محمــــد أنعـــــم - من جديد تظهر عملية إطلاق سراح المحتجزين على ذمة أحداث الفتنة التي أشعلها المتمرد الحوثي، مثيرة لقلق الشارع، خصوصاً مع تزايد أعمال الخروقات التي تقترفها بقايا عناصر التمرد في بعض مناطق صعدة ومديرية سفيان.
مراقبون سياسيون احتاروا عند سؤالهم عن الاتجاه الذي ستقصده عناصر التمرد بعد اطلاق سراحهم هل الى منازلهم.. أم الى متاريس التمرد من جديد..؟! بعض المتابعين اطلقوا ابتسامة عريضة وقالوا: الله يستر..!
والبعض الآخر اطلق تفاؤلاً ضعيفاً ودعاءً حاراً بأن يهديهم الله ويعودوا الى منازلهم، ويستفيدوا من تسامح وعفو فخامة الأخ علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية.
شخصيات اجتماعية ومواطنون من أبناء صعدة وسفيان يشعرون بخيبة أمل لعودة المخربين والمتورطين بجرائم قتل واعتداءات ذهب ضحيتها مواطنون أبرياء وممتلكات خاصة وعامة.. ولتنتهي المأساة ويخرج المجرمون في السجون دون عقاب.
للمرة السادسة تجري عملية اطلاق سراح مشعلي الفتنة ولا يهم أكان ذلك «بجاه الله» أوتوسلات الثعابين وتجري مراسيم كتابات تعهدات لبعضهم للمرة السادسة، وكالعادة التوقعات تشير الى أنهم سوف يتحركون فوراً من السجن الى حفر الخنادق ومتاريس سيدهم الحوثي بالنقعة وجوار مطار صعدة وسفيان وجبل النار أيضاً..
أبناء صعدة يختصرون هذه التراجيديا والمراهنة على سياسة التسامح بالمثل الشعبي الذي يقول: «صبن غرارة» ويذهبون الى التحذير من عملية غدر وخيانة يتبعها المتمردون هذه المرة سيكون ثمنها باهظاً مقارنة بالخسائر البشرية والمادية التي دفعها شعبنا في الحروب الستة للقضاء على فتنة التمرد.
المعلومات والوقائع الميدانية تشير كلها الى استمرار المتمردين ليس بمواصلة الخروقات لقرار وقف اطلاق النار، وإنما بالاستعداد والتجهيز لمواجهات سابعة ضد الدولة خصوصاً وأنهم يقومون بشراء المزيد من المؤن وتكديسها بطريقة تثير المخاوف والقلق في آن معاً..
ولعل اقتحام عناصر التمرد لعدد من المدارس الأيام الماضية وعودة سيطرتهم عليها ومنع الطلاب والمدرسين من الدراسة والتدريس فيها بعد ساعات من إعلان مصدر أمني الافراج عن 161 شخصاً من المحتجزين والمتورطين بجرائم قتل وارهاب.. وهي الدفعة الثانية بعد أن كان قد تم الإفراج عن الدفعة الأولى قبل اسبوعين، والتي شملت 75 شخصاً من أتباع الحوثي ليتطور الوضع مباشرة في سفيان برفض انصياع المتمردين للشروط الستة ما جعل اللجنة المكلفة تعلن تعليقها للعمل..
وتتزامن عملية الإفراج عن المتمردين في الوقت الذي كان مجلس الدفاع الوطني السبت قبل الماضي- قد شدد على ضرورة التزام الحوثيين بما سبق أن أعلنوا التزامهم به، وطبقاً لما حددته النقاط الست وآليتها التنفيذية دون تلكؤ أو تعثر أو ارتكاب أي خروقات، كما شدد المجلس على ضرورة تنفيذ ما تبقى من النقاط الست والآلية، ومن ذلك: تدمير ما تبقى من الألغام لدى الحوثي والتي تم إزالتها، واستكمال إنهاء التقطع في الطرق، والتمترس في بعض المرتفعات وتسليم ما تبقى من المختطفين لديهم من العسكريين والمدنيين وتسليم الاسلحة والمعدات المنهوبة مدنية وعسكرية والامتناع عن التدخل في شؤون السلطة المحلية وعدم الاعتراض على عودة النازحين الى قراهم ومنازلهم آمنين مطمئنين وفقاً لما حددته النقاط الست والآلية التنفيذية والمحاضر التي يتم توقيعها بهذا «الشأن» حسب خبر مجلس الدفاع الوطني المنشور..
ولعل ما ذهب اليه مجلس الدفاع يبعث على الريبة حيث يتضح من خلال هذه المطالبات أن عناصر التمرد لم تلتزم الا بقرار وقف اطلاق النار فقط مع فتح بعض الطرق وتسليم مجموعة ألغام وغيرها وتستخدم مع الدولة أساليب المراوغة والخداع التي تستثمرها لكسب الوقت وخوض معركة خداع وغدر ونكث للعهود والوعود استعداداً لمواجهات أشد ضد الدولة والشعب.
إن إعادة مجلس الدفاع الوطني في اجتماعه الأخير التذكير بالشروط التي يجب أن يلتزم بها الحوثي لا يبدو أنه جرى فيها تغيير كبير عن اشتراطات قبل قرار وقف اطلاق النار الا ما نسبته 36٪ كما يعتقد ذلك مهتمون ومراقبون.
أخطاء قاتلة
إن إعادة تكرار نفس أخطاء الحروب الخمسة الماضية وتغليب العواطف وحسن النوايا مع عناصر الحوثي يفاقم من الأخطار التي تهدد نظامنا الجمهوري والوحدة والسلم الاجتماعي، فالعفو الذي يحصل عليه المخربون أصبح يستغل من قبل قيادات الفتنة لاستقطاب المزيد من المغرر بهم إلى صفوفهم وإقناعهم أنهم مهما قتلوا من الجنود أو المواطنين الأبرياء ومهما نهبوا أو اعتدوا على أموال وأعراض الناس فإن لهم «قداسة» فوق الدستور والقانون، وان دماءهم محرمة ودماء الشعب مباحة..
وإن شعاراتهم التي يرددونها «تحميهم» من النظام الذي لا يعترفون به أصلاً.. ولهذا يتم اطلاقهم ولن يمس أي منهم مهما اقترفوا من جرائم بحق الشعب والوطن بأذى.
سلاح التعويضات
اللافت أن عناصر الفتنة تترقب بشغف أموال التعويضات الخاصة بإعادة الإعمار لتحسم قرارها، ومن خلال التجارب السابقة نجد أن مشعلي الفتنة بعد أن يتم اطلاق سراح عناصرهم المحتجزين من السجون واسقاط الاحكام عليهم.. يعاودون أنشطتهم الإرهابية ضد المواطنين ويضغطون على الحكومة لتسليمهم التعويضات عبر العديد من الأعمال المجرّمة، وما ان يتسلموا الاموال حتى يتسابقوا لشراء الاسلحة والمؤن استعداداً لمواجهة الدولة.. وقد مارسوا هذه الاساليب المخادعة في الحروب السابقة.
وإذا تعاملت الحكومة هذه المرة بنفس التساهل والطيبة وعوضت من سبق أن تم تعويضهم من عناصر الحوثي، فتلك ستكون مصيبة، أو أن تسلم الاموال للعناصر الحوثية لتقوم بدورها بتعويض المواطنين المتضررين، فالمصيبة ستكون أعظم.
إن مشعلي فتنة صعدة أصبحوا تجار حروب محترفين، ولديهم من أساليب المكر والغدر والخداع الكثير، وإذا ظلت الحكومة تطالبهم الالتزام بتنفيذ الشروط الستة.. و«تناشدهم» ثم «تدعوهم»، فقد تترجاهم غداً أن يطلقوا المختطفين من العسكريين والمدنيين، ولن تجد من يصغي إليها، لأن قطّاع الطرق والقتلة والمجرمين يعتبرون العفو والتسامح الذي تبديه الدولة معهم سلاحاً لضرب هيبتها ومصدراً لإبراز عضلاتهم بأنهم صاروا «سواء بسواء مع الدولة».
رفض عودة النازحين
لكن يبقى الأسوأ من كل ذلك هو أن المواطنين الواقفين بشجاعة مع الدولة في تلك المناطق هم الضحايا دائماً لأنهم يجدون اليوم أسماءهم تتصدر قوائم أسماء المطلوبين للتصفية من قبل الحوثي بعد أن أصدرت حوزته ضدهم أحكاماً بالموت بتهمة أنهم عملاء لأمريكا واسرائيل والنظام.. زد على ذلك منعهم للنازحين من العودة الى قراهم منذ وقف اطلاق النار وحتى اليوم، وهذا يكفي للتدليل على أن المتمردين هجروا المواطنين بالقوة وقرار عودتهم ليس بيد الحكومة وإنما بأياديهم وعلى المواطنين أن يقدموا للحوثي الولاء والطاعة أولاً.. وهنا تكمن الكارثة..!!{
|