الميثاق نت/ تحقيق - محمد الجرادي - يصرخ أحدهم بعصبية على السائق مستنكراً توقفه، وراجياً منه أن يواصل السير: »تحرك، لنا من 87م، واحنا وهذي المواكب والسيارات والمصورين ماشي فائدة«!!
لم يصغِ السائق لصراخ الرجل المعلق في مؤخرة سيارة »الشاص«، لقد فضل أن يتحرك بعد أن تتحرك السيارات »الصوالين« الواقفة التي هبط منها عشرات الاشخاص يتبارون في التقاط الصور، ويتزاحمون حول أحد المواطنين في المنطقة يحدثهم عن فقدان منزله كشاهد على خراب الطريق.. وردم غيل ماء جراءذلك.
سيقول أخيراً هذا المواطن المنكوب: »ما دام وأنتم صحفيين هذه أمانة في أعناقكم توصلوها الى عند المسؤولين وعند الرئيس«.
كنا قد قطعنا مسافة معقولة داخل مديرية عنس.. وقبل أن نصل الى مركز مديرية عتمة.
وبما أن المهمة هي مشروع الطريق المنكوب »طريق ذمار - الحسينية« الذي أصبح مدعاة للقرف والسأم الذي يسيطر على مواطني المديريات المستفيدة من خط الطريق: »عنس، عتمة، وصابين« وهو شعور خلفته خيبات السنوات الماضية التي تزيد عن عقدين منذ الإعلان عن بدء المشروع، وتعثر حتى اليوم.
على أن هذا الشعور المؤسف يمتد حتى إلى نفوس المسؤولين المحليين من أبناء تلك المديريات وممثليها في البرلمان، ويشاركهم مسؤولون برلمانيون في محافظة ذمار.
كان في استقبالنا بجوار الاستاذ الرياضي بمدينة ذمار رئيس فرع المؤتمر الشعبي العام وعضو مجلس الشورى الاستاذ حسن عبدالرزاق ومعه النائب عبدالعزيز جباري..
قال جباري قبل أن يطلب أمانتنا في نقل تزكية كلامه من قبل رئيس فرع المؤتمر حسن عبدالرزاق: إن مشروع طريق ذمار الحسينية، تم وضع حجر الأساس له من قبل كبار المسؤولين منذ عام 78م!!
وهو مشروع استراتيجي ومن شأنه توفير الكثير من الجهد والوقت لإحداث التنمية في المديريات التي سيمر منها لكنه اختصر المشكلة بقوله : »عندما يكون المسؤول تاجراً، وعندما يغيب تطبيق مبدأ الثواب والعقاب هذا وراء تعثر مشروع كهذا«.
جباري بكونه برلمانياً سألناه عن الدور المفترض أن يقوم به وزملاؤه في البرلمان تجاه هذه القضية، أكد أنه تم طرح القضية على الجهات المعنية، وكثيراً ما التقوا بالحكومة والشركة المنفذة التي تعمل في الطريق منذ العام 2005م.
وأضاف: »كان هناك بعض الاشكاليات بين الأشغال والشركة، ومع الوصول الى بعض الاتفاقات الا أن ذلك لم يتم، وفي حقيقة الأمر مشكلتنا الوحيدة في البلاد هو الفساد«.
-استدعا وزير الاشغال الى البرلمان في وقت سابق بحسب جباري لم ينتج حلاً طالما أصحاب المصالح موجودون، طالما والممارسات الفاسدة أكبر من أي جهود ترمي الى معالجة مشكلة الطريق«.
أصل الحكاية
< بإمكان المسافر على طول خط المشروع الاستراتيجي »طريق ذمار - الحسينية« الوقوف على مأساة ما أحدثته مشكلة التعثر والقصور التي رافقت ولاتزال ترافق العمل فيه.. ويبدو من الصعوبة تخيل كيف أن مشروعاً حيوياً فتح بإعلانه أحلاماً كبيرة لمواطني المديريات المستفيدة منه، أن يتحول الى مصيبة حقيقية، فيفقدون في كل فترة أشياءً من ممتلكاتهم الزراعية ومصالحهم الخاصة والعامة بعد أن تنازلوا بطيب خاطر عن أجزاء من أراضيهم لصالح تنفيذ هذا المشروع.
< لم نجد مواطناً صادفناه أثناء توقفنا في الطريق إلا ويحدثنا بمرارة وبغصة منقوصة من الدموع.
وأقسى من ذلك أن الثقة بدأت تتلاشى بفعل الإهمال طيلة السنوات الماضية والتوقف المتكرر للعمل في الطريق.
المواطنون لا يعنيهم صراعات المصالح الخاصة والمتاجرين بالمال العام، كما لا يعنيهم خلافات وزارة الاشغال مع الشركة، إنما يعنيهم فقط أن ينقشع من سمائهم كابوس طريق »ذمار- الحسينية« الذي جلب لحياتهم الضرر أكثر من النفع والفائدة.
< بألم شديد تحدث الينا مواطنون في إحدى مناطق مديرية مغرب عنس، تحدثوا بشكل جماعي: »منذ أكثر من عشرين عاماً وفريق يطلع وفريق ينزل، أيش عملوا لنا غير أنهم خربوا أراضينا، ودفنوا غيولنا«.. بالفعل أشاروا الى موضع »غيل ماء« أتاح التعثر في إنجاز »العبارة« ردمه بفعل الأمطار.. وهي ليست الحالة الوحيدة بالنسبة »للعبّارات« فعلى طول الطريق بين مديرية عنس ومديرية عتمة، لاحظنا العشرات من العبارات المتعثرة وكثيراً من نتائجها الفادحة بحق الأراضي والمصالح العامة.
< كان بمعيتنا الشيخ حسن عبدالرزاق رئيس فرع المؤتمر الشعبي العام بذمار حتى محطة التوقف هذه.. وكان حديث الشيخ واضحاً وفيه يعلن تبرمه الشديد واستياءه بشأن مشكلات الطريق.
حاول إيضاح الصورة للعمل في هذه الطريق منذ ما بعد الاعلان عن افتتاحها في العام 87م وقال: لقد اعتبرها المواطنون أبرز مكرمات الرئيس علي عبدالله صالح لمناطقهم، واطلقوا عليها طريق الرئيس«.. وفيما أبدى أسفه عن كل هذا التعثر الذي يكتنف هذا »المشروع الاستراتيجي« أكد أن جهوداً كبيرة تمت من أجل احتواء الخلافات بين الشركة المنفذة ووزارة الاشغال العامة الا أنها تتجدد وعلى حساب التنمية في هذه المناطق.
ويتفق الاستاذ حسن عبدالرزاق في كون أداء الشركة على قدرٍ كبير من الكفاءة.
وقال: لا استبعد أن تضطر الشركة اللجوء الى تحكيم دولي، خاصة بعد أن تم الحجز القضائي على آلياتها ومعداتها، وأظن أن هذا سيؤثر على سمعة البلد، وسيساهم بشكل سلبي في أية جهود للاستثمار الخارجي في البلاد.
وعن إمكانية أن تتوصل الشركة الى اتفاق جديد مع الوزارة ومعاودة العمل بعد هذا التوقف أكد حسن عبدالرزاق ان ذلك مستبعد في الوقت الراهن، لكنه يعول بدرجة أساسية على تدخل فخامة رئيس الجمهورية شخصياً : لا اعتقد أن الشركة مازالت واثقة من معاودة العمل، ولا أظن وزارة الاشغال واثقة من تمكين الشركة ذلك«.
وأضاف: أتصور أن الرئيس يتألم كلما سمع عن تعثر هذا المشروع، واعتقد أن المعلومات التي تصل اليه هي لا تمت الى حقيقة ما يحدث بأية صلة، وأظنه لو عرف صحة ما يجري لتدخل وحسم الأمر، وهذاما نرجو ونأمله من فخامته«.
بيت القصيد
< حكاية الشركة المنفذة تحالفت مع شركة محلية في تعاقد مبرم مع وزارة الاشغال في اغسطس 2004م للعمل في المشروع (254) كم، لكن مشكلات التعثر في العمل بدأت منذ اللحظات الاولى.
وكان يجب الانتهاء من إنجاز الطريق بحسب العقد خلال عامين، لكن أن تمضي خمس سنوات دون ان يتحقق ذلك، فهذا بيت القصيد في القضية.
< عشرات »المعدات« شاهدناها اليها في إحدى المواقع التي تتخذ منها الشركة مقراً لها، أول ما لفت انتباهنا تلك العبارة المكتوبة على تلك المعدات »محجوزة من قبل المحكمة«.
التقينا مهندسين ومشرفين ومراقبين تابعين للشركة في الموقع ذاته، لكن مسؤول الأمن فيه أعفى العاملين الأجانب من السؤال: من أنتم، وماذا تصورون؟
اطمأنوا إلى كوننا في زيارة اعلامية بشأن طريق »ذمار الحسينية« وتكفل منسق الرحلة الزميل أحمد غيلان بلائحة تتضمن اسماءنا وأرقام هواتفنا لمسؤول الأمن!!.
كان أسامة حيدر وهو مهندس »مصري« في الشركة، أجابنا حين سألناه بالإشارة الى عبارة الحجز المكتوبة على المعدات: هذه المعدات محجوزة بحكم قضائي ابتدائي اعتبر غلط، لصالح تاجر، وقال : نحن متوقفون عن العمل، وأكثر من 1500 عامل بلا مستحقات«.
من هو المتسبب؟
< ما هي المشكلة تحديداً؟
- هناك مشكلات فنية، وإدارية ومالية، وهناك إصرار من قبل وزارة الاشغال على بقائها كعراقيل أمام الشركة، نحن خلال الخمس السنوات اتيح لنا العمل بصعوبة بالغة 13 شهراً فقط، وتعرضنا لخسائر تصل الى اكثر من80 مليون دولار.
< ماهي المشكلة مع الوزارة؟
- لم تلتزم بما هو عليها بل تضع نفسها عائقاً أمام الشركة، التي أرادت أن تنجز الطريق، لكن للأسف هناك من لا يريد ذلك.
< وماذا عن الاستشاري؟
- للأسف كثير من المشكلات هي بسبب الاستشاري.
< ما هو موقف الشركة حالياً؟
- متوقفة الى أن تحل كل المشكلات مع الوزارة، والمقاول ممنوع من السفر.
< ماذا عن مستحقات العاملين؟
- العاملون بلا مستحقات منذ 14 شهراً، والغريب أن مندوب الوزارة جاء قبل شهر ليقول لهم إن الوزارة ليست مسؤولة عن مستحقاتهم وهذا يسبب مشاكل جديدة للمقاول.
< هل لدى الشركة استعداد لمعاودة العمل؟
- بالتأكيد لو حُلت كل المشكلات، أما غير ذلك فمن الصعب العودة للعمل.
< هل تتوقع أن تصل الشركة الى حل مع الوزارة؟
- أتمنى ذلك، مع أنه ستكون هناك مجازفة أمام الشركة لأنها خسرت كثيراً، ومع أنها عملت في مختلف أنحاء العالم ومعروفة بكفاءتها، لم تصادف في أي بلد مثل هذا التعامل.
< مداخلة أخرى لأحد العمال واسمه »رمضان« من سوريا تحدث: »يا زلمه صار لنا أكثر من 14 شهراً ووزارة الاشغال رافضة تسليم مستحقاتنا، ومتوقفين عن العمل، أيش هذا، ما يحصلش في أي بلد.
< ويؤكد لنا من جانبه مسؤول أمن الموقع محمد الآنسي أنه لا مشكلات أمنية، لكنه عبّر عن أسفه لكل هذه المشكلات التي أدت الى توقف عمل الشركة.
وطالب كبار مسؤولي الدولة التدخل لحل هذه المشكلة لأن عدم حلها كما يقول: تضر بسمعة البلد، وتضر بأعمال الاستثمار وتعرقل التنمية.
< أكثر من موقع على طول الطريق ، ترقد معدات الشركة على ذمة حكم قضائي، كلما مررنا بموقع من هذه المواقع، اكتفى بعضنا بالتصوير والبعض الآخر وأنا منهم بالمرور سريعاً.. لأن في ذلك أكثر من »وجع قلب«.
مفارقة
< لكي نصل الى مركز مديرية عتمة كان يلزمنا الصبر على مشقة الطريق، لكن كيف يمكن تخيل هذا الصبر في حين ترقد عشرات المعدات قريباً من كل هذا التعب والعناء، وأي عقلٍ يمكن أن يتصالح مع هذه المفارقة المأساوية.
< حاولت أن أرسم مشهداً للفنان الرائع عبدالرحمن الغابري، أثناء مرورنا بقريته في »سمه«، وكيف أنه أغدق فضاءاتنا بملامح من هذه »الجنة« وخبأ تعبه بعيداً.!!
وأحسست برغبة في مشاركة الشاعر الكبير الصديق هايل الغابري بكائه للجبال الشاهقة في تعثر حلمه وأبناء قريته من صعود هادئ وبدون مخاطر.
وسط كل ذلك لم أعرف مدى إصرار الزميل الرائع محمود الهجري على إبقاء أوبريت »خيلت براقاً لمع« في مسجلة السيارة صادحاً!! فيما كانت إحدى »كفرات«» السيارة التي تقلنا قد بدأت مؤشرات »بنشرته« لولا أنه من حسن الحظ أمكن ملاحظته تماماً أثناء وصولنا مركز مديرية عتمة، أو بالأصح بعد استقبالٍ مشكور من قبل المديرية. وللحديث بقية.
|