هناك في مركز مدينة عدن وفي ساحةٍ لوقوف الحافلات (التاكسي) تتشاجر امرأة مسنة مع لص مخمور، فيتدخل رجل الشرطة بين المتشاجريّن، يقف المارة ويحشرون أنوفهم في هذا الشجار. وفي زاوية ما يتطفل تلميذين متهربين من المدرسة على قاعة للألعاب. وهناك في زاوية بعيدة تقف فتاة تحمل حقيبتها ولا تدري إلى أين تتجه. هذه مشاهد من النسخة اليمنية للمسرحية الألمانية " الخط رقم واحد" (Linie1 ) للمخرج فولكر لودفيج، التي تعد من أهم المسرحيات في تاريخ ألمانيا المعاصر. ويرجع عرضها الأول لعام 1986، حيث عالجت العديد من القضايا الاجتماعية قبل الوحدة الألمانية ولازالت تعرض حتى يومنا هذا على خشبة مسرح كريبز في ساحة هانزا البرلينية وسبق عرضها بنسخ محلية في العديد من مدن العالم مثل نيويورك والقدس ودبلن وهونج كونج. وهذه هي المرة الأولى التي تعرض باللغة العربية.
Bildunterschrift: بين الكوميديا والتراجيديا تدور احداث المسرحية بنسختها اليمنية يصف مسرح "كريبز" مسرحية " الخط رقم واحد" بأنها:"تمثل مزيجاً من الدراما والموسيقى، تروي قصة حول الرغبة في البقاء على قيد الحياة في مدينة كبيرة، حول ألأمل والتكيف والشجاعة، كذلك خداع الذات؛ إنها قصة للضحك والبكاء، للحلم والتفكير". وتعرض هذه المسرحية منذ عام 1986 على خشبة مسرح كريبز في ساحة هانزا البرلينية. وقد تم إعادة تمثيل هذه المسرحية المغرقة في الواقعية والتي تدور حول فتاة مسافرة من الضواحي قادمة إلى العاصمة برلين لتبحث عن فارس أحلامها شاب من موسيّقي الروك، غير أنها تبقى معلقةً في" خط المترو رقم واحد"، والذي يسافر بها عبر محطات العاصمة لتلتقي بالناس و تلمس نقاط حساسة داخل المجتمع.
نكهة يمانية وقصص واقعية
أما النسخة اليمنية من المسرحية فيقول المخرج الشاب "عمر جمال" انه قام بتغيير القصة لتلائم الواقع في بلاده، لأنه يعتقد أن الناس تأتي لمشاهدة المسرحية حين يشاهدون قصة تعكس طبيعة حياتهم وتعبر عن مشاكلهم. والذي أثار فضول المخرج اليمني ودفعه إلى "يمننة" هذه المسرحية هو "غيدو تزيبيش" مدير البيت الألماني للتعاون والثقافة في صنعاء والذي بدوره لاحظ حماساً من جهة المخرج الشاب لهذه القصة. ولم يكن حماس عمر جمال مرتبط فقط بكون المسرحية موسيقية، فقط بل لأن الجديد فيها أن أحداثها تدور في الشارع وهذه المرة في الشارع اليمني وهو أمر غير مألوف في المسرح هناك.
Bildunterschrift: " معك نازل"عنوان المسرحية بعد ان كان "الخط رقم واحد" في النسخة الألمانية من المسرحية حملت المسرحية في نسختها اليمنية اسماً آخر وهو "معاك نازل" أما الأحداث فتدور في عدن، فبدلا من المترو البرليني هناك سيارة النقل الجماعي "تاكسي". والفتاة القادمة من الضواحي أضحت في النسخة اليمنية إمرأة متزوجة وأم وضحية ما يسمى بـ"الزواج السياحي".
يقول المخرج عمر جمال :" هذه قصة حقيقية، إذ أن بعض الرجال القادمين من دول بعض الدول الخليجية يتزوجون من فتيات أسر فقيرة من القرى ولمدة محدودة ولغرض واحد لا غير الا وهو إشباع الرغبة الجنسية. ويعتقدون أن هكذا زواج يتلاءم مع الدين، غير انه ليس الا نوعاً من أنواع الدعارة لاغير". فبعد ليلة أو ليلتين من ممارسة الجنس في احد الفنادق، يغادر الرجل إلى الأبد ويترك خلفه امرأة مسلوبة الكرامة تحمل على كتفيها ذنباً ثقيلاً وربما في أحشائها جنيناً لا أحد يعرف الطريق إلى أبيه.
كوميديا رغم مأساوية القصة
أعاد عمر جمال كتابة القصة باستقلالية تامة ورغم كل الدراما والمؤامرات التي تدور أحداثها في المسرحية الا أن مواقف كوميدية عديدة تتخلل أحداثها. وعن عالم المسرح في اليمن يقول غيدو زينيش:" لا يوجد مسرح في اليمن بل يوجد أناس يمثلون المسرح" كان يوجد في الجزء الاشتراكي من اليمن (الجنوب) مسرح حتى أن بعض ممثلي مسرحية " معك نازل" ممثلين شعبيين معروفين من حقبة ما قبل الوحدة بين شطري البلاد قبل عام 1990.
فرقة " خليج عدن" التي مثلت المسرحية حققت نجاحا كبيرا من خلال هذه المسرحية التي لقيت دعم من خلال البيت الألماني للثقافة في اليمن. وفي برلين أيضا أثارت احترافية ومتعة عمل فريق المسرحية حماس المشاهدين، إذ يرقص الممثلون على موسيقى جنوب الجزيرة العربية ويرسموا خلال أحداث المسرحية صورة لمدينة عدن؛ الشباب الباحث عن السكن، المهاجرون القادمون من الصومال، الرغبة في الهجرة إلى الخارج (الولايات المتحدة أو بريطانيا) وفي منتصف المسرح تقف الممثلة الرئيسية الباحثة عن ذلك الرجل الذي افقدها عذريتها وسلب منها كرامتها، وهي تقف في عالم خارج حدود قريتها الصغيرة.
مراجعة: عبده جميل المخلافي
عن موقع:دويتشه فيله