انطباعات كتبها: محمد انعم -
أقلعت الطائرة مساء 16 يوليو الماضي من مطار صنعاء الدولي متجهة الى الرياض.. وهذه هي زيارتي الأولى -ضمن وفد يضم 14 صحفياً- للمملكة التي مازال تاريخها يحمل الجديد، وأرضها المقدسة تزرع البهجة للبشرية منذ أن سكنها خليل الرحمن عليه السلام .. وازدادت تشريفاً وتعظيماً بسيرة أفضل خير خلق الله وخاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلَّم الذي جاء بدين الحق وأقام دولة الإسلام وأحدث أعظم تغيير في حياة البشرية ومازال نوره يزداد ألقاً حتى اليوم..
أعترف أن كتابة انطباعات عن المملكة العربية السعودية فيها مجازفة، فلا يمكن للكلمات مهما انتقيناها بعناية أن تصف جزءاً بسيطاً من روعة اللحظات الروحانية في رحاب روضة الرسول صلى الله عليه وآله وسلَّم، أو بقُرب الكعبة المشرفة..
إن تاريخ الأمة يقف أمامك حاضراً بكل هيبته وعبره ودروسه على ثرى تلك الأرض المباركة.. تقف الأحزان والأفراح.. الهزائم والانتصارات.. الخذلان والتضحية.. الفقر والغنى.. الظلم والعدل.. الحق والباطل .. و.. و.. الخ.
تميُّز نادر
في السعودية كل الماضي والحاضر والمستقبل تشاهدها وتعيش الأمة أحداثها يومياً منذ آلاف السنين دون انقطاع .. فإذا كانت أعظم الحضارات في العالم ماتت واندثرت .. فإن تاريخ أمة الإسلام مازال حياً ، فها هو السعي بين الصفا والمروة.. لهفة أمنا هاجر بحثاً عن ماء زمزم .. الحج.. الطواف حول الكعبة.. بل أعظم وأقدس تعاليم جاء بها خاتم الأنبياء والمرسلين.. نعيشها حتى يومنا هذا، وستستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. نعم ، إنه تميُّز لا نظير له في تاريخ البشرية.
نهضة تقهر الصحارى
لم تتوقف الحياة.. ولم يتجمد فكر أحفاد : الفاروق .. الصديق.. ابن الوليد.. مصعب.. أبو ذر .. وداهية العرب .. وأبناء الأوس والخزرج وغيرهم من أحفاد صحابة رسول الله رضي الله عنهم.. بل لقد شيَّدوا نهضة تسلب الألباب.. بإرادة الكبار قهروا كل صعوبات وعراقيل البناء والتطور وطوَّعوا رمال الصحارى، وجذبوا البدو لبناء الدولة السعودية.. وصار السلفيون لايعترضون على التطاول في البنيان.
إن الزائر للمملكة سيشاهد أروع الصور التي تؤكد أن بناء المجتمعات والدول المتطورة ، والنهوض بحياة الإنسان هي من غايات الإسلام.. فلم ينغلق النظام على نفسه ولم تُفصَّل فلسفته على مقاس »الدرعية« ، كما يعتقد البعض ..
ففي الرياض وجدة ثمة حراك سياسي متواصل ليل نهار، ومن خلاله تتجلى قوة صورة اللاعب الإسلامي الأول القادم بثقة وهدوء.. ويزداد المرء قناعة بذلك عندما يجد أن المواطن السعودي أصبح مهيَّأً أيضاً لهذا الدور .. فلا نجده يتعامل بعنصرية أو قبلية أو مناطقية أو مذهبية مع الآخرين.. إضافة إلى انه يتعايش برحابة صدر مع هنود وبنغال وباكستانيين وعرب وأوروبيين وغيرهم دون ضيق أو نزق .. مؤمناً بأن الكفاءات والخبرات يجب أن تُستغل وتُحترم طالما وهي تبني المملكة .. على عكس ماهو سائد في بلادنا أو غيرها عندما نجد أغبياء وبلداء تُعطى لهم الأولوية في التوظيف ويُحرم من ذلك المؤهلون للأسف بدعوى انهم من مواليد محافظة أخرى من محافظات الجمهورية.
والشيء الأهم أن المواطنين السعوديين في الوقت ذاته - عدا أشخاص - لايتعاملون مع العمال البسطاء بمهانة، أو يصنفون الرجال إلى درجات بحسب مكان الميلاد .. بل إنهم يجسدون منهاجاً إسلامياً لبناء الدولة يستحيل أن يتسع له فكر القبيلة مهما كبرت عدداً أو مساحة.
إضافة الى أن المملكة تمتلك عوامل اخرى مهمة ومنها توافر الاستقرار السياسي والثروة المعدنية الكبيرة ، بل وفي مقدمة كل ذلك وجود الإرادة السياسية التي تهيئ كل الظروف للقيام بهذا الدور بجدارة .
إن ثلاثة أسابيع يقضيها الصحفي في أرض المملكة فترة كافية ليس لكتابة انطباعات، وإنما لقراءة تفاصيل مثيرة للدهشة تشهدها المملكة تدحض تلك الصورة المشوشة في ذهنية البعض والتي رسمها ضيّقو الأفق لحاجةٍ ما في نفوسهم ..
فهناك مؤسسات إعلامية أصبحت تشكل لوبياً قادراً على توجيه الرأي العام العربي ، وحركة استثمارات ضخمة ، وقلاع علمية واقتصادية عملاقة تشيد ، يرافق ذلك اهتمام واضح في بناء الإنسان السعودي وإعداده في المؤسسات العلمية سواء داخل المملكة أو خارجها لقيادة عملية التطور في البلاد مستقبلاً.. هناك مدن مخططة ومزودة بكل الخدمات متروكة في الصحارى.. كما أن هناك تغيراً واضحاً في وعي الناس وسلوكهم اليومي، ففي شوارع مدن كالرياض أو جدة أو غيرها من المدن نادراً ما تلاحظ رجال شرطة المرور منتشرين على الطرق لتنظيم حركة السير، أو من يرمي أعقاب السجائر في الشوارع .. أما حملات التفتيش عن الأسلحة فلا وجود لها البتة..
المطاوعة والإيرانيون
الفنادق مكتظة بالأجانب.. المحلات التجارية يرتادها أناس شقر وصفر وبيض وغيرهم بأمان، وفي المساجد يقف السنة والشيعة لأداء الصلاة في صف واحد ولا يلتفت للإيرانيين مهما بلغ ضجيجهم وأساليبهم المستفزة.. بل لعل المثير للدهشة هو أن المملكة حرصت على تأهيل (المطاوعة) تأهيلاً حديثاً للتعامل مع الآخرين، ويلاحظ أن بعضهم صاروا يتحدثون بطلاقة باللغة الفارسية وغيرها من اللغات، ولهذا دلائل كثيرة وكبيرة في النفس..
أبواب الشيطان
إن النظام والقانون عندما يطبق على الصغير والكبير، على الفقير والغني، على الأمير وعلى المواطن البسيط بدون تمييز عندها تغلق الأبواب أمام الشيطان وجنده .. فبفضل تطبيق النظام يلاحظ الزائر للمملكة ، ليس غياب الحفر والمطبات في شوارع مدنها ، بل وهنجمة المدججين بالأسلحة ، وتفحيط قطاع الطرق ، والمختطفين وغيرهم .
كما إن النظام والقانون هو السلاح القوي الذي يحمي المواطنين من جشع التجار ويمنع التلاعب بأسعار السلع، ويتصدى بحزم لكل من يحاول تجويع وإذلال الناس من خلال تحكُّمه بلقمة عيشهم، ولا يقتصر حضور الدولة على إشهار أسعار السلع فحسب، وإنما في مراقبة الأمن الغذائي بحيث يكون وفق مواصفات لاتهدد الصحة العامة بأية مخاطر.
معهد الأمير وتحسين صورة اليمن
في معهد الأمير احمد بن سلمان للإعلام التطبيقي بالرياض، اجتمعنا لأول مرة أربعة عشر صحفياً يمنياً من المؤتمرالشعبي العام وأحزاب اللقاء المشترك ومن المستقلين..
هناك شعرنا جميعاً بفداحة الخسائر التي تلحق ببلادنا بسبب المهاترات الإعلامية غير المسئولة، ويزداد الأمر سوءاً في ظل غياب أية رؤية أو سياسة إعلامية تتبناها الحكومة بجدية تهدف من ورائها إلى تحسين صورة اليمن في ذهن المواطن الأجنبي .
إن أهمية المحاضرات التي تلقيناها حول (إدارة المخاطر والأزمات الإعلامية) لا تقدر بثمن .. ونتمنى من دولة الدكتور علي محمد مجور- رئيس مجلس الوزراء- ان يدعو الخبير أحمد عودة، فلديه أفكار علمية متميزة نعتقد أن بلادنا بحاجة ماسة للاستفادة منها وتعميم الفائدة على قيادات الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني ، وذلك في إطار تنفيذ الأولويات العشر .. لان الخسائر التي تتعرض لها بلادنا بسبب التضخيم الإعلامي السلبي للأحداث تتضاعف يوماً بعد يوم.
وقائع
> سعادة السفير محمد علي الاحول سفير بلادنا لدى المملكة حرص على الالتقاء بالوفد الصحفي في بداية الدورة ، وجسد نموذج المسؤول المتميز في حضوره حفل اختتام الدورة التي أقامتها وزار ة الثقافة والإعلام بالمملكة بالتنسيق مع معهد الأمير أحمد بن سلمان .. فكان للاحتفال نكهة خاصة .. خصوصاً وسعادة السفير يحظى باحترام وتقدير الجميع .
> الزميل نبيل الاسيدي رئيس الوفد الصحفي عمل على تذليل كل الصعاب ، وسخر جهده وإمكاناته لخدمة الجميع حتى في مطار صنعاء عندما استجاب للأمن دون تردد، رغم أن هذه الدورات تعقد ويعلن عنها في الصحف من قبل ثلاث سنوات.. كما كان رصيناً في ردوده على الاستفسارات التي كان يطرحها الأشقاء أثناء زياراتنا للمؤسسات الإعلامية السعودية .
> القيادات الإعلامية في المملكة استقبلت الوفد بحرارة وبمشاعر أخوية صادقة ، وجددت حرصها على اليمن وعدم السماح بنشر أية مواد صحفية ضد الوحدة .. كما أكدت أن أعمال التمرد والتخريب التي تتعرض لها بلادنا تأتي في إطار مخطط يستهدف المملكة بدرجة أساسية ..
> الزملاء: عدنان الصنوي .. راجح بادي.. محمود ثابت .. عادل خاتم .. غسان عبدون .. مصطفى نصر .. شكلوا النموذج الجاد في المداخلات والمناقشات التطبيقية أثناء الدورة .. بل والنموذج القدوة ..
> أما الزملاء .. عبدالسلام جابر .. بشير السيد .. عبدالعزيز بن بريك ، فتميزوا بالذكاء وروح الدعابة ، وساعدوا الجميع على هضم المحاضرات ، بطريقة لذيذة جداً.
> الزميل.. احمد سعيد، امتلك -وحده- قوة فريق ناجح لتأسيس صحيفة مستقلة وفق معايير علمية .. كما انه تعلم السباحة في خمسة أيام ..
> الزميل .. أشرف الريفي رغم انه الأصغر سناً، إلا أنه أكد حضوره بهدوء وبثقة لنكتشف أننا أمام صحفي متميز يقتحم بلاط صاحبة الجلالة بجدارة.
> أما الزميل ياسين الزكري فهو موهبة في الإقناع وأديب مفوَّه..
السعودية نهضة تسابق الزمن
