د. علي مطهر العثربي -
أعتقد أن غياب الوعي المعرفي بأهمية الولاء الوطني ومعاييره من الأسباب الأكثر فتكاً بالشباب، لأن غياب الوعي المعرفي بمعايير الولاء الوطني يعطي الفرصة لكل حاقد على الوطن ليفسد عقول الشباب ويحشو عقولهم بأفكار ما أنزل الله بها من سلطان، دون أن يدرك الشباب المغازي والاهداف التي يريد الحاقدون غرسها في أذهان النشء، وربما لا يدركون آثارها السلبية إلا عندما تظهر الفتنة لأن اصحاب الافكار المنحرفة لا يظهرون خطر أفكارهم من اللحظة الاولى، بل أن بعض الشباب لا يدركون تلك الأخطار ولو بعد حين، لأنهم أخذوهم من منذ الصغر وغرسوا في أذهانهم أفكاراً لا يعرفون غيرها، ولذلك ينبغي أن يدرك الشباب أن أي فكر يحاول غرس المناطقية والطائفية والسلالية والقروية في أذهان الشباب إنما يريد المساس بالوحدة الوطنية وزرع الفتنة ويجب الحذر منه.
إن الانطلاق من المفهوم العملي لمبدأ الولاء الوطني والنأي به عن التعصبات الجاهلية يقضي على الممارسات الخاطئة ويحجم أصحاب الأفكار المنحرفة ويحول دون نشرهم للفتنة، هذا لا يتم إلا من خلال التلاحم الوثيق بين القمة والقاعدة ابتداءً من الاسرة وانتهاءً بأعلى مؤسسات الدولة الدستورية لأن العمل الوطني الهادف تعميق الوعي المعرفي كفيل بمنع ومحاربة التبعية بكل أشكالها بل أن الوعي بمبدأ الولاء الوطني ومعاييره كفيل بشل حركة النزعات الشريرة التي يتحين أصحابها الفرص لبث سمومهم للنيل من الوحدة الوطنية.
إن غياب الوعي المعرفي بالمعاني والدلالات الانسانية لمفهوم الولاء الوطني ومعاييره يفتح الباب على مصراعيه لتعدد الولاءات الضيقة التي تنال من الوحدة الوطنية وتعيق التنمية وتحول دون التحديث والتطوير ويخلق مجتمعاً متناقضاً متحارباً لا يقبل بالتعايش السلمي، ويصبح السلم الاجتماعي في خبر كان جراء تعدد الولاءات الانتهازية والنزعات الطائفية والسلالية والمناطقية والقروية، بل إن المجتمع يصبح بيئة حاضنة للإرهاب ويسوده القتل وينعدم فيه الأمن والأمان، ويجد تجار الحروب مبتغاهم فيعيثون في الارض فساداً وإفساداً، وتتحالف فيه قوى الشر لإثارة الفتنة.
ولئن كان المعيار الثالث من معايير الولاء الوطني قد شدد على أهمية وحدة الولاء الوطني ورفض تعدد الولاءات فإن النهج الديمقراطي القائم على الفهم العملي للممارسة الديمقراطية للشورى كفيل بإزالة تعدد الولاءات الضيقة، لأن الممارسة الديمقراطية في الحياة السياسية القائمة على المشاركة الشعبية السياسية كفيل بإذابة الولاءات الضيقة وصهرها في بوتقة الولاء الوطني، تصبح الوحدة الوطنية قوة الشعب والدولة لحماية البلاد وسيادتها واستقلالها وهو ما أكد عليه الميثاق الوطني، فماذا نعني بالوحدة الوطنية؟ ذلك ما سنتناوله بالتفصيل في العدد القادم بإذن الله.