د. علي مطهر العثربي -
لم يكن مبدأ الولاء الوطني مجرد شعار يردده الوطنيون المخلصون، ولكنه كان فكراً يتحرك على أرض الواقع، وعُرف الملتزمون به بعظيم السيرة وصدق السريرة ونقاء الضمير، وكان وفاؤهم لقدسية التراب اليمني أعظم شأناً في نفوسهم لا يقارنه في علو الشأن إلا إيمانهم بالله العظيم واستعدادهم المطلق للدفاع عن الدين والوطن، وكانوا في سلوكياتهم النموذج والقدوة في القول والفعل، وهؤلاء هم وحدهم الذين ينبغي أن يخلد التاريخ أسماءهم في أنصع صفحات المجد الوطني.
ولئن كنا قد أشرنا الى المعيارين الأول والثاني من معايير الولاء الوطني فإن الواجب يحتم علينا أن نشير الى المعيار الثالث المتعلق بالحفاظ على الوحدة الوطنية- والحديث عنه يطول- والمقصود بالحفاظ على الوحدة الوطنية هو النأي بها عن التعصب الطائفي أو السلالي أو القبلي أو الحزبي أو غيرها من التعصبات التي تمزق الوحدة الوطنية وتضر بمصلحة الوطن والمواطن، وإذا كان الميثاق الوطني قد شدد على أهمية إبعاد الوحدة الوطنية عن هذه المفاهيم الجاهلية، فإن ذلك دليل قاطع على أهمية الوعي والإدراك للأبعاد والدلالات الإنسانية لمفهوم الوحدة الوطنية.
لقد جاء القرآن الكريم مجسداً لمفهوم الوحدة الوطنية نابذاً للنزعات العرقية أو المذهبية، حيث قال تعالى في محكم التنزيل: »يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم« صدق الله العظيم.. فإذا كان القرآن الكريم قد حدد معيار التفرقة والتمييز بين الناس بالتقوى فماذا يعني ذلك؟ وأين يكمن الخطر المهدد للوحدة الوطنية؟ وكيف يحاول الحاقدون خلخلتها وزرع الفتنة وشق الصف الوطني؟ وهل الدعوات المناطقية والقروية والفئوية والأسرية تندرج تحت هذا الخطر الذي يهدد الوحدة الوطنية ويحدث إخلالاً بالولاء الوطني؟ وأين تكمن مخاطر الزلل في استخدام تلك المصطلحات الجاهلية، وكيف نحمي الأجيال والنشء منها؟
إنها جملة من التساؤلات التي نثيرها في حديثنا عن المعيار الثالث من معايير الولاء الوطني وسنوضح الإجابة على تلك التساؤلات بشيء من التفصيل، باعتبار الوحدة الوطنية الحصن الحصين الذي ينبغي أن نحميه ونصونه من الاختراقات الفكرية، ولأن واقع اليوم يعطي مؤشراً قوياً على استهداف الوحدة الوطنية، وأن الحاقدين على بلادنا- أرضاً وإنساناً- يعملون ليل نهار من أجل إضعاف الوحدة الوطنية وكسر وحدة الجبهة الداخلية ليمهدوا للعدو الخارجي الطريق ويعرضوا السيادة الوطنية للخطر الماحق.
إن الواجب المقدس يحتم على كل وطني غيور أن يقوم بواجب التوعية بأهمية الولاء الوطني ومعاييره لنحصن شبابنا ونعزز من وحدتهم الوطنية ولا نسمح بإثارة النعرات الجاهلية أياً كان شكلها أو نوعها أو اسمها، انطلاقاً من الحديث النبوي الشريف :»ليس منا من دعا إلى عصبية«.. ذلك ما سنتناوله في الأعداد القادمة بإذن الله.