فيصل الصوفي -
يا رئيس الجمهورية.. رجال الدين الذين يسمون أنفسهم »علماء« وينبري بعضهم في تقديم أنفسهم كناطقين رسميين باسم »علماء اليمن« تارة وباسم »الله« تارة أخرى، يجب أن يرجعوا الى مواقعهم الحقيقية لكي تستقيم الأمور، أما وقد تركوا تلك المواقع ليشتغلوا بما ليس من شغلهم ويوظفوا الدين لخدمة اتجاهات سياسية معينة فينبغي أن ينظر اليهم كسياسيين وتقيم آراؤهم بمعيار الخطأ والصواب وليس بمعيار الشرع، خاصة و أن ما لدينا من هؤلاء ليسوا فقهاء بل حملة تراث لا نصيب لهم في ميدان الاجتهاد والتجديد، بدليل انه الى الآن ليس فيهم واحد بمقام المجتهدين والمجددين الأسلاف، بل إن أصحابنا يتبنون أفكاراً وفتاوى غاية في الخطورة تخلى عنها أصحابها وأتباعهم المعاصرون حتى في السعودية التي كان يوصف رجال الدين فيها بالأكثر رجعية وسلفية وتزمتاً.. معظم رجال الدين في السعودية اصبحوا خصوماً للارهاب والتطرف، وأصحابنا مايزالون يمارون وينافقون بهذا الشأن، بل ان كل الارهابيين المقبوض عليهم في بلادنا مؤخراً من محليين وأجانب هم من مريدي مراكز دينية يديرها من يسمون أنفسهم »علماء«.
يا رئيس الجمهورية.. لا يخدعنك أولئك الذين يستخدمون العواطف الدينية لتحقيق مآربهم.. يريدون أن يتحولوا الى مؤسسة ذات سلطة كهنوتية ومهيمنة على كل السلطات باسم الدين.. ليس من حق هؤلاء أن يمارسوا أية وصاية على المجتمع أو أية سلطة من سلطات الدولة.. نحن في بلد ديمقراطي والمؤسسة التشريعية التي تمثل الأمة هي وحدها سلطة التشريع.
لقد بلغت مكايداتهم السياسية مؤخراً - وباسم الدين - أن يطالبوا الدولة »بإعادة مادتي القرآن والسنة الى المناهج الدراسية«.. هكذا وكأن القرآن والسنة قد استبعدا من مناهجنا.. ويطالبوا بإلغاء التزامات الدولة تجاه القانون الدولي.. يجاملون الرئيس بحديثهم عن الولاء الوطني بينما هم يعتبرون الاحتفال بالأعياد الوطنية »بدعة«، ويعتبرون التغني بالنشيد الوطني »حرام« ..كل ما يتعلق بالمرأة في القرآن من مبادئ المساواة والكرامة يتلونه تلاوة ولا يعملون به بل يعملون بما ورد في الأثر والتقاليد من ثقافة متخلفة ويريدون فرضه على الآخرين باسم »الله«.
يا رئيس الجمهورية.. عندما ترك رجال الدين مواقعهم الحقيقية واشتغلوا بالسياسة فسدوا وأفسدوا وأوجدوا مشاكل أكثر مما ساهموا في الحلول.. وهؤلاء لا ينبغي الانصات لهم إلا في ما يبدونه من آراء سياسية صائبة.. بوصفهم سياسيين.. وماعدا ذلك فلا قيمة لآرائهم التي يقررونها ويحاولون فرضها باسم الله والاسلام لمصلحة اتجاهات سياسية معينة.
المكان الحقيقي والوظيفة الحقيقية لرجال الدين محصورة فيما هو ديني.. نريدهم أن يلعبوا أدواراً مخلصة ونقية في ترشيد السلوك الشخصي للفرد.. في إشاعة فضائل الرحمة والمساواة والتكافل والانقياد للقانون وسائر الفضائل الأخرى.. أن يهتموا بما هو ديني وأن يتركوا ما هو دنيوي لغيرهم من المختصين بأمور الدنيا.. وهذا التقسيم الى دين ودنيا قد استقر في حضارة المسلمين منذ زمن بعيد، ولكن اصحابنا خلطوا بين المهمتين تعسفاً، واستخدموا الدين لخدمة أغراض سياسية.{