لقاء: أحمد غيلان - في ظل طموحات المرأة التواقة للحصول على أعلى المناصب نجد أن هناك نساء متميزات استطعن الوصول الى مواقع قيادية مهمة، أثبتن من خلالها قدرتهن على إدارة العمل بشكل يفوق إدارة الرجل.. من تلك النماذج الرائدة للمرأة اليمنية التقينا الاستاذة الدكتورة مهجت أحمد علي عضو اللجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي العام والتي تعتبر أول عميدة كلية في اليمن وهي عميدة كلية طب الاسنان في جامعة عدن والتي بدأت حديثها بالقول:
أريد التوضيح في البداية أن هناك عميدة كُلفت بأعمال العمادة في كلية الاقتصاد في فترة ماضية لسد فراغ منصب العميد الشاغر تلك هي الدكتورة القديرة سعاد اليافعي التي عملت بجد في هذا المجال، ولكن حين أتى وقت التعيين بقرار استكثروا على امرأة أن تُعين في منصب قيادي وتم تعيين رجل بدلاً عنها.. وبذلك فأنا أعتبر نفسي أول عميدة كلية تم تعييني بقرار من قبل رئاسة الجامعة وهذا شيء أفخر به.
العادات والتقاليد
^ كيف أصبحتِ عميدة لكلية طب الاسنان وما الغريب في أن تحتل امرأة هذا المنصب؟ - لا غرابة في الموضوع إذ لا يوجد فرق بين الرجل والمرأة، الا أن العادات والتقاليد السائدة في مجتمعنا جعلت للرجل استحقاقاً أكثر من المرأة لاعتلاء مثل هذه المناصب وبالتالي أصبح على المرأة التي تطمح في الوصول الى منصب قيادي أن تتميز بكفاءة ومؤهلات علمية وخبرات هائلة تضاهي ما هو مطلوب من الرجل بأضعاف كثيرة، وهنا تكمن الصعوبة ، فلكي أكون عميدة لكلية طب الاسنان كان لابد من مَلَكات ومميزات علمية تؤهلني للتعيّن في هذا المنصب.
أول كلية حكومية
^ ما الصفات والمميزات التي أسهمت في وصولكِ لهذا التعيين؟ - أولاً أنه في عام 1996م قدمت مشروعاً لعمادة كلية الطب وطالبت فيه بإنشاء كلية لطب الاسنان ، حيث كان لا توجد أية كلية لهذا التخصص، وسلمت هذا المشروع للدكتور حسين الكاف آنذاك سخر منّي قائلاً: «روحي يا امرأة وسوي كلية»..هذه السخرية حفزتني للعمل من أجل تحقيق ذلك المشروع، فعملت مع الدكتور وجدي مغارف الذي يعتبر من مؤسسي كلية طب الاسنان بعد عام من تقديمي للمشروع.. وقد سافرنا الاثنان للعديد من الدول لنجمع الخطط الدراسية والخبرات عن كيفية إنشاء كلية، وما ساعدنا على تنفيذ المشروع ان البلاد بحاجة ماسة لإنشاء كلية طب حيث كان لا يتعدى عدد الأطباء في هذا المجال أكثر من ثلاثمائة طبيب وطبيبة وأغلبهم يعملون في صنعاء وعدن، وبالتالي استطعنا في عام 1997م إنشاء أول كلية حكومية لطب الاسنان.. وكانت تلك بداية، أما اليوم فالبلاد شهدت تطوراً ملموساً، حيث أصبح لدينا العديد من الجامعات والكليات في كافة المجالات والتخصصات. وفي العام 2000م سافرت الى جمهورية المانيا وحصلت على الماجستير والدكتوراه في ثلاث سنوات بدرجة امتياز كما حصلت على أعلى لقب علمي في الكلية وهو لقب استاذ مشارك، وبعد أن عدت الى الكلية ساعدت في بناء الاقسام العلمية وكنت أول رئيسة قسم علمي، وعملت بجد من أجل تطوير العمل الأكاديمي وتدرجت بعد ذلك في المسؤوليات ليتم تعييني في العام 2009م كأول عميدة لكلية طب الاسنان.
تحت المجهر
^ ماذا تعني لك كلمة أول عميدة ..هل تذكِّركِ بتجارب أخرى؟ - نعم تذكرني بأني أول امرأة متخصصة ودكتورة في جراحة الفم والاسنان في عدن، وأول امرأة أسست كلية طب أسنان في الجمهورية اليمنية وإن كان هناك رجال تولوا مثل هذه الدرجة، لكني كنت أول امرأة، كما أني أول امرأة في الجمهورية اليمنية عضوة في جراحة الفم والاسنان في منظمة دول العالم للجراحين والتي تقع في جمهورية المانيا، وكذا في منظمة التخدير الموضعي في الجراحة.. لكن كلمة (أول امرأة) جعلتني تحت المجهر.. وأتساءل هل فعلاً استحق تلك الثقة والميزة، وهذا يتطلب مني عملاً دؤوباً وجهداً مكثفاً لأكون عند مستوى الثقة والمسؤولية.
لوائح وقوانين
^ هل واجهتِ شيئاً من الصعوبة كونك امرأة بعد تعيينك عميدة للكلية؟ - في البداية عانيت، عندما كنت أشعر أن بعضاً من أعضاء هيئة التدريس من الرجال يجدون صعوبة في تقبل قراراتي ويعتبرونها قرارات صادرة عن امرأة وليست عميد أو مجلس كلية، ولكن مع وجود اللوائح والقوانين التي تنظم العمل الإداري وتقيِّم عملية الأداء الاكاديمي داخل الكلية أصبح لديهم شيء من التقبل وبالتدرج وصلوا الى الاقتناع بكفاءة المرأة وقدرتها على إدارة العمل وتنظيمه، وحقيقة المرأة هي من أكثر الكوادر التزاماً ونشاطاً وهذا ما ألاحظه في كليتي التي تحتوي على نسبة 61% من كادر الهيئة التعليمية من النساء واللاتي يحملن أعلى المؤهلات ويتميزن بخبرات كثيرة، كما أن نسبة 71% من الدارسين والملتحقين بهذه الكلية هن من النساء علاوة على أن معظم الاوائل والمتفوقين في جميع المراحل الدراسية هن أيضاً من الفتيات، كل هذا يدل على أن المرأة تأخذ الامور بجدية أكثر وتميل الى التفوق وتطبيق اللوائح والانظمة التي تحقق أفضل النتائج والاهداف.
طبيب باحث
^ ما أهم الإنجازات التي حققتها كلية طب الاسنان؟ - من أهم المنجزات التي نتغنى بها دائماً هو إنشاء مركز معالجة الشفه الارنبية، ويعتبر هذا المركز الاول في الجمهورية اليمنية والاقليم، له كيان مستقل بعد أن كانت انطلاقته الاولى من كلية الطب، يعمل بدعم مباشر من جامعة رستف الالمانية ومنظمة التبادل الاكاديمي الالماني، وهو مركز بحثي توعوي ويقدم خدمة إنسانية للتخفيف من معاناة التشوه الارنبي للشفاه الذي له عوامل وآثار نفسية على المصابين به وكذا أسرهم علاوة على التكلفة المادية التي يحتاجها المريض للعلاج وإجراء العمليات خارج البلاد، كما أن الكلية تفخر بمنجزاتها في المجال البحثي، ففي هذا العام من شهر مايو تم انعقاد المؤتمر الاول لطلاب كلية طب الاسنان الذي تزامن مع الذكرى الأربعين لتأسيس جامعة عدن واستمر لمدة يومين، تميز بتقديم عدد كبير من البحوث الميدانية العلمية تحقيقاً لشعار الكلية الذي يدعو الى العمل على تأهيل طبيب اسنان وباحث في ذات الوقت وخاصة في ظل الانفجار المعرفي في العالم والذي لابد من مواكبته بتطوير مجال البحث العلمي وخدمة المجتمع. تتميز بحوث طلاب كلية طب الاسنان بكونها بحوثاً ميدانية تكون حصيلة عام كامل من البحث وتُخصص السنة الخامسة للبحث وتسمى سنة البحث العلمي، وهذه البحوث من شأنها أن تقدم خدمة كبيرة وتعكس واقع الامراض ومسبباتها بما يسهم في تطوير المجال الاكاديمي والصحي وكذا خدمة المجتمع في هذا الجانب.
أعمال إنسانية
^ إذا انتقلنا الى محور آخر- النشاطات النسوية.. ما علاقتكِ بالأنشطة النسوية؟ - أنا عضوة أساسية في مركز المرأة للعلوم والتكنولوجيا جامعة عدن وعضو لجنة دائمة في المؤتمر الشعبي العام رئيسية، كما أني عضو في اتحاد نساء اليمن وأي منظمة تختص بالمرأة وتسعى لتطويرها ودعمها يكون لي اهتمام ومشاركة فيها، كذلك عضوة في عدد من الجمعيات والمنظمات الخيرية التي تقدم الخدمات الانسانية، كما أعمل على تقديم خدمة انسانية كوني جرَّاحة تتمثل في معالجة الايتام في عدن مجاناً، وذلك بناء على قرار مجلس الكلية بالتعاقد بين الجامعة وعدد من دور الايتام، إضافة إلى ذلك اعتقد أني أول امرأة في الجمهورية تعالج المعاقين وكبار السن في منازلهم كعمل خيري مجاني، وهذه الأعمال تكون الاقرب الى نفسي كطبيبة، بالاضافة الى عملي الإداري والاكاديمي كعميدة ومسؤولة عن الكلية.
أكثـر تحرراً
^ من وجهة نظرك.. ما الفرق بين المرأة في عدن والمرأة في أي مكان آخر..؟ - أعتقد أن المرأة في عدن متعلمة ومتحررة أكثر من غيرها في المناطق الأخرى، ربما يعود ذلك للنظام الاشتراكي الذي كان يتيح للمرأة حق التعليم، هذه المقارنة للماضي، أما اليوم وبعد تحقيق الوحدة المباركة فقد أصبحت الفرص سانحة أمام النساء جميعاً لتحقيق ما يطمحن في الوصول اليه، ومن الناحية التعليمية اصبح لدينا أعداد كثيرة من الجامعات والكليات التي تتيح فرصة الالتحاق بالمجالات المختلفة.
فرص عدة
^ باعتقادك هل المرأة أخذت ما تستحق؟ - مقارنة بوضعها في الماضي فإنها حققت الكثير واصبح لها وجود وتفاعل ملحوظ، فاليوم توجد العديد من النساء اللاتي يتعيّن في مناصب مختلفة وتتاح أمامهن العديد من الفرص. ^ برأيك لماذا في أغلب الأحيان تقف المرأة ضد المرأة؟ - لا أدري بالتحديد ما السبب ولكن فعلاً التجارب تقول: إن المرأة تعاني من عدم دعم الرجل وكذلك وقوف النساء ضد بعضهن البعض في أغلب المواقف والمواضيع.
رجل مساند
^ هل تجدين في المنزل رجلاً يساندك؟ - أنا متزوجة وزوجي مهندس يساعدني ويقف بجانبي وكثيراً ما يظهر معي في معظم الفعاليات والاعمال التي احتاج اليه فيها وبالرغم من أنه مرتبط بزوجة أخرى إلا أنه يقف بجانبي ويساندني.
نسبة جيدة
^ حول مبادرة الاخ رئيس الجمهورية بتخصيص نسبة 15% للنساء في مواقع صنع القرار.. هل ترين أن هذه النسبة كافية؟ - نعم .. إذا ما تم تطبيقها فسيكون ذلك جيداً بالنسبة للمرأة وخاصة في ظل وجود توجهات سياسية لمساندتها، وأنا اعتقد أن المرأة محظوظة في بلادنا بإتاحة الفرص أمامها وكذا تخصيص نسبة لها وخاصة ان هناك دولاً كبرى مازالت تعاني فيها المرأة ولم تصل الى مستوى تخصيص نسب لتمكينها. ^ كلمة أخيرة؟ - أود أن أقول: ان حب الوطن هو أساس العطاء والتألق في أي مجال من المجالات، فإذا ما تعمق الولاء والاخلاص الصادقان والحب العميق لهذا الوطن فسيكون من السهل على الافراد المضي في طريق النهوض والتطور والنماء.^
|