاً والذي صار في كل الأقطار العربية وكأنه لا يرى ولا يسمع وإذا رأى أو سمع فإنه يعاني من حالات العجز الذي هو في واقع الأمر شعور مريض وحالة عابرة تشبه ما يسمى بالتنويم المغناطيسي.
إن المسكوت عنه عربياً، ليس احتلال فلسطين ولا الحصار المضروب على أبنائها، وإنما المسكوت عنه- حالياً- قتل الشعب الفلسطيني بالجملة وانتقاء خيرة أبنائه وطلائعه المستنيرة، للقتل اليومي الذي يسقط عليها من الفضاء إن عجزت الأرض عنه، ومن هنا فلا قبول للتبريرات العربية من أي نوع وفي أي مستوى.. إذ أن كل طفل يسقط برصاص القتلة المحتلين هو صفعة في وجه كل حاكم ومحكوم.. وأن كل امرأة تفقد حياتها في ميدان المعركة تسجل لعنة على القوة العسكرية العربية النائمة إلى (لا إشعار).