نادرة عبدالقدوس -
أثارني ما كتبه الزميل عبدالرحمن أنيس عما نشره أحد المنتمين إلى منهج ديني سلفي في بلادنا، إذا ما يتم تجاهله فإنه ينبئ بحدوث كارثة فقهية ، دينية، عقائدية ، ثقافية، اجتماعية، وسياسية في اليمن، نحن في غنى عنها. وما أتى به هذا الرجل في كتابه من أفكار، رغم خطورتها، فهو ليس بالعمل الجديد، بل هي أفكار قديمة متطورة بتطور الزمان وباختلاف الأمكنة، إذ يوجد أمثاله كثر في غير بلد عربي وإسلامي.
ما تناوله الزميل عبد الرحمن أنيس في مقاله في صحيفة (14 أكتوبر)، العدد 14873 الصادر يوم الأربعاء بتاريخ 7 يوليو الماضي، باقتطافه فقرات من كتاب أحد دعاة الجماعات التي تدعي السلفية في اليمن والتي تعيدنا قروناً إلى الوراء ، كان تناولها عديد من علماء الدين الإسلامي التنويريين والكتاب والمفكرين والمثقفين في الوطن العربي الذين يجتهدون دوماً في استسبار أعماق ديننا الحنيف ويحملون لنا مشاعل التنوير الفقهي .
هذا الاجتهاد لا يتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية التي استفادت كثيراً من الاختلافات الناتجة عنه، وذلك رحمة بالأمة الإسلامية؛ فالدين الإسلامي دين يسر لا عسر .
إلا أن هناك ثلة من الناس تحاول جاهدة فرض آرائها وأفكارها حتى وإن كانت هذه الأفكار والآراء تدعو إلى تعكير حياة الأمة بتكفيرها وتفجيرها، إذ وصل الأمر بهؤلاء القوم ، الذين يدعون فهمهم العميق للعلوم الفقهية من دون الناس ، أن يكفّروا كل من يختلف معهم في الرأي . وهم يدركون تماماً أنهم يعيشون في عصر آخر غير عصر الأولين من الأمم التي خلت والتي لها ما كسبت ، وأن عصرنا تتسارع فيه التطورات العلمية والتقنية المختلفة التي تحتاج إلى عقول تفكر وتحلل وتقيم وتستفيد وتفيد المجتمعات البشرية وتعمل على تطويرها وتنميتها ، وهذه هي سنة الحياة التي أمرنا الله بها ، ويدفعنا ديننا الحنيف إلى خوض غمارها إلى أن نقابل الله يوم التغابن والحساب؛ فيسألنا عما جنيناه وحصدناه في حياتنا وما قدمناه لدنيانا وآخرتنا .
فماذا عسى هؤلاء يقولون للمولى؟ هل سيقولون له نحن من ساعد على سفك دماء أخوتنا المسلمين بتكفيرنا لهم وهم الذين يسبحون لك ويسجدون لك ويشهدون بأن لا إله إلا أنت وأن محمداً نبيك ورسولك ؟
في العصر الحديث تعددت المشارب وفُتحت أبواب الاسترزاق باسم الدين على مصاريعها، خاصة بعد ثورة المعلومات والاتصال واتساع الفضاء للأقمار الصناعية وانطلاق العديد من القنوات الفضائية ، فعمد البعض إلى بث قنوات دينية بحتة لبث أفكار هدامة تنمي في أرواح الناس ـ خاصة الشباب منهم ـ روح العداء والكراهية للآخرين ، وزرع الفتن ، وتسخيرهم في أمور منافية للتعاليم والقيم الإسلامية السمحة ، واستغلال طاقاتهم الوثابة لتحقيق مآربهم السياسية والفكرية الهدامة.
إلا أن الأمل معقود على كثير من المطبوعات والفضائيات الوسطية التي تحمل على عاتقها مسؤولية التنوير وتوضيح الصورة الحقيقية لديننا الإسلامي .
لذلك لا خوف من وجود أمثال هؤلاء ، طالما هناك رسل سلام يؤمنون برسالتهم الإنسانية والإيمانية الصادقة ، وبأن الحق هو المنتصر دوماً .