|
|
|
عبده محمد الجندي - اذا كان شهر رمضان الكريم من اقدس الشهور وأكثرها حاجة للعبادة والصبر والصيام من الكذب باعتباره المفتاح الاول لما يتقرب به المسلمون من عبادات ايمانية لخالقهم الأعظم.. فإن الصبر والصوم والصدق من اهم المفاتيح الحوارية والسياسية الواعدة بالنجاح بين طرفي العملية السياسية المؤمنة بالتداول السلمي للسلطة بشرعية انتخابية حرة ونزيهة وبالصرب وبالصوم والصدق تستطيع القوى السياسية الحاكمة والمعارضة أن تراجع ما لديها وماهي بحاجة اليه من الاصلاحات السياسية والانتخابية الموجبة للتعديلات الدستورية والتعديلات القانونية الهادفة إلى تطوير التجربة الديمقراطية اليمنية، المزيلة للشكوك والمرسخة للثقة بين اطراف العملية السياسية المتنافسة على ثقة الهيئة الشعبية الناخبة صاحبة القول الفصل في منح الثقة وحجب الثقة.. ومعنى ذلك أن على طرفي العملية السياسية والحوارية أن يتذكروا في حوارهم الباحث عن الحقيقة انهم مطالبون بمراجعة مواقفهم الانفصالية بوحي من الاستشعار العظيم لمسؤوليتهم الوطنية والايمانية أمام خالقهم وامام وطنهم وشعبهم المسلم.
ولا يتأتى للمراجعة أن تكون بناءة وللتراجع أن يكون مثمراً الا بالاحتكام الصادق للموضوعية الموجبة للصبر والصدق مع الاخر والصوم من لغة المزايدات والمكايدات والمناكفات والمناورات السياسية والدعائية ذات الظاهر المتناقض مع الباطن وذات الاقوال المتضادة مع الافعال. نظراً لما تنطوي عليه من كذب مركب على الله وعلى الشعب في شهر من اكثر الشهور مدعاة لغلبة الصبر على الانفعال والصدق على الكذب والوضوح والشفافية على التكتيك والمناورة الباطنية الموجبة لتقديم النوايا الحسنة على النوايا السيئة وما توجبه من استعداد لتبادل التنازلات لصالح الاخذ بافضل الآراء والحلول الموضوعية النابعة من حرص على تطوير التجربة الديمقراطية وما تستوجبه من العقلانية والمسؤولية في الاحتكام الى الواقعية والابتعاد عن الانتقائية التعجيزية المحلقة في المتاهات المثالية المتناقضة مع الواقعية. لأن اجمل الافكار النظرية المنقولة من هناك الى هنا قد تتحول الى ما يمكن وصفه بالأسوأ الذي لا ينتج عنه سوى اضافة خلافات إلى خلافات وصراعات الى صراعات وحروب الى حروب.. وقد لا تجد في الخصوصية الواقعية ما وجدته في بلد المنشأ من مقومات النجاح بحكم الاختلاف الموجب للتعدد والتنوع وتقديم الممكن على المستحيل والاستفادة من الايجابيات دون حاجة الى الوقوع في خطأ الخلط بينها وبين السلبيات في عالم تحكمه الواقعية العلمية الموجبة للتميز والخصوصية والنسبية لان التعامل الناضج مع السياسة لا يقل أهمية عن التعامل الناضج مع الاقتصاد والاجتماع، ولا يوجد طرف يستطيع أن يزعم أنه صائب وكامل وعالم يمتلك الحقيقة في أقواله وأفعاله اليومية واذا كانت المصداقية تستوجب الموضوعية وما توجبانه من رؤية علمية صائبة للمشاكل والحلول بما لا يؤدي إلى عدم التناسب بين ما نحس به من المعاناة وما نحن بحاجة اليه من الحلول العملية.
لأن الصبر على الآخر يمنع رحمة الخلاف من التحول الإنفعالي إلى لعنة الكراهية والحقد والصيام من الكذب الاسود كالصيام من الطعام والشراب يهذب النفس ويمكن الجسد من الالتحام بالروح ويدفع البشر إلى التعامل مع بعضهم بلغة الاحترام والحب والصدق والحرص على استبدال لغة الكراهية والحقد بلغة التصالح والتسامح واستبدال لعنة الكراهية والغدر برحمة الاختلاف واداته المحركة للتعدد والتنوع والتداول السلمي للسلطة بين اطراف العملية السياسية المتنافسة على ثقة الهيئة الناخبة بأساليب سلمية ومشرفة ترتقي الى مستوى نبل الغايات وما احوجنا في هذا الشهر الكريم شهر التوبة والمغفرة والرحمة أن نتعامل مع الحوار السياسي بلغة صدق مستندة الى ما نحن بحاجة اليه من قيم الفضيلة المتكئة على قاعدتي الصبر والصوم.
ولعل المتابع لما تضمنته كلمتي الافتتاح لأول جلسة من جلسات لجنة ال(002) الحوارية يكتشف غياب لغة الصبر والصوم والصدق في كلمة من هم في المعارضة وحضورها في كلمة من هم في الحكم، ففي الوقت الذي اتسمت فيه كلمة نائب رئيس الجمهورية بالتواضع واللغة الهادفة والموضوعية النابعة من حرصه على الخروج بما نحن بحاجة اليه من اصلاحات وتعديلات سياسية وانتخابية حريصة على التوافق، بدت ملتمسة العذر لما قامت به المعارضة من التجاوزات والشطحات والمكايدات والمزايدات السياسية الفجة التي تسببت في افشال أجمل ما في الاتفاقات والحوارات السابقة وما نتج عن تأجيل الانتخابات من صراعات وحروب ارهابية اقلقت امن الوطن واستقراره ونغصت على الشعب معيشته وامنه واستقراره بصورة مؤسفه، في ذات الوقت اتسمت كلمة النقيب بالطابع الانشائي الدعائي وباللغة النارية ذات النوايا الاستعراضية والاستفزازية الخالية من أبجديات الصبر والصوم والصدق بما تنطق به من كلمات متعجرفة يستدل منها على التهويل والمبالغة والاستكبار والانتصارات الخارقة للمعارضة فيما ألحقته بالحاكم من الهزائم الماحقة والساحقة، لاشك انها اكثرت من الحديث عن الجماهير إلى درجة وصفها البعض بالسب العلني للسلطة، باعدت بين المعارضة وبين التداول السلمي للسلطة سنوات عديدة إلى الامام لصالح من هم في الحكم.
أعود فأقول أن من دواعي الاستشعار للمسؤولية الوطنية والحوارية أنه كما تكون المقدمات تكون النتائج سلباً وايجاباً ولكي تكون البداية جادة ومسؤولة وتكون النتائج مثمرة ومفيدة لابد من الخروج من جدل المقدمات النظرية العقيمة والدخول إلى صلب الموضوعات الحوارية بسرعة مبنية على الحركة الصادقة والطليقة من أغلال المزايدات السياسية والمكايدات الدعائية الطاردة للصبر والصدق والجارحة للصوم.
نظراً لما ينتج عنها من اختناقات حوارية عديمة الفاعلية والفائدة والثمرة لأن الفرق في المناظرات الجدلية والكلامية الضحلة يعيد النهاية إلى البداية ويجعل الحوار عبارة عن سجالات خطابية مكتوبة بلغة الآدب والشعر والسياسة التي ما تكاد تبدأ إلاَّ لتنتهي، وما تكاد تنتهي إلا لتبدأ، تبدأ ولكن بلا بداية جادة، وتنتهي ولكن بلا نهاية مثمرة اضرارها اكثر مرات مما هو معول عليها من المنافع والفوائد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية والثقافية، لان الحديث عن غرق في المشاورات السابقة للحوارات كالحديث اللامسؤول عن الغرق في المقدمات المبررة بالتهدئة وتهيئة الاجواء، الحديث عن زراعة الريح الذي لا ينتج عنه سوى حصاد العواصف.
ومما لاشك فيه أن الوصول إلى ما نحن بحاجة إليه من التشخيص العلمي الدقيق للمشكلات نصف الطريق في سفر الوصول إلى ما نحن بحاجة اليه من الحلول وما نحن بحاجة اليه من التعاون لتنفيذ الحلول بالعمل وحتى لا ينتهي بنا الحوار الى حصاد المزيد من التداعيات والإحباطات المؤدية حتماً إلى اليأس لابد من الصبر والصوم والصدق كناتج لابد منه في رحلة البحث عن الفرج المنشود من الحوار ولابد للأقلية المعارضة من أن تحذو حذو الاغلبية الحاكمة في المراجعة والتراجع من الخطأ الى الصواب والرد على الصبر بالصبر وعلى الصدق بالصدق وعلى الصوم بالصوم.. وعلى التنازل بالتنازل وعلى التواضع بالتواضع وعلى المسؤولية بالمسؤولية وعلى الجدية بالجدية وعلى السرعة بالسرعة حتى لا يتمكن الوقت من الهيمنة على الحوار بما سوف ينتج عن عدم الجدية من مفارقات تؤدي الى التقاطع مع المواعيد والاستحقاقات الدستورية والقانونية عند الاصطدام بأول محطة انتخابية قادمة في وقت يدرك فيه الجميع انه لم يعد بنا حاجة إلى تكرار التمديد والتأجيل مرة ثانية، وفي وقت اكدت فيه التجربة والممارسة العملية أن الحوار بين الحزب الحاكم وحلفائه وبين احزاب المشترك وشركائهم لم يكن بمستوى المزاعم التي طالما زايدت عليها احزاب المعارضة التي عجزت عن تمثيل الجماعات الحوثية وعجزت عن تمثيل الجماعات الانفصالية وما بينهما من الارهابيين القتلة، ومعارضة الخارج بعد أن كشفت في مقاطعتها للحوار تحت سقف الثوابت الوطنية وقدسية المرجعية الدستورية والقانونية انها هي التي استخدمت احزاب المشترك وبما لايدع مجالاً للشك بأن احزاب المشترك استخدمتها أو استقوت بها على الاغلبية الحاكمة.
فهو اذن حوار من اجل الاصلاحات السياسية والانتخابية محكوم ومحدود بالتوافقات المتبادلة على الممكن من التعديلات الدستورية والقانونية لا يمكن أن يدعي أبعد من العملية الانتخابية لا علاقة له بما يحدث في بعض المحافظات والمديريات الجنوبية من اسقاطات انفصالية ولا علاقة له بما يحدث في محافظة صعدة ومديرية حرف سفيان من اسقاطات حوثية ولا علاقة له بما تتعرض له البلاد من عمليات ارهابية تتجاوز المساس بالأمن اليمني إلى المساس بالامن الاقليمي والعربي والعالمي، ومعنى ذلك أن مرحلة لاحقة وهامة من الحوار مع الانفصاليين والحوثيين سوف تظل قائمة وملحة وتندرج في نطاق مسؤولية الدولة والقيادة السياسية حتى ولو وصلت الى نتائج نهائية مع احزاب المشترك نفسها إلى مشكلة خامسة تضاف إلى المشكلة الحوثية والمشكلة الانفصالية والمشكلة الارهابية والمشكلة الاقتصادية.. لان المنطق الذي تتحدث عنه الخطابات الحوارية لإحزاب المشترك التي تتحاور على قاعدة المساواة مع الحزب الحاكم وحلفائه في التمثيل، اكدت أن المشترك لا شركاء له في العملية الحوارية لا في جنوب الوطن ولا في شماله.
قد يكون توحيد الموقف من هذه الاشكاليات والحركات الفوضوية المتمردة والعنيفة مهمة عاجلة من المهام المنظورة امام طرفي العملية الحوارية الا أن احداً من الطرفين لا يمكن أن يحاور نيابة عن هذه الاطراف المقاطعة للعملية الحوارية التي لا تؤمن اصلاً بالأساليب ولا تؤمن بالتداول السلمي للسلطة بشرعية انتخابية وتتمترس خلف مطالب إمامية وانفصالية وجهادية لا تؤمن بالجمهورية ولا تؤمن بالوحدة ولا تؤمن بالديمقراطية القائمة على التعددية الحزبية، التي ما برحت تقف في حالة جاهزية مسلحة للاستفادة من العلاقة التصادمية بين سلطة الحكم وسلطة المعارضة.. لتوظيفها بما يحقق ما لديها من الأهداف والمطالب الدامية والمدمرة للتجربة الديمقراطية الناشئة.
أقول ذلك واقصد به أن شهر رمضان الذي يتزامن مع بدء العملية الحوارية المستندة إلى الدعم الشعبي والدعم الخارجي الدولي يحتاج إلى خطابات مكتوبة بلغة العقل المستعدة للصبر والصوم والصدق كمفاتيح مناسبة ومساعدة على الوصول إلى اتفاقات ثنائية تفتح المجال لتشكيل حكومة وحدة وطنية لا تلغي حق الشعب في اجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها الدستوري والقانوني لأن الديمقراطية من الثوابت الوطنية المكتسبة وغير القابلة للتراجع إلى ما قبلها من الشمولية مثلها في الثبات والديمومة مثل الجمهورية والوحدة والتنمية الاقتصادية الدائمة والمستمرة.. قد تقول الاقلية المعارضة انهما انتصرت على الاغلبية الحاكمة.. وقد تقول الاغلبية الحاكمة انها انتصرت على الاقلية المعارضة.. وتقول بالاحرى أن الحوار لغة ديمقراطية رفيعة متجددة لا مجال فيه لمنتصر ومهزوم ولا غالب فيه ولا مغلوب لأن الديمقراطية هي القاسم المشترك بين طرفي العملية الحوارية وان المساواة في عدد المتحاورين يقصد بها التكافؤ ولا يقصد بها المساواة في تقاسم السلطة طالما كانت القسمة بيد الهيئة الناخبة وطالما كان الشعب هو المصدر الوحيد للسلطة وللسيادة التي لا تلغي الاغلبية والاقلية سلطة الحكم وسلطة المعارضة لأن الإلغاء عملية غير ديمقراطية وغير معقولة وغير مقبولة في عصر يقال عنه عصر الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة بشرعية انتخابية حرة ونزيهة وشفافة لا يستطيع فيها أي من المتحاورين ان يزعم في خطاباته وكتاباته ومواقفه بأنه الناطق الوحيد باسم الجماهير وبأنه المالك الوحيد للحقيقة الغائبة متهماً الآخر بغير ذلك من الاتهامات الزائفة.
اننا لا نخاف على الحوار من تبادل الاتهامات وتبادل التنازلات فذلك من اللزوميات الديمقراطية غير اللازمة وغير الملزمة للآخر.. لكننا نخاف على الحوار من عدم قدرة المتحاورين على الصبر ومن الانفعالات التي تؤدي إلى فلتان العبارات وفلتان الاعصاب الهائجة ونخاف على الحقيقة من طغيان الكذب على الصدق الذي يفتح المجال لعدوان الباطل على الحق والعدل، لذلك قلنا أن الصوم هو الضابط الثاني في المعادلة الذي يتوسط ما قبله من الصبر وما بعده من الصدق لأن الصائم الذي لا يستطيع أن يتحكم بما لديه من الاعصاب والعواطف في الاحتكام الطوعي للصبر ويجد نفسه مستعداً للدفاع عن مواقفه الانفعالية الخاطئة بنوع من المزايدات والمكايدات والمناكفات الزائفة والكاذبة التي تفقده المصداقية وماهو بحاجة اليه من الثقة على نحو يفقده ماهو بحاجة اليه من الفوائد الايمانية والفوائد السياسية لا بل قل أن فقدانه للفوائد الروحية امام خالقه الاعظم لا تقل جسامة وإيلاماً عن ماهو محسوس من الخسائر السياسية والاقتصادية والاجتماعية المادية والمعنوية امام الشعب.
وحتى لا يقع المتحاورون في هذا النوع من الخسارة العاجلة والأجلة أمام خالقهم وشعبهم لابد لهم من التقيد بالفوائد الدينية والدنيوية لما هم بحاجة إليه من الصبر ومن الصوم ومن الصدق لأنهم سوف يتحاورون بشفافية محاطة بحركة اعلامية نشطة للوسائل الاعلامية المرئية والمسموعة والمقروءة التي تجد في الخطابات العقلانية ما يبحث عنه الجمهور من المعلومات الصحيحة الدالة على تطابق الاقوال مع الافعال والتي تجعل الأولوية للممكنات على المستحيلات نظراً لما تؤمن به من برجماتية موجبة للتطابق بين الفكرة وبين الواقع، لان القيمة المفيدة لأجمل الافكار النظرية لا تتحقق إلاَّ بما تعكسه على الارض من تطابق مع الافعال المادية، اما الذين يقولون مالايفعلون ويفعلون عكس ما يقولون فلا يحصدون من تناقضاتهم تلك سوى الخسران المبين مع أول احتكاك حولهم من القاعدة شعبية العريضة صاحبة القول الفصل في منح الثقة وحجب الثقة الموجبة لتقديم المعقول على اللامعقول.
أخلص من ذلك الى القول أن القليل من الصبر والقليل من الصوم والقليل من الصدق في هذا الشهر الكريم يقود أصحابه في دينهم ودنياهم إلى القليل من الثقة والقليل من الأجر والقليل من المغفرة، فإن الكثير من الصبر والكثير من الصوم والكثير من الصدق مفاتيح لابد منها في سباق العبور العاجل والآجل في الدنيا وفي الآخرة الى الكثير من الثقة والكثير من الاجر والكثير من الثواب.
|
|
|
|
|
|
|
|
|
تعليق |
إرسل الخبر |
إطبع الخبر |
معجب بهذا الخبر |
انشر في فيسبوك |
انشر في تويتر |
|
|
|
|