نادرة عبدالقدوس -
هيلين توماس وحنين الزعبي ، امرأتان شاهدتان على أهل بيتهما ، فكانت الشهادة التي أصابت القوم بمقتل .. الأولى تفوهت بكلمة صدق ، وقالت على الصهاينة أنهم غزاة وقراصنة وأن عليهم أن يرحلوا من فلسطين لأنها ليست أرضهم .. وكأنها نطقت كفراً ؛ فتم معاقبتها بأن طردت من البيت الأبيض ، ومنعت من الكتابة في صحيفة " هيرست " ، ولم تشفع لها سنوات عمرها الطويلة التي تربو على الخمسة عقود في العمل كمراسلة صحفية في البيت الأبيض وترأسها لجمعية المراسلين الصحفيين فيه في التسامح معها ، بل أجبروها على الاعتذار وطلب الاستقالة ، وهذا دليل قاطع على صهيونية النظام السياسي الأمريكي .. ولكن المنافقين العرب لا يفقهون ..
هذه هي ديمقراطيتهم التي يتباهون بها والتي يصدّرونها إلى الشرق الأوسط .. خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، أثناء قيادة بوش الابن للإدارة الأمريكية والذي اشتهر بسياسته المتطرفة المستندة على الرأي " من ليس معي فهو ضدي " وهي المقولة التي تعلمها الزعماء العرب وأصبحوا أكثر تمسكاً بها من معلمهم ، لذا نرى بأن سنوات حكم بوش الابن لأمريكا من أكثر السنوات التي شهدت حروباً على الكرة الأرضية وتغييراً في السياسة العالمية ، والتي ازدادت فيها دولة الصهاينة رسوخاً وقوة وانتهاكاً لحقوق الفلسطينيين ، أمام سمع وبصر العرب والمسلمين أجمع .
والثانية حنين الزعبي المرأة الفلسطينية والعضو في الكنيست الإسرائيلي ، التي هي الأخرى نطقت بالحق وكشفت عن التخطيط المسبق لدولة الصهاينة لانتهاك حرمة أسطول الحرية المتجه إلى غزة لفك الحصار عنها ولتقديم الدعم المادي لأهلها ، وكان الأسطول يبحر في المياه الدولية ، ولا علاقة لدولة الصهاينة بها ، إلا أنها وسط صمت معظم العرب والمسلمين ، قامت بعمليتها العسكرية الإجرامية على إحدى سفن الأسطول الذي كانت تتواجد فيه الزعبي وشهدت على ما حدث.. وكان أن طالب أعضاء الكنيست الصهاينة بطرد الزعبي من القدس إلى غزة بعد رفع الحصانة البرلمانية عنها ، وسحب حقوقها السياسية والمدنية.. ولكن الزعبي غير مكترثة بذلك ، وتعتبر الكنيست في الدرك الأسفل ، وتصر على تمسكها بهويتها الفلسطينية وبنضالها من أجل تحرير أرضها من دنس الصهاينة.
امرأتان أظهرتا قوتهما بشجاعتهما في التعبير عن رأيهما بكلمات بسيطة وموجزة ،هي زبدة الحلول للمشكلة الفلسطينية .. كلمات جريئة وصادقة ، لم يستطع أي زعيم دولة عربية أو مسلمة أن يقلها .
صحفية وباحثة من إحدى الدول الأوروبية ، التقيتها في مدينة عدن أثناء لقاء نُظم لها مع عدد من النساء ، وكانت ألقت سؤالاً فيه الكثير من السذاجة : " لماذا يرفع الحوثيون شعار الموت لأمريكا ولإسرائيل وهذا لا يخصهم ؛ فأمريكا وإسرائيل ليستا في اليمن "؟ وفق هذه الأفكار الغبية أو الاستغبائية تسيّر أمريكا العرب والمسلمين .. " المشكلة الفلسطينية شأن الفلسطينيين ، فلا تتدخلوا أيها العرب والمسلمون ، ولا تتسببوا بمزيد من المشاكل لبلدانكم وشعوبكم ويكفي ما أنتم فيه من هموم ومن مشاكل مع معارضيكم ، دعوا الفلسطينيين يحلون مشاكلهم بأنفسهم " . ولهذا نرى الصمت المخزي للزعماء العرب الذين جعلوا مصير فلسطين المسلوبة ومصائرهم بيد دولة لا تعمل أي اعتبار لهم ، بل وسمحت لنفسها بالتدخل في الشأن الداخلي لدولهم ، والشواهد كثيرة على ذلك .. ويكفي ما حدث للعراق .. كذبة مررها الرئيس الأمريكي بوش على العالم أباحت له انتهاك حرمة البلد وأهله . ولم تتم معاقبة الرجل على كذبته تلك وعلى ما تسببه من خسائر فادحة للشعبين العراقي والأمريكي معاً ، وما جرّ ذلك من ويلات على العراق وعلى دول المنطقة العربية.
كانت أيقونة البيت الأبيض ، هيلين توماس ، تنتقد سياسة بوش كثيراً ، خاصة في حربه ضد العراق، لذا حرمها من الامتياز الذي حظيت به طوال عقود من الزمن ، منذ عهد جون كنيدي ، بإلقاء السؤال الأول في مؤتمرات الرؤساء الأمريكيين والانتهاء بعبارة " شكراً سيادة الرئيس " .
غابت الصحفية العجوز هيلين عن مقعدها الأمامي في مؤتمرات البيت الأبيض الصحفية ، ولكن كلماتها لن تُمحى من ذاكرة الزمن ، بل إن هيلين ، رغم اعتذارها ـ مجبرة ـ عما تفوهت به ، نجحت في تعرية النظام السياسي الأمريكي العنصري الصهيوني ، وتركت بصمة عار على جبين إدارته التي لا تتغير، مهما تغير أو تبدّل قادته . ليت العرب يصحون من غفوتهم.!!
* عن التغيير نت