جميل الجعـدبي - بطبيعته الاستهلاكية تتوقع الحكومات العربية حدوث تلاعب في الأسعار لبعض المواد الغذائية الأساسية قبيل شهر رمضان من كل عام ، وتبعاً لذلك تتخذ إجراءات احترازية لتوفير كافة الخدمات والوسائل الكفيلة بتلبية احتياجات المواطنين وكبح جماح اطماع التجار قبل حلول شهر رمضان ، بما في ذلك فرض تسعيرة إجبارية لبعض السلع وتشديد العقوبة على التجار المخالفين والمحتكرين، ففي معظم الدول العربية تكون وزارات التجارة والتموين والصناعة وموظفيها في حالة استنفار قصوى منذ منتصف شهر شعبان لتحقيق أقصى درجات الرقابة الفاعلة وحماية المستهلك من التلاعب والاستغلال.. أما في بلادنا فحينما يستنجد المواطنون بالحكومة وقد تجاوزت الاسعارللمواد الغذائية الاساسية مستوى دخل الموظفين بكثير، نكتشف أن دور الحكومة يقتصر على النصح والارشاد فقط ، وان اختصاص وزارة الصناعة والتجارة تقتصر على دعوة المواطنين إلى عدم التبذير وترشيد الاستهلاك، ودعوة التجار إلى الخوف من الله ..!! وكأنما المشكلة تنحصر في (تبذير المواطنين) وليس في عجزهم عن شراء المواد الغذائية بعد الارتفاع الجنوني في أسعارها .!
في سوريا أعلنت الحكومة هناك عن "إجراءات عاجلة" لمواجهة ارتفاع الأسعار التقليدي خلال شهر رمضان، وفي سوريا قررت الحكومة فرض أسعار جبرية على السلع الأساسية حيث حددت وزارة الاقتصاد والتجارة هناك سعر الدجاج بـ(120) ليرة سورية، ولضمان حماية المستهلك وتكثيف الرقابة قامت مديريات التجارة الداخلية في سوريا وقبل دخول شهر رمضان باتخاذ إجراءات قانونية بحق المخلفين.
وقضاء عسكري للمخالفين في سوريا
ولم تكتف بتغريم المخالفين عشرة آلاف ليرة، فحينما لاحظت أن هناك من التجار من يقوم بتكرار مخالفة (التلاعب بالاسعار) استبدلتها بمخالفة ( مواد ناقصة وزن) كون عقوبة الثانية أكبر من عقوبة التلاعب ، وينتج عنه استدعاء المخالف إلى القضاء العسكري ويخضع للمساءلة القانونية لأيام وأسابيع، وهو ما يساهم بتشكيل رادع أكبر للمخالفين.. وهذا طبعاً في سوريا.. أما في بلادنا فليس من مهام وزارة الصناعة والتجارة حماية المستهلك وضبط إيقاع السوق ، فهذا وزير التجارة والصناعة الدكتور/ يحيى المتوكل يقول في مؤتمر صحافي عقد في 8 أغسطس ( قبل رمضان بـأربعة أيام ) يقول إن دور وزارته هو دور إشرافي إداري، وأن مسألة الرقابة هي مسئولية السلطة المحلية في المديريات والمحافظات إضافة إلى دور منظمات المجتمع المدني، فهنيئاً لنا الانضمام المرتقب لمنظمة التجارة العالمية والشغل الشاغل لوزارة التجارة والصناعة في بلادنا فيما هي توكل مهام ضبط الأسعار وتوفير السلع الغذائية بسوق الحصبة (المجاور للوزارة) لمنظمات المجتمع المدني .!
حكومة مجتمع مدني
وطبعا حكاية (منظمات المجتمع المدني) اصبحت مثل الشماعة التي تعلق عليها الحكومة اخفاقاتها ،فلا تخلو كلمة لوزير ما الا ويدعو منظمات المجتمع المدني للإسهام وتضافر الجهود لإنجاح إستراتيجية وخطط وزارته، حتى مكافحة الفساد اصبح مرهوناً بتعاون وتفاعل منظمات المجتمع المدني .!والحوار بين المؤتمر والمشترك توقف عند التواصل مع منظمات المجتمع المدني .! ومادامت (منظمات المجتمع المدني) اصبحت معنية بـ(ضبط الأسعار ،وتوفير السلع الغذائية الاساسبة، ومنع الاحتكار، ومحاربة الفساد وانجاح الحوار بين الأحزاب....الخ) فلماذا لايتم تشكيل الحكومة القادمة من منظمات المجتمع المدني؟.. ونسميها حكومة (مجتمع مدني) .!
تعهدات مسبقة على التجار في الكويت
في الكويت لا توجد مشكلة لدى المستهلك بشأن المواد الغذائية الأساسية فالمشكلة تقتصر فقط على حركة أسعار الخضار والفواكة، ولذلك نطالع في الصحف الكويتية ان وزير التجارة والصناعة هناك وقيادات وزارته يتنقلون من سوق لآخر، ومن مركز تجاري لآخر خلال العشرة الأيام الأخيرة من شهر شعبان، ويقوم موظفو وزارة التجارة والصناعة - في الكويت -بتحرير تعهدات مسبقة على التجار في أسواق الخضار تضمن عدم رفعهم للأسعار..ويقوم وزير التجارة بعقد لقاءات مع المتسوقين لمعرفة وجهة نظرهم بمستوى الأسعار . بمعني ان المستهلك في الكويت يتدلل على حكومته.. ولذلك تجد مسئولي الصناعة والتجارة في دولة الكويت يحرصون خلال هذه الفترة على التأكد فقط من أن الأسعار ستكون في مستوياتها الطبيعية وفي متناول الجميع، وتقوم الأجهزة الرقابية هناك على مدار الساعة بمراقبة مستويات الأسعار من خلال الرصد الدقيق، ومن ثم تحرير المخالفات لمن يتجاوز ويرفع الأسعار رفعاً غير مبرر..
وليس ذلك فحسب.. بل أن الوزارة قامت بنقل بعض إداراتها لمكاتب خصصت لها في الأسواق أي أن وزارة الصناعة والتجارة - في الكويت حتى لايذهب حسكم بعيد - نقلت إداراتها إلى الأسواق لتقديم خدمة أفضل للمواطنين وبالتالي فإن عمليات الرقابة والضبط للمخالفين ستكون بالمرصاد، وأن المخالفين سيكونون تحت طائلة القانون.. أما في بلادنا حتى لو نقلت الأسواق إلى حوش وزارة الصناعة والتجارة فلا يبدو أن تحقيق الاستقرار السعري ،والأمن الغذائي وتأمين احتياجات المواطنين وتلمس همومهم المعيشية من اختصاصها اصلا ،فهى معنية بصراحة حسب وزير الصناعة على الإشراف والتوعية وحث المستهلكين على ترشيد الإنفاق ودعوة التجار للخوف من الله ..! وعلينا كمستهلكين مجعوثين من الشقين (الحكومة والتجار) ان نبحث لنا عن متبنى او ملجأ مثل الايتام يتولى رعايتنا .. وممكن نذهب مثلا الى مكتب الممثل المقيم للأمم المتحدة في بلادنا .. ومثلنا مثل اللاجئين الصومال ، سيتم توزيعنا في مخيمات ، وتوفير المواد الغذائية مجانا ، وربما يتم توطيننا لاحقا عهدة لدى دول اخرى وفي حضانة حكومات تقوم برفع مرتبات موظفيها بما يساوي الارتفاع الجنوني في الاسعار ، او ابقاء اسعار المواد الغذائية الاساسية عند مستوى مرتبات الموظفين ودخولهم الشهرية .. وليس مثل حكومة ووزارة التجارة في بلادنا التي اختزلت وظيفتها في تقديم النصيحة والوعظ والإرشاد..! مثل خطيب المسجد فقط ..رغم منح (78) من موظفيها في يوليو من العام 2007م صفة الضبط القضائي بموجب المرسوم القضائي رقم (182) الصادر من وزارة العدل والذي يخول موظفي التجارة صلاحيات قضائية ونيابية كاملة لتنفيذ مهامهم الميدانية بسلاسة في مراقبة وضبط الأسعار على المخالفين من التجار .!
مائة الف ريال غرامة ارتفاع الاسعار
ريالاً واحداً في السعودية
في المملكة العربية السعودية الشقيقة، وتحديداً في الدمام المنطقة الشرقية ضبطت وزارة التجارة هناك مخالفة سعرية على سلعة الأرز قدرها ريالاً واحداً، وفرضت غرامة مالية قدرها مائة ألف ريال على من يقوم بالتلاعب بالأسعار أو من يخالف الأنظمة واللوائح المنصوص عليها، وقامت الأجهزة المختصة هناك بمتابعة يومية لأسعار المواد الغذائية الخاصة بمتطلبات شهر رمضان ابتداء من 10 شعبان، وشددت الرقابة على المحلات والأسواق، وكثفت فرق التفتيش، واستقبال بلاغات المواطنين.. وفي بلادناترتفع الاسعارالفين ريال والحكومة تدعو على التجار
أما في بلادنا يرتفع سعر الأرز من ( 8500) إلى (10500 )ريال للكيس الواحد قفزة واحدة، وتختفى فجأة اربع سلع غذائية اساسية (سكر،قمح ،ارز، سمن) من الأسواق ، ويتحكم ثلاثة أو أربعة تجار بمصير الشعب وقوتهم الضروري .. ووزارة التجارة والصناعة ولا تحرك ساكناً.. وحينما تتحرك يقتصر دورها على التهديد والوعيد وسوف....الخ، وحينما يستنجد المواطنون بالحكومة وقد بلغت الأزمة ذروتها، يقوم موظفو وزارة التجارة والصناعة في بلادنا وللأمانة بحملة ضارية للدعاء على التجار الجشعين.. ! وليس لتنفيذ مضامين القانون رقم (5) لسنة 2007 بشأن التجارة الداخلية والذي جاء فيه ان على الحكومة ( معاقبة كل من غش أو تلاعب من التجار بالحبس مدة لا تزيد عنه ستة أشهر، أو غرامة مالية لاتقل عن مائة ألف ريال، ولا تزيد عن مائتي ألف ريال، وكذا حبس من قام بإخفاء سلعة لمدة لا تقل عن سنة ).
فرض اسعار مخفضة على
(156) سلعة في قطر
في قطر.. وقبل دخول شهر رمضان لم تدع الحكومة هناك التجار الى (الخوف من الله). كمافعلت حكومتنا ..! ولم تنتظرهم حتى يغرقوا الاسواق بالسلع الفاسدة والمنتهية الصلاحية ... فوزارة الأعمال والتجارة هناك -في دولة قطر- فرضت قائمة أسعار مخفضة على (156) سلعة من المواد الغذائية التي يتزايد عليها الطلب خلال شهر رمضان، وبدأت بتنفيذ القرار في الأسواق والمحال التجارية منذ الخامس والعشرين من يوليو الماضي، ووفقاً لما أوردته صحيفة (الاتحاد) يؤكد المسئولون في وزارة الأعمال والتجارة القطرية أن القائمة المحددة تعتبر أسعار التكلفة بهدف التخفيف عن كاهل المواطنين خلال شهر رمضان، أي أن التجار لن يحققوا أي أرباح من وراء بيع هذه السلع، والمشتملة على ( الطحين القطري، الدجاج، الزيوت، الألبان ومنتجاتها، العصائر.. الخ ) ..
حرص حكومي على ارباح التجار
وفي بلادنا وحينما يتفقد وزير الصناعة والتجارة الأسواق ويقتنع ان حماية المستهلك وضبط الاستقرار السعري وتوفير السلع من وظيفة وزارته وليس من مهام منظمات المجتمع المدني.. يكتفي وزير الصناعة والتجارة بحث أصحاب محلات الجملة والتجزئة على الاكتفاء بهامش ربح معقول حتى لا تثقل الأسعار كاهل المواطنين وبالذات في هذا الشهر الفضيل.. فدور وزارتنا كما أسلفنا يقتصر على النصح والإرشاد وليس عليها تحديد ارباح التجار واحتساب سعر الكلفة للسلعة واجور النقل ومن ثم فرض سعر مناسب للسلعة وفقا لقدرات المستهلكين الشرائية والتي تحسب من واقع دخولهم ومرتبات الموظفين ، رغم إقرار مجلس الوزراء عام 2006م لمشروع القرار الجمهوري بشأن إنشاء إدارة عامة لاحتساب الكلف ومؤشرات الأسعار بوزارة الصناعة والتجارة وتحديد اختصاصاتها في إعداد الدراسات التحليلية الأولية لمؤشرات الكلف للمنتجات المحلية والأسعار والمقترحات اللازمة لاستقرار أسعار السلع المختلفة، وكذا متابعة الأسواق العالمية والبورصات والأسواق الإقليمية، وإعداد التقارير والمؤشرات الأولية على مستوى العرض والطلب والأسعار وانعكاساتها السلبية والإيجابية على النشاط التجاري والاقتصادي في البلد..<
|