محمد أنعم -
أصبحت الأموال من أخطر الأسلحة فتكاً بالشعوب والدول.. فليس بالضرورة ان تحسم المدافع والدبابات والطائرات الخلافات أو المواجهات بين الأطراف المختلفة.. بل دخلت الأموال سلاحاً بدلاً عن الحروب التقليدية، ولم يعد دور المال محصوراً لشراء ذمم بعض الخونة لشعوبهم وأوطانهم أو لإغراء المرتزقة وتجنيدهم لخوض حروب بالوكالة ضد أنظمتهم الوطنية، بل أصبح يتحكم بالأسواق والأسعار ويقصف بنيرانه المواطنين مباشرة لانهاك السلطة وإرباكها والعمل على تدميرها من الداخل..
نعتقد أن الأموال التي نهبها وتقاضاها الخائن علي سالم البيض لتنفيذ مؤامرته الانفصالية الفاشلة، أو تلك الأموال التي تجمعها الحوزات المجوسية في قم وفي دول الجوار لدعم المتمردين أو أموال جمعيات الكهنة وغيرهم، إضافة إلى أموال دول تسعى إلى تحقيق أجندتها في المنطقة عبر اليمن.. نعتقد أن تلك الأموال تسخر للتآمر ضد بلادنا سواءً عبر شراء أسلحة ومؤن للمتمردين ودعم الحراك الانفصالي أو إغراء ضعفاء النفوس وأصحاب الضمائر الميتة لجرهم لخوض حروب قذرة ضد مكاسب شعبنا وفي مقدمتها الجمهورية والوحدة والديمقراطية.
بالتأكيد من السذاجة القول إن ما يجري في السوق من فوضى في الأسعار وتلاعب بسعر الصرف، وافتعال للأزمات، دون أن يكون لعناصر الانفصال والتمرد يد في كل هذا الخراب، وأن المشكلة سببها سوء سياسات البنك المركزي.
للأسف أمام هذه التداعيات نجد الاقتصاديين في بلادنا يقرأون لنا نصوصاً نظرية جامدة ويطرحون تشخيصات غامضة لحقيقة المشكلة ويذهبون في سرد مصطلحات كثيرة بغرض تضليل الرأي العام عن حقيقة دور الطابور الخامس الذي يعيث في أسواقنا فساداً والتي تتطلب منا ألاّ ننظر للمشكلة من زاوية واحدة فقط أو يروج البعض لأنفسهم بأن لديهم الحقيقة المطلقة والعصا السحرية لتجاوز هذه الأزمة.
ولهذا فعلى صانع القرار ألا يغرق في الترهات، وعليه أن يشخص المشكلة تشخيصاً علمياً بعيداً عن العنتريات ويحدد هل تواجه عملتنا الوطنية مؤامرة حقاً.. أم أنها مجرد مشكلة سهلة وحلها مرتبط برفع الرسوم على الـ(70) سلعة وذلك ضماناً لحماية عملتنا من الانهيار..!!
ومهما كانت الاجابة إلاّ أن ذلك يجعلنا نتساءل: لماذا ارتفع سعر الدولار بعد توقف الحرب في صعدة وموت الحراك الانفصالي.. ولم يحدث هذا الاختلال في سعر الصرف أثناء أو قبل الحرب، رغم ان السلع التي حددت لزيادة الرسوم عليها تدخل البلاد منذ سنوات ولم يتأثر سعر الريال بسببها اطلاقاً؟!
كما إن التعامل العفوي أيضاً مع قضية التهريب للمشتقات النفطية وغمض العينين عن المهربين الذين يقترفون جرائم تنهك اقتصادنا قد جعلهم ينتقلون من استخدام التهريب من مصدر لجمع الأموال والثراء غير المشروع إلى التطلع لضرب السلطة مثلهم مثل الانفصاليين والمتمردين وغيرهم..
ولا غرابة البتة عندما نجد علاقة بين تجار ومهربي السلاح مع المتمردين والانفصاليين، أما مهربي المشتقات النفطية أو الـ71 السلعة فإنهم مجرد ميليشيات تنفذ أجندة ضمن مؤامرة تخريبية تستهدف ضرب اقتصادنا الوطني في محاولة لتدمير النظام من الداخل..
ولعل ما يدل على اشتراك قوى الشر في هذه المؤامرة هو إعلان توقيع اتفاق التحالف بين أحزاب اللقاء المشترك والمتمردين الحوثة الأسبوع الماضي وذلك في ضحيان وهو الاتفاق الذي يكشف عن تحول جديد في تكتيك القوى المعادية للثورة والجمهورية والوحدة والديمقراطية بهدف ضرب النظام سواءً عبر الجبهة الاقتصادية أو العسكرية وقد انتقلوا بعد خسارتهم للمواجهات العسكرية لاشعال حرب الأسعار والتلاعب بسعر الصرف خاصة وأن مشكلة ارتفاع سعر الدولار ليست هي الأولى فقد تكررت مع الحروب السابقة التي اشعلها المتمردون.
ببساطة إن نظرية آدم سميث أو غيره من علماء الاقتصاد لاتنفع للمقارنة بما تواجهه عملتنا وأسواقنا اليوم، فنحن مجتمع استهلاكي وليست لدينا منتجات وطنية نراهن عليها لتحقيق استقرار في السوق سواءً لقيمة السلع أو لحماية عملتنا الوطنية، لكن الأخطر هو حرص البعض على فصل الاقتصاد عن السياسة وحصر المشكلة في نسبة الفوائد على المدخرات أو أذون الخزانة تغطية البنك المركزي السوق بالعملة الصعبة.. ولا يشيرون لا من قريب أو بعيد عن علاقة الانفصاليين والمتمردين بما يتعرض له اقتصادنا من مؤامرة على الرغم ان المدعو يطالب بفك الارتباط.. والأمر نفسه بالنسبة للحوثة الذين يعتبرون النظام الجمهوري غير شرعي.. كل هذه الحقائق تؤكد لنا أن أموال المتربصين شراً ببلادنا لا تُستثمر في بنوك الكسب الحلال ولا تنفق على الفقراء أو توظف لإيجاد فرص عمل للشباب العاطلين أو غير ذلك من الأعمال الإنسانية.. وإنما تُسخَّر لتدمير اقتصادنا.. وتجويع شعبنا في محاولة لإنهاك النظام عبر حرب قذرة تحرق الأسعار في أسواقنا.