د. سعاد السبع -
< الشارع اليمني أنموذج فريد يجمع كل المتناقضات، تتساوى فيه كل الثقافات، وتتلاشى فيه كل المستويات، ولا يحكم من يمر في الشارع اليمني سوى المزاج، والتوقعات غير المحسوبة.
فإذا كنت ماشياً أو راكباً كن في حالة استنفار، لا تهدأ أبداً، وتوقع أن كل شيء يمكن أن يتحرك، ويمكن أن يصطدم بك، حتى أشجار الرصيف لا تأمنها، فربما تجدها تحت عجلات سيارتك، وربما تجد جذعها مخترقاً دماغك إن كنت ماشياً بفعل سائق متهور من الاتجاه الآخر، وربما تجد جسدك طائراً في الهواء حتى وإن كنت تسير على رصيف المارة، فلا ينبغي أن تغفل لحظة واحدة عند مرورك في الشارع، ولا تظن أنك ستمارس رياضة المشي باسترخاء في الشارع اليمني، لا بد أن تكون جاهزاً لجميع المفاجآت، وأن تعدّ نفسك وأسرتك لجميع الاحتمالات.
حينما تكون في الشارع لا تستبعد أن تُفاجأ بسائق إحدى الدراجات النارية يطير بمن عليه ويقتلع رأسك إن كنت ماشياً، أو يستقر فوق سيارتك أو تحتها إذا كنت راكباً، وبخاصة أن الدراجات النارية صارت وسيلة المستعجلين والمتهورين، وما يستغرب له أن ركَّاب الدراجات النارية يدفعون المال ليشاركوا سائقيها الذهاب إلى الموت تحت عجلات السيارات، أو في أحضان أعمدة الكهرباء دون أن يوقفوا تهور السائقين حتى بكلمة حق..
حينما تكون في الشارع لا تستغرب عندما تلتفت إلى خلفك لتجد جماعات من أطفال الشوارع يتعلقون خلف سيارتك، فلا تملك حتى القدرة على التوقف أو الصراخ لأنهم أسرع من سيارتك في الهروب إن توقفت، وقد يحملونك جناية إذا وقع أحدهم أثناء التوقف، فأنت الذي كنت السبب في إصابة زميلهم..
حينما تكون في الشارع تجد نفسك مرغما على إقفال نوافذ سيارتك ومنع من بداخلها من التنفس أو الرؤية حتى تحمي نفسك ومن معك، من هجمة أسراب المتسولين من الأعمار المختلفة على سيارتك، كل واحد منهم يعرض مواهبه في فنون التسول القهري العنيف، وعليك أن تتجاهل كل ما يصدر عنهم من ألفاظ وسلوكيات نابية، أو تتحمل ما يحدث لك ولسيارتك إن أنت أخبرتهم أن سلوكهم غير حضاري.
في الشارع يخجل الإنسان مما يراه من تشويهات تعكس صورة سيئة لليمن ولليمنيين، أمام الأجانب ، وتجعل المسافة بعيدة بيننا وبين الراغبين في السياحة أو الاستثمار في بلادنا.
نحن بحاجة إلى أمور كثيرة لينضبط الشارع، ويظهر الوجه الجميل لليمن ولليمنيين، محتاجون إلى أن تقوم كل الجهات المسئولة بواجباتها تجاه الشارع اليمني، كل فيما يخصه لإخفاء تلك التشويهات، فوزارة الشئون الاجتماعية مسئولة عن جمع المتسولين، وأطفال الشوارع إلى بيوت إيواء خاصة بهم، ووزارة الصحة مسئولة عن جمع المجانين إلى مصحات خاصة بهم، والمرور مسئول عن ضبط حركة السيارات والمشاة، والجهات الأمنية مسئولة عن منع تجمعات المتسولين وأطفال الشوارع عند الإشارات وفي الشوارع الرسمية..
ومع كل ذلك فالمواطنون مسئولون بالدرجة الأولى عن فوضى الشارع، فلو أنهم يخفون إظهار تعاطفهم مع المخالفين، ويمنعون صدقاتهم على المتسولين وأطفال الشوارع عند إشارات المرور لساهموا في ضبط الشارع.
هناك طرق حضارية لمساعدة الفقراء غير تشجيع المظاهر السلبية، نحن بحاجة إلى بث الثقافة الحضارية التي تجعل كل أفراد المجتمع يستهجنون المخالف وينبذونه، ويحترمون النظام ويطبقونه، ويتبنون مشاريع خيرية تقي الفقراء ذُلّ السؤال، وتحمي الشارع من التشويهات.. لكن هذه الثقافة يجب أن تبدأ بفرض سيادة القانون على كل من يستخدم الطريق مهما كانت مكانته وظروفه، فالشارع هو المرآة الأولى لثقافة الشعب، وحضارة البلد.{