موقع المؤتمر نت



موقع مايو نيوز



موقع معهد الميثاق


الحديدة.. إصابة طفل بانفجار في الدريهمي - وحدة الصف الوطني.. الحصن المنيع لمواجهة المشاريع الاستعمارية - 43846 شهيداً منذ بدء العدوان على غزة - 6364 مهاجر أفريقي وصلوا اليمن في شهر - الرئيس/ علي ناصر يعزّي بوفاة النائب البرلماني الدكتور عبدالباري دغيش - تدشين خطة الانتشار الإسعافي على الطرق السريعة - النواب يجدد الثقة بالإجماع لهيئة رئاسته لفترة قادمة - صنعاء: انطلاق حملة للتبرع لمرضى الثلاسيميا - ارتفاع عدد شهداء غزة إلى 43 ألفاً و799 - مع غزة ولبنان.. مسيرة مليونية بصنعاء -
قضايا
الإثنين, 04-ديسمبر-2006
الميثاق نت -
عقب احتلال عدن في ٩/١/1839م، اصبح »هينز« اول مقيم سياسي بريطاني في عدن.. وفي حين انصرف الى ادارة المدينة وشئونها، كان قائد الحامية البريطانية في عدن يركز على اعداد الترتيبات اللازمة لمواجهة اي هجوم مضاد من القبائل اليمنية المجاورة لعدن.
ولبرهة من الزمن تصور »هينز« ان الامور في المدينة استتبت له وان السكان في هدوء مطمئن، غير انه تفاجأ سريعاً بعكس ما توقع او تمنى.. وكان البريطانيون يخشون من تسرب الثوار الى صفوف السكان، وتخشى الحكومة البريطانية ورجال السلك العسكري البريطانيين في بومباي من مغبة‮ ‬حدوث‮ ‬ذلك‮.‬
على أن »هينز« كانت تصله باستمرار -خاصة بعد مضي خمس سنوات من الاحتلال- انباء تحركات القبائل اليمنية في المنطقة المحيطة بعدن عن طريق بعض الرجال الذين والوا الادارة الاستعمارية، وبصورة اساسية كانت الاخبار تصله عن طريق اليهود المقيمين في عدن نفسها او الذين يعيشون‮ ‬منهم‮ ‬في‮ ‬المناطق‮ ‬المجاورة‮.‬
كان‮ ‬بعض‮ ‬اليهود‮ ‬يعملون‮ ‬لدى‮ ‬شيوخ‮ ‬بعض‮ ‬القبائل‮ ‬ويشرفون‮ ‬على‮ ‬شئونهم‮ ‬المالية‮ ‬وحساباتهم‮ ‬الأمر‮ ‬الذي‮ ‬كان‮ ‬يمكنهم‮ ‬من‮ ‬معرفة‮ ‬نوايا‮ ‬وخطط‮ ‬هؤلاء‮ ‬الشيوخ‮ ‬وتحركاتهم‮ ‬عن‮ ‬كثب‮ ‬وقرب‮.‬
وفي‮ ‬تقاريره‮ ‬التي‮ ‬كان‮ ‬يرسلها‮ ‬الى‮ ‬الحكومة‮ ‬في‮ ‬بومباي‮ ‬ذكر‮ »‬هينز‮« ‬عدة‮ ‬مرات‮ ‬الفوائد‮ ‬والمعلومات‮ ‬المهمة‮ ‬التي‮ ‬تصله‮ ‬من‮ ‬جواسيس‮ ‬يهود‮.‬
وعن‮ ‬طريق‮ ‬هؤلاء‮ ‬ايضاً‮ ‬كان‮ »‬هينز‮« ‬يعلم‮ ‬الأنباء‮ ‬المتعلقة‮ ‬بتحركات‮ ‬عيون‮ ‬القبائل‮ ‬داخل‮ ‬مدينة‮ ‬عدن‮ ‬والجهات‮ ‬والاشخاص‮ ‬الذين‮ ‬يمدونهم‮ ‬بالمعلومات‮ ‬المختلفة‮ ‬عن‮ ‬القوات‮ ‬البريطانية‮ ‬المحتلة‮.‬
بهذه الصورة.. كان اليهود جواسيس الاحتلال البريطاني على الشعب اليمني، وكانوا يراقبون الاحداث بدقة، واستطاع »هينز« استخدامهم بواسطة اثنين من اليهود يقيمان في عدن »هما »منهاكن وشوماديل« كانت الرسائل تصل اليهما وهي مكتوبة باللغة العبرية التي لا يعرفها العرب والتي‮ ‬كانت‮ ‬بالنسبة‮ ‬لهم‮ ‬أشبه‮ ‬بالشفرة‮.‬
وعندما‮ ‬سألت‮ ‬حكومة‮ ‬بومباي‮ ‬هينز‮ ‬عن‮ ‬الطريقة‮ ‬التي‮ ‬يحصل‮ ‬بها‮ ‬على‮ ‬معلومات‮ ‬عن‮ ‬القبائل‮ ‬المجاورة‮ ‬لعدن،‮ ‬فقد‮ ‬ذكر‮ ‬لهم‮ ‬انها‮ ‬كانت‮ ‬ترد‮ ‬اليه‮ »‬عن‮ ‬طريق‮ ‬اليهود‮«.‬
جدير بالذكر ان احد المبشرين اليهود ويدعى »صاموئيل« وصل الى عدن سنة ٠٤٨١م وعرض على هينز ان يدعو يهود اليمن للتجمع في عدن للعمل في خدمة الحكومة البريطانية التي كان عليها ان توفر لهم الاجر وخلافه، غير ان هينز رفض المشروع حينذاك، وظل هينز يستخدمهم كجواسيس وعيون‮.. ‬ومرة‮ ‬اخرى‮ ‬عاد‮ »‬صاموئيل‮« ‬نفسه‮ ‬ليعرض‮ ‬على‮ ‬هينز‮ ‬مشروع‮ ‬اقامة‮ ‬مدرسة‮ ‬لأبناء‮ ‬اليهود‮ ‬في‮ ‬المدينة‮ ‬فرفض‮.‬
قضايا

مقاومة‮ ‬الاحتلال‮ ‬البريطاني‮ ‬في‮ ‬عدن
گيف‮ ‬بدت‮ ‬في‮ ‬سنواته‮ ‬الأولى؟
< بعد حصار طويل.. ومقاومة باسلة ضد قوات الاحتلال البريطاني سقطت مدينة عدن بيد الاستعمار يوم 19 يناير 1939م.. لم تهن عزيمة اليمنيين أمام الغزو، وشهدت السنوات الأولى للاحتلال محاولات شتى لاسترداد عدن.. لم يكتب لها النجاح.. لكن النضال الوطني ضد الاستعمار كان قد‮ ‬استعاد‮ ‬أنفاسه‮ ‬بقوة‮ ‬في‮ ‬الخمسينيات‮ ‬من‮ ‬القرن‮ ‬الماضي‮..‬
وكان لقيام ثورة 26 سبتمبر 1962م أن أخذ النضال الوطني شكل الكفاح المسلح لطرد الاستعمار في ثورة 14 أكتوبر 1963م.. الذي استمر حتى 30 نوفمبر 1967م وجلاء الاستعمار وإعلان الاستقلال للجزء اليمني الذي كان تحت نير الاستعمار البريطاني.
نقف هنا على حركة المقاومة اليمنية للاحتلال في سنواته الأولى.. يتتبع محاولاتها الدكتور فاروق عثمان أباظة في بحثه الذي نال به الدكتوراه حول »عدن والسياسة البريطانية في البحر الأحمر«.. حيث يقول عن الجهود اليمنية لاستعادة عدن من قبضة البريطانيين في السنين الأولى‮ ‬للاحتلال‮:‬

لم يستكن العرب اليمنيون للاحتلال البريطاني الذي انقض على بلادهم واقتنص مدينتهم الفريدة عدن التي تعتبر في الحقيقة »عين اليمن« تبعاً لما أطلقه عليها الكثيرون ممن أدركوا أهميتها.. بل انهم هبوا بضع مرات يحاولون في استماتة طرد البريطانيين من أراضيهم، حتي أضحت حركة‮ ‬المقاومة‮ ‬العربية‮ ‬هي‮ ‬الظاهرة‮ ‬المميزة‮ ‬للسنوات‮ ‬الأولى‮ ‬من‮ ‬سني‮ ‬الاحتلال‮ ‬البريطاني‮ ‬لعدن‮.‬

المحاولة‮ ‬الأولى
وإذا كان السلطان محسن فضل العبدلي سلطان لحج قد غلب على أمره نتيجة لضعف قواته أمام قوة البريطانيين الغزاة، مما اضطره بعد هزيمته إلى مهادنتهم ومصادقتهم، فإنه سرعان ما تنصل من اتفاقه معهم وتحالف مع جاره أحمد بن عبدالله الفضلي سلطان »أبين« واتفقا على غزو عدن واسترجاعها من قبضة البريطانيين، وفي اليوم الحادي عشر من نوفمبر سنة 1839م جهز السلطان نحو خمسة آلاف مقاتل زحف بهم تجاه عدن حيث وقعت معركة دامية بين قوات السلطان والحامية البريطانية وذلك في مواجهة السور عند »خندق جبل حديد«.
غير أن قوات السلطان انهزمت أمام نيران المدافع المركزة على هذا السور، وبلغت خسائرهم مائتي رجل بين قتيل وجريح، وكان من الطبيعي ان يوقف المقيم السياسي البريطاني في عدن صرف الراتب المقرر للسلطان محسن بعد أن كشف عداءه للبريطانيين، كما فرض الأسطول البريطاني حصاراً‮ ‬بحرياً‮ ‬على‮ ‬طول‮ ‬ساحل‮ »‬أبين‮« ‬ومنع‮ ‬السفن‮ ‬التجارية‮ ‬من‮ ‬دخول‮ ‬ميناء‮ »‬شقرة‮« ‬نكاية‮ ‬بالسلطان‮ ‬الفضلي‮ ‬الذي‮ ‬تحالف‮ ‬مع‮ ‬سلطان‮ ‬لحج‮ ‬في‮ ‬عدائه‮ ‬للبريطانيين‮.‬
وهكذا لم يُكتب لهذه المحاولة النجاح ومُني العرب فيها بخسائر فادحة.. بل إنه كان من بين النتائج التي ترتبت على تلك المحاولة قيام البريطانيين بمحاصرة ساحل الفضلي وضربه بمدفعية السفن البريطانية.. كما تنصل البريطانيون أيضاً من ارتباطاتهم مع سلطان لحج وسلطان الفضلي‮ ‬وأوقوفا‮ ‬صرف‮ ‬المرتبات‮ ‬التي‮ ‬كانت‮ ‬تمنح‮ ‬لكل‮ ‬منهما‮.‬

المحاولة‮ ‬الثانية
وكان من الطبيعي بعد ذلك أن يثور السلطان محسن من جديد خاصة وانه قد مُني بخسائر فادحة نتيجة لمحاولته السابقة التي قام بها ضد البريطانيين، وقد أشارت الوثائق البريطانية إلى أن بعض المعلومات قد وصلت إلى المقيم السياسي البريطاني في عدن في أول فبراير سنة 1840م تفيد بأن بعض رسل إبراهيم يكن باشا الوالي المصري في تهامة قد وصلوا إلى داخل اليمن مما ترتب عليه تغير مفاجئ في موقف العبادلة.. وتضيف الوثائق أن عبدالرسول وكيل البريطانيين في مخا قد أرسل تقريراً إلى عدن يوضح فيه أن بعض رسل السلطان محسن أيضاً قد وصلوا إلى مخا ليطلبوا بنادق ومقاتلين لمساعدتهم في اخراج البريطانيين من عدن وان ابراهيم باشا قد منحهم كل تشجيع.. على أننا إذا صدقنا هذه الرواية فإنها تكون قد حدثت قبيل خروج المصريين من اليمن بفترة قصيرة خاصة وأنهم بدأوا يخرجون منها في أوائل شهر إبريل سنة 1840م.. بحيث تم خروجهم من هناك في 9 مايو من السنة المذكورة.. وجدير بالذكر ان الوثائق المصرية لم يرد فيها ما يؤيد هذه الرواية التي تذكر تعاون المصريين مع العبادلة لاجلاء البريطانيين عن عدن، وان كانت هذه رغبة لابد انها كانت متوافرة لدى المصريين.. على انه لايفوتنا أيضاً أن »هينز‮« ‬كان‮ ‬يظهر‮ ‬لحكومته‮ ‬خطورة‮ ‬الوجود‮ ‬المصري‮ ‬في‮ ‬اليمن‮ ‬حينذاك‮ ‬بالنسبة‮ ‬للمصالح‮ ‬البريطانية‮ ‬حتى‮ ‬تعزز‮ ‬قواته‮ ‬وتدعم‮ ‬موقفه‮.‬
وعلى أية حال فإن السلطان محسن العبدلي استجمع قواه وعاود الكرة من جديد وللمرة الثانية في اليوم الحادي والعشرين من مايو سنة 1840م وهاجم عدن بقوة قوامها يتراوح مابين أربعة آلاف إلى خمسة آلاف مقاتل من القبائل التابعة له.. وفي نفس الوقت أغلق سلطان الفضلي من جديد أيضاً طرق القوافل المؤدية إلى عدن وأعلن هو الآخر انه سيقود حرباً دينية ضد البريطانيين.. ومما شجع العرب اليمنيين على هذا التحرك أنه قد أشيع بين القبائل أن بريطانيا كانت في حرب مع مصر نتيجة للموقف المتوتر حينذاك في منطقة الشرق الأوسط بين محمد علي والباب العالي، ونتيجة للسياسة الجافة التي اتبعها »بالمرستون« مع محمد علي، مما جعلهم يعتقدون أن البريطانيين سوف يشغلون عن مشاكلهم في اليمن بما يتيح الفرصة للعرب لتحقيق النصر.. كما ظن رجال القبائل خطأً أن من غير الممكن للحامية البريطانية في عدن أن تحصل على أية تعزيزات‮ ‬جديدة‮.. ‬في‮ ‬تلك‮ ‬الفترة‮ ‬قبيل‮ ‬مجيئ‮ ‬فصل‮ ‬الرياح،‮ ‬ولم‮ ‬يكونوا‮ ‬على‮ ‬علم‮ ‬بإمكانات‮ ‬السفن‮ ‬البريطانية‮ ‬وخاصة‮ ‬تلك‮ ‬التي‮ ‬تعمل‮ ‬بقوة‮ ‬دفع‮ ‬البخار‮ ‬مما‮ ‬يجعلها‮ ‬قادرة‮ ‬على‮ ‬الوصول‮ ‬إلى‮ ‬عدن‮ ‬في‮ ‬جميع‮ ‬فصول‮ ‬السنة‮.‬
ولهذا فعلى عكس ما توقع السلطان محسن ورجاله تمكن البريطانيون من صد الهجوم، مما اضطر العرب إلى التراجع بعد أن تركوا خلفهم كثيرين من القتلى والجرحى، وكان عنصر الخيانة في صفوف العرب، إلى جانب عمليات التجسس التي كان يقوم بها اليهود في لحج، من أهم العوامل التي سهلت على البريطانيين صد هذا الهجوم، وإلحاق أبلغ الأضرار بقوات السلطان.. إذ كان البريطانيون قد عينوا الشيخ حسن الخطيب وكيلاً لهم في لحج، وكان الشيخ حسن من كبار المقربين إلى سلطان لحج، كما كان أحد الذين وقعوا على المعاهدة الأولى بين بريطانيا والسلطان محسن بصفته‮ ‬أحد‮ ‬ممثلي‮ ‬السلطان‮.‬
وقد ذكر »الكابتن بلايفير« أن معلومات تتعلق باستعدادات السلطان في الهجومين السابقين قد وصلت إلى البريطانيين في عدن عن طريق وكيلهم في لحج، وقد تأثر السلطان محسن كثيراً عندما علم بالدور الذي قام به وكيله السابق الشيخ حسن الخطيب وانتقم منه بأن أمر بقتله ونهب بيوته‮ ‬وبيوت‮ ‬أقربائه‮ ‬التي‮ ‬بلغت‮ ‬ستة‮ ‬عشر‮ ‬بيتاً‮.‬
أما عن دور اليهود في أعمال التجسس على جهود العرب لاسترجاع عدن حينذاك فقد علم به السلطان محسن عندما أبلغه أتباعه بأن أحد يهود لحج كان الواسطة في نقل رسائل الشيخ حسن الخطيب من لحج إلى عدن، وأن عدداً من يهود لحج كانوا يقومون بأعمال التجسس لحساب بريطانيا، وقد استاء‮ ‬السلطان‮ ‬لذلك‮ ‬وأمر‮ ‬بنهب‮ ‬جميع‮ ‬بيوت‮ ‬اليهود‮ ‬اللحجيين،‮ ‬سواءً‮ ‬من‮ ‬كان‮ ‬منهم‮ ‬في‮ ‬لحج‮ ‬أو‮ ‬من‮ ‬انتقل‮ ‬منها‮ ‬إلى‮ ‬عدن،‮ ‬حتى‮ ‬قدرت‮ ‬خسائرهم‮ ‬بخمسة‮ ‬عشر‮ ‬ألف‮ ‬ريال‮.‬
وهكذا‮ ‬اشترك‮ ‬عنصر‮ ‬الخيانة‮ ‬من‮ ‬قبل‮ ‬العملاء‮ ‬العرب‮ ‬مع‮ ‬عنصر‮ ‬التجسس‮ ‬من‮ ‬قبل‮ ‬اليهود،‮ ‬وكانا‮ ‬من‮ ‬العوامل‮ ‬المؤثرة‮ ‬التي‮ ‬أدت‮ ‬إلى‮ ‬فشل‮ ‬العرب‮ ‬في‮ ‬استرجاع‮ ‬عدن‮.‬
وجدير بالذكر ان البريطانيين غضبوا من السلطان الفضلي الذي حالف العبادلة وأغلق الطرق الموصلة من بلاده إلى عدن، مما جعلهم يفكرون في اجباره على سحب قواته وإعادة فتح هذه الطرق.. ولهذا وجهوا السفينة البريطانية »الفنستون« إلى شقرة في شهر مارس سنة 1840م.. وقد قذف العرب هذه السفينة بنيرانهم من الساحل مما جعل البريطانيين يقصفون إحدى القلاع في شقرة وأحد بيوت الجمارك.. وقد نتج عن هذا القصف استشهاد اثنين من العرب على نحو ما تشير إليه الوثائق البريطانية، التي تذكر أيضاً ان الشائعات قد هولت في وصف هذا الحادث وأذاعت أن ثمانين‮ ‬عربياً‮ ‬قد‮ ‬قتلوا‮ ‬وأن‮ ‬كثيرين‮ ‬غيرهم‮ ‬قد‮ ‬جرحوا،‮ ‬وانتشرت‮ ‬هذه‮ ‬الشائعات‮ ‬حتى‮ ‬وصلت‮ ‬إلى‮ ‬بومباي‮.‬
وفي بومباي كانت مناقشات كثيرة قد دارت بين حكومتها وحكومة الهند حول إمكانية ارسال حملة عسكرية لتعزيز حامية عدن ولشن الحرب على القبائل اليمنية المجاورة لها غير أن حكومة بومباي كانت قد استنفدت قوتها في حملة الأفغان وفي المشكلات الأخرى التي واجهتها في الهند مما‮ ‬جعلها‮ ‬عاجزة‮ ‬عن‮ ‬تعزيز‮ ‬حامية‮ ‬عدن‮ ‬في‮ ‬ذلك‮ ‬الحين‮.‬
وعندما انتهت هذه المعارك بين البريطانيين والقبائل المحيطة بعدن دون أن تحقق غايتها بالنسبة للعرب، فقد استاء السلطان محسن العبدلي غاية الاستياء وخاصة للموقف السلبي الذي وقفه رجال مشيخة العقارب الذين رفضوا أن يشتركوا معه أو مع حليفه السلطان أحمد بن عبدالله الفضلي‮ ‬في‮ ‬مهاجمة‮ ‬عدن،‮ ‬ولهذا‮ ‬فقد‮ ‬قام‮ ‬كلاهما‮ ‬بمهاجمة‮ ‬مشيخة‮ ‬العقارب،‮ ‬وحاصرت‮ ‬قواتهما‮ ‬حصن‮ »‬بير‮ ‬أحمد‮« ‬وألحقوا‮ ‬برجال‮ ‬العقارب‮ ‬خسائر‮ ‬فادحة‮..‬
وتشير الوثائق البريطانية إلى أن الكسب الكبير الذي حصلت عليه القبائل اليمنية نتيجة لتبادل التجارة مع البريطانيين في عدن قد جعل الكثير منهم لايتعاطفون مع السلطان محسن في عدائه للبريطانيين، وتستند الوثائق في ذلك إلى أن السلطان »محسن« عندما أمر باغلاق الطرق المؤدية إلى عدن فإن هذه الطرق ظلت مفتوحة ولم تستجب القبائل لندائه مما أدى إلى انتعاش التجارة وازدهارها في عدن، ولهذا حاول السلطان أن يضاعف نسبة الضرائب المفروضة على التجارة المتجهة إلى عدن عبر بلاده، كما قام بسجن واحد وأربعين يهودياً لم يطلق سراحهم إلاّ بعد أن‮ ‬دفعوا‮ ‬إليه‮ ‬ضريبة‮ ‬من‮ ‬المال‮ ‬تعادل‮ ‬ما‮ ‬كان‮ ‬يحصل‮ ‬عليه‮ ‬من‮ ‬عدن‮ ‬سنوياً،‮ ‬وذلك‮ ‬باعتبارهم‮ ‬قد‮ ‬استفادوا‮ ‬كثيراً‮ ‬من‮ ‬هذه‮ ‬التجارة‮.‬
على أن »هينز« أراد أن يفرض هو الآخر عقوبة على السلطان، تمثلت في اغلاق باب عدن أمام المؤن التي تصل إليها من لحج، وعلى الرغم من أن عدن كانت في أشد الحاجة إلى استيراد تلك المؤن من لحج، غير أن »هينز« أراد بتصرفه هذا أن يشعر السلطان بأن عدن يمكنها الحصول على احتياجاتها‮ ‬من‮ ‬المؤن‮ ‬المختلفة‮ ‬من‮ ‬مصادر‮ ‬أخرى‮.. ‬وكان‮ ‬المقصود‮ ‬بهذه‮ ‬المصادر‮ ‬الساحل‮ ‬الأفريقي‮ ‬للبحر‮ ‬الأحمر‮ ‬ولخليج‮ ‬عدن‮ ‬أو‮ ‬بالأحرى‮ ‬ساحل‮ ‬الصومال‮ ‬المواجه‮ ‬لليمن‮.‬

المحاولة‮ ‬الثالثة
ظل السلطان محسن فضل العبدلي سلطان لحج متأثراً غاية التأثر نتيجة لعدم مقدرته على استعادة عدن من أيدي البريطانيين خاصة بعد أن علم أن تعداد سكانها قد تضاعف وأن تجارتها قد ازدهرت وأن أهميتها قد زادت كثيراً عما كانت عليه.. فأخذ يعد العدة من جديد لاسترجاعها من قبضة‮ ‬البريطانيين‮ ‬رغم‮ ‬بلوغه‮ ‬سن‮ ‬الشيخوخة‮ ‬إلاّ‮ ‬أن‮ ‬قلبه‮ ‬كان‮ ‬لايزال‮ ‬ملتهباً‮ ‬بروح‮ ‬النضال‮..‬
ولهذا فقد قام بمحاولة ثالثة في اليوم الخامس من يوليو سنة 1841م شاركه فيها السلطان أحمد بن عبدالله الفضلي بحيث بلغت قواتهما خمسة آلاف مقاتل اتجهوا نحو عدن لطرد البريطانيين فيها.. غير أنهم عندما اقتربوا من الخندق عند أسوار عدن فاجأتهم النيران المركزة من مدفعية‮ ‬إحدى‮ ‬السفن‮ ‬البريطانية‮ ‬الراسية‮ ‬في‮ ‬خليج‮ ‬عدن‮ ‬ومن‮ ‬الزوارق‮ ‬الراسية‮ ‬حول‮ »‬جزيرة‮ ‬العبيد‮« ‬فاضطربت‮ ‬صفوف‮ ‬رجال‮ ‬السلطان‮ ‬المهاجمين‮ ‬وانسحبوا‮ ‬تاركين‮ ‬وراءهم‮ ‬ثلاثمائة‮ ‬منهم‮ ‬بين‮ ‬شهيد‮ ‬وجريح‮.‬
غير أن السلطان »محسن « ورجاله تجمعوا في »بير أحمد« في شمال »خور مكسر« حيث أقاموا حصناً أطلقوا عليه »نوبة الشيخ مهدي« واتخذوه مركزاً للاغارة على قوافل المؤن المتجهة من المناطق الداخلية في الشمال إلى رأس عدن حيث البريطانيين في الجنوب، غير أن البريطانيين رأوا حينذاك ضرورة ازاحة العرب عن هذا الموقع وتدمير الحصن الذي أقاموه هناك، وعندما استطلع »هينز« رأي حكومة الهند في هذا الشأن فقد وافقت على اتخاذ هذا الإجراء حتى تضمن وصول المؤن والتجارة باستمرار إلى عدن، غير أنها طلبت من »هينز« العمل على استقطاب القبائل اليمنية‮ ‬الأخرى‮ ‬بإنشاء‮ ‬علاقات‮ ‬صداقة‮ ‬معهم‮ ‬حتى‮ ‬يقفوا‮ ‬إلى‮ ‬جانب‮ ‬البريطانيين‮ ‬ضد‮ ‬سلطان‮ ‬لحج‮.‬
ولهذا تقدمت قوة قوامها ثلاثمائة جندي بريطاني يرافقهم مائتان من المقاتلين الهنود الذين جنَّدهم البريطانيون، كما صاحبتهم أيضاً بطارية مدفعية، وكان يقودها »الكولونيل بينيكويك« لانجاز هذه المهمة في اليوم الحادي عشر من أكتوبر سنة 1841م وقد تمكنت هذه القوة من تدمير »نوبة الشيخ مهدي« ثم زحف إلى »الشيخ عثمان« حيث دمرت قلعتها، على أنه في نفس الوقت الذي حدثت فيه هذه العمليات الحربية البرية، فإن سفن الأسطول الهندي البريطاني كانت تقوم بضرب ساحل قبائل الفضلي نتيجة لمساندتهم للعبادلة في العمليات العدائية ضد البريطانيين في‮ ‬عدن‮.‬
وقد أثرت هذه العمليات الحربية البريطانية التي اتسمت بطابع الانتقام في اضعاف الروح المعنوية لدى القبائل اليمنية المحيطة بعدن، خاصة وان إمكانات البريطانيين كانت متفوقة إلى حدٍ كبير على إمكانات العرب هناك في ذلك الحين، وقد بدا ذلك واضحاً عندما طلب السلطان الفضلي من البريطانيين في عدن العفو عن الأعمال العدوانية التي قام بها ضدهم وتعهد بالتزام السلوك الودي معهم في المستقبل، وقد حدث ذلك أثناء الزيارة التي قام بها إلى عدن برفقة السلطان محسن فضل العبدلي والتي تحدد موعدها في اليوم الثاني من ديسمبر سنة 1841م غير أن السلطان العبدلي سبق الفضلي في الوصول إلى عدن برفقة السلطان محسن فضل العبدلي والتي تحدد موعدها في اليوم الثاني حتى 13 ديسمبر سنة 1841م ودارت حول ضرورة اعتذار السلطان للبريطانيين عما بدر منه إزاءهم، وعلى أن يترك اثنين من أبنائه كرهينة لتؤيد حسن نواياه، كما كان عليه أن يعيد الأموال الخاصة بعائلة وكيل البريطانيين في لحج، فضلاً عن كل الغنائم التي استحوذ عليها أثناء عمليات هجومه على عدن في الفترة السابقة، غير أن السلطان محسن عاد إلى لحج دون أن يرتبط مع البريطانيين بأي اتفاق، بل انه فكر في إعداد العدة لمهاجمة عدن من جديد، ولكن قبيلة الفضلي هذه المرة كانت قد تأثرت بالحصار الذي ضربه البريطانيون حول شقرة وعلى طول الساحل مما أوقف عمليات صيد الأسماك، كما أوقف تجارة التمور التي تعد الغذاء الشعبي للقبائل بعد نفاد المحصولات الأخرى.. ولهذا رفض السلطان الفضلي أن يتعاون مع العبدلي، كما تخاذل عن نصرته أيضاً لسلطان الحواشب الذي أغرته كثيراً التجارة المريحة مع عدن، هذا فضلاً عما كان يجده العبدلي من المناوأة المستمرة من الإمام الزيدي في صنعاء، الذي اعتبر العبادلة مسئولين عن تعويض قوافل البن المتجهة من المنطقة الجبلية في الشمال إلى عدن‮ ‬في‮ ‬الجنوب،‮ ‬بعد‮ ‬أن‮ ‬اجتذب‮ ‬البريطانيون‮ ‬هذه‮ ‬التجارة‮ ‬وجعلوها‮ ‬تتحول‮ ‬عن‮ ‬مخا‮ ‬إلى‮ ‬ميناء‮ ‬عدن‮.‬
وعندما أحس »هينز« بأن جهود السلطان محسن العبدلي قد فشلت في تكوين تحالف من القبائل اليمنية لمناوأة البريطانيين فقد طلب من حكومة بومباي في شهر فبراير سنة 1842م التصريح له بمنح شيوخ القبائل باستثناء السلطان محسن رواتب مالية تؤكد لهم تقدير البريطانيين لموقفهم، وقد وافقت حكومة بومباي على ذلك ولكنها أوصت بعدم دفع المتأخر من هذه الرواتب، وعلى الرغم من ذلك فقد ظل السلطان محسن مصراً على عدائه للبريطانيين، رغم أنه لم يكن قوياً بدرجة كافية تمكنه من غزو عدن، كما أن جميع خططه كانت تتطلب مشاركة جدية من القبائل اليمنية الأخرى.. وعلى أية حال فقد سبب السلطان محسن للبريطانيين متاعب كثيرة ومضايقات كانت أبرزها تلك الضرائب الباهظة التي فرضها على البضائع والمؤن التي كانت تصل إلى عدن عبر بلاده، وقد أوضح »هينز« تصرفات السلطان المتغطرسة من وجهة نظره في خطاب بعث به إلى حكومة بومباي في‮ ‬31‮ ‬مايو‮ ‬سنة‮ ‬1842م‮.‬
وجدير بالذكر ان مكانة البريطانيين وسمعتهم بين القبائل اليمنية قد ارتفعت كثيراً في نهاية سنة 1842م عن طريق التقارير التي كانت تصل إلى عدن وتشيع ما أحرزوه من نصر في الصين وفي أفغانستان، وكانت هذه الأنباء تصاغ بأسلوب لايخلو من المبالغة والتهويل ينتشر مع الشائعات‮ ‬في‮ ‬سوق‮ ‬عدن،‮ ‬ويحدث‮ ‬تأثيراً‮ ‬مفيداً‮ ‬غاية‮ ‬الفائدة‮ ‬للبريطانيين‮ ‬على‮ ‬نحو‮ ‬ما‮ ‬تؤكده‮ ‬الوثائق‮ ‬البريطانية‮.‬
وإزاء هذه الظروف قام السلطان محسن بزيارة عدن في شهر فبراير سنة 1843م وعقد معاهدة صداقة وحسن جوار مع المقيم السياسي البريطاني »هينز« في اليوم الحادي عشر من هذا الشهر، واتفق معه على أن يعيد الأراضي والثروات التي نهبت من الشيخ حسن الخطيب وكيل البريطانيين السابق في لحج إلى عائلته.. كما تعهد السلطان بالموافقة على جميع مطالب نقيب التجار اليهود في لحج، وكان السلطان قد استولى على ممتلكاتهم عندما اكتشف قيامهم بأعمال التجسس لحساب البريطانيين في عدن، وأخيراً التزم السلطان أيضاً بحماية التجارة والمحافظة على سلامة الطرق الداخلية، كما سمح للبريطانيين بامتلاك بعض الأراضي في لحج على أن يعامل رعاياه بالمثل في مدينة عدن نفسها وقد نتج عن عقد هذه المعاهدة ان شمل الهدوء والسلام منطقة عدن حتى بلغ الأمر بحكومة بومباي أن اعتقدت وخاصة في شهر يوليو سنة 1843م ان حامية عدن يمكن تقليل عدد أفرادها دون أن تتعرض المدينة لأية مخاطر من قبل القبائل اليمنية المجاورة، حتى أنه قد حدث في نفس هذا الشهر ان أرسل »هينز« الملازم كروتندن لزيارة لحج بناءً على رغبة السلطان، وكانت هذه أول زيارة لأحد البريطانيين في عدن إلى المنطقة الداخلية.
بل ان السلطان »محسن فضل العبدلي« ارتبط مع البريطانيين باتفاق آخر بعد ذلك بعام واحد في اليوم العشرين من فبراير سنة 1844م تعهد فيه بالمحافظة على الاتفاق السابق، كما أكد مسئوليته عن أية حوادث تخريب أو اعتداء تحدث من قبل العرب على الطرق التي تربط عدن بالمناطق الداخلية، ووضع كافة إمكاناته في خدمة »العلم البريطاني« وفي مقابل ذلك فقد نص الاتفاق على إعادة صرف راتب السلطان الذي كان قد توقف منذ أن قام العبادلة بأول هجوم لهم على البريطانيين في عدن وسببوا مضايقات مستمرة للسلطة البريطانية هناك. وقد ترتب على عقد هذه الاتفاقات بين البريطانيين من جهة، وبين بعض شيوخ القبائل اليمنية المجاورة لعدن وعلى رأسهم سلطان لحج من جهة أخرى أن عم المنطقة بوجه عام هدوء نسبي استمر حتى سنة 1845م، كما كانت العلاقات القائمة بين القبائل اليمنية نفسها وبين بعضها البعض تتسم بالهدوء النسبي أيضاً، الأمر الذي ساعد البريطانيين إلى حدٍ كبير على تدعيم سيطرتهم على عدن حينذاك، وعلى تنظيم علاقاتهم مع القبائل اليمنية التي بدأت تتردد على عدن وتشارك في تنشيط الحركة التجارية فيها. وهكذا اخفقت المحاولات الثلاث التي قام بها السلطان محسن فضل العبدلي سلطان لحج وشاركه فيها سلطان قبائل الفضلي لاسترجاع عدن من قبضة البريطانيين، واستمرت هذه المحاولات على مدى عامين عقب احتلال البريطانيين لعدن في شهر يناير سنة 1839م، فكانت المحاولة الأولى في شهر نوفمبر سنة 1840م بينما اعقبتها الثانية في شهر مايو سنة 1841م وكانت آخرها المحاولة الثالثة في شهر يوليو من نفس السنة. وقد ترتب على هذا الفشل الذي مُني به العرب أن توطدت أقدام البريطانيين في عدن التي حرصوا على تحصينها باستمرار لمواجهة أي هجوم، كما نتج عن هذا الفشل أيضاً فتور الروح المعنوية لدى أهالي البلاد بعد أن لمسوا عن كثب تفوق البريطانيين الحربي وضخامة إمكاناتهم وحداثة أسلحتهم، وقد أدى ذلك إلى إحداث ذلك التغير الكبير في طبيعة العلاقات التي ستنشأ بين السلاطين العرب في المنطقة وبين المقيم السياسي البريطاني في عدن، وقد اتسمت هذه العلاقات في بداية الأمر بطابع الصداقة والولاء وانتهت أخيراً‮ ‬إلى‮ ‬التبعية‮ ‬الكاملة‮ ‬والخضوع‮ ‬التام‮ ‬لحماية‮ ‬البريطانيين‮ ‬نظير‮ ‬رواتب‮ ‬سنوية‮ ‬ومميزات‮ ‬شكلية‮ ‬تعبر‮ ‬عن‮ ‬احترام‮ ‬كاذب‮ ‬وتقدير‮ ‬زائف‮.‬
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "قضايا"

عناوين أخرى

جميع حقوق النشر محفوظة 2006-2024 لـ(الميثاق نت)