لقاء: فيصل الحزمي -
شيخ الصحافيين صالح الدحان.. أو كما يحلو للإعلاميين تسميته »ديك الجن« مناضل قدير وقلم معتق، لا يخطئه الإبداع، سياسي محنك وصاحب رأي لم تتجاهله القيادات فكان قريباً منها مثلما كان قلمه أقرب الى المواطنين.
ظروفه الصحية غيبته منذ سنوات عن محبيه فالتزم الصمت واكتفى -بحد قوله- بالتفرج.. زارته »الميثاق« ودردشت معه حول المشهد الذي تعيشه البلاد، وخرجت بحصيلــــــه تؤكــد أن الأوفيــــــاء لأوطانهم نادرون..
ونحن نعيش أفراح العيد الثامن والأربعين لقيام ثورة سبتمبر المجيدة التي قدم الثوار دماءهم رخيصة من اجل تحقيق أهدافها.. برأيكم شيخ صالح من يحمي اهداف الثورة من المتاجرين بها والذين يدعون الوصاية عليها؟
هم -قطعاً- الناس المسحوقون في الشمال والجنوب والطبقة العاملة الذين راهن الثوار عليهم لحماية الثورة والذين كانوا يسمونهم اصحاب المصلحة الحقيقية للثورة، لأنه كان هناك مهمشون وكان هناك عبودية وبقايا الاقطاعيين وتهميش لدور الناس.. والذي يتناساه الناس انه في عام 1962م اصدر الرئيس عبدالله السلال قانوناً قضى بمنع العبودية والرق وقد انخرط معظم المستفيدين من الثورة وهذا القانون في الحرس الوطني لحماية ثورة 26 سبتمبر ، ومنهم الآن مسئولون كبار.
كيف يمكن ان تنتصر الثورة على التحديات التي تواجهها خصوصا بقايا الأئمة ودعاة الانفصال؟
تسلل الإماميين
القوى الرجعية لا ترضخ للهزيمة هي تستميت أو تتماوت فقط لكن تبقى محاولاتها الواحدة تلو الأخرى مستمرة لأنهم يعتقدون أنهم أولى بالسلطة.. وبصراحة هم لا يقومون الا عندما تكون أنت متأخراً عن الإصلاحات وعندما يشعر الناس أن هناك حاجات تتحقق من اجلهم سيدافعون من ذات أنفسهم عن الثورة والوحدة ولن يستطيع الحوثي ان يجبرهم ولا غيره.. وعندما تكون الجبهة الداخلية غير قوية يتسلل الإماميون ومثلهم مايسمى بالحراك الذي تطور وأصبح يطالب بالانفصال ولم يعد نضاله سلمياً.. هؤلاء أصحاب مصالح ويلهثون وراء السلطة، وإلا لماذا لم يعلن علي سالم البيض الجنوب منطقة محررة ويزحف نحو الشمال مثلاً، لماذا يعلن الانفصال من جديد.. لو كان صحيحاً همهم اليمن ومصلحة الوطن كان يزحف ويحرر اليمن كلها.. لكنه كان يبحث عن السلطة وهذه هي المشكلة.. كلها صراع على السلطة.. الحوثيون »يموتون على السلطة يشتوا بيس« وقد استطاع أن يجند ويجيش ووصل به الأمر إلى أن يفرض على الناس الخمس.. لماذا..؟ لأنك مش قوي من الداخل والعدو يبقى عدوا ولن يستكين او يسلم بهزيمته.. وإلا أنت ناسٍ أن الثورة قامت ضدهم. ولأن الثورة لم تستمر فحدث استرخاء و(هؤلاء) تتسللوا إلى داخلها.. يعني انه لم يتم شد الناس وتبقى الصفوف مشدودة وراء القيادة السياسية بحيث يلتف الشعب لمواجهة تلك التحديات دون الحاجة لتوجيه أحد. ففي بداية عهد الرئيس علي عبد الله صالح تم اتخاذ قرار التجنيد الإجباري وكان له أثر كبير في تعزيز الاصطفاف الوطني.. لكن للأسف الشديد هذا القرار تم إلغاؤه مؤخرا وأنا اعتبر ذلك الإلغاء كان خطأً كبيراً.
الرئيس
من يتحمل هذه الأخطاء باعتقادكم؟
تبدأ الأخطاء هكذا ومن ثم تتراكم حتى تصبح على (قفا من يشيل).
الآن يتحمل المسؤولية الرئيس علي عبد الله صالح.. لكن عندما يجيئ وهو مثقل بالأعباء ومحاصر من كل مكان بتركة ثقيلة وتخلف وغير ذلك ، إذا أنت (تشتي) ما يسمى بثورة ثقافية بحيث تبقي الناس مشدودين معك.. لا أن يظلوا يدوروا حق القات وحق بن هادي.. يعنى الثورة توقفت وكأنها قد حققت اهدافها كلها.
تقصد أن الثورة بعد 48 سنة لم تحقق اهدافها؟
ايش من اهداف.. يعني القضية مش قضية ستة أهداف نقول هذا تحقق وهذا لم يتحقق.. ولكن القضية ان الناس لم يعد لديهم الوازع الذي يدفعهم للدفاع عن الثورة ومكتسباتها.. فالثوار كمن بنوا بيتاً وساكنوه لم يهتموا به ولم يرمموه.. تقدر تقول إن الله ماسك للبلاد هذه لا تفلت على قدر هذه المشاكل كلها التي تشهدها.
بالشعب
شيخ صالح.. كسياسي محنك وإعلامي بارز عاصر الحياة.. من وجهة نظركم كيف يمكن مواجهة هذه الأزمات؟
الحل مثلما قلت جعل جماهير الشعب مشدودة مع القيادة السياسية ومستيقظة للدفاع عن الثورة.. فالأشياء تبدأ صغيرة ثم تكبر وتكبر إذا لم نتفادها بسرعة.. إما تقمعها قمعا أو تداريها بالإصلاحات والترميمات.. وأنا اعتقد أن القيادة تعرف ما الذي يجب عليها ان تفعله.. وكما تشاهد انت هذا الحوار الوطني كله صراع على السلطة.
ما تعليقكم على دعاة الانفصال؟
مافيش معهم شغل وحصلوا من يدعمهم وكلها بدأت بسبب معاشات..
إذا استمر الحال!!
هل الوحدة في خطر؟
أكيد في خطر ولن يزول هذا الخطر اذا استمر الحال على هذا المنوال ستبقى الوحدة مهددة والكلام الذي قاله الرئيس علي عبد الله صالح عن هذا الموضوع كلام صحيح عندما ذكر انه إذا حدث -لأسمح الله- انفصال فلن يبقى هناك دولة وسوف تتشطر اليمن كلها إلى دويلات وكل واحد با يفعل من قريته دولة ويطالب الاعتراف بها ومش بعيد تصبح العدين دولة.
»حجام ساباط«!!
ما تعليقكم على صراع الأحزاب في الساحة؟
كل حزب بما لديهم فرحون واعتقد أن الأحزاب أصبحت مثل »حجام ساباط«، حيث كان التجار يمرون من تلك القرية والرجل شاف نفسه »فاضي« والناس رايحين وراجعين على قريته فقام وعمل نفسه طبيب ويعالج كل شيء بالحجامة وكان الناس يتعالجون عنده وبعدما توقفت القوافل من المرور بتلك الطريق عبر قرية بساطة تكونت عنده من كثرة ما كان يحجم للناس حالة من الإدمان.. والمشكلة انه ما عد فيش احد يتعالج عنده فرجع يحجم لأمه كل يوم حتى ماتت، من كثرة الحجامة وهذا هو حال الأحزاب في بلادنا والمشكلة كثر الحجامون وألام واحدة وهي اليمن ونزيف الدم مستمر.
يحتاج تبرُّع!!
كيف تقرأ واقع الإعلام في بلادنا؟
نحتاج إلى حملة وطنية على مستوى اليمن كلها نتبرع فيها بمبالغ رمزية لكي نشترى للتلفزيون حقنا ((الفضائية اليمنية)) ساعة من اجل يشوفون الوقت.. لأن النشرة حق الساعة التاسعة تبدأ وقد نشرة الجزيرة بالنصف، يمكن أصحابنا مافيش معهم ساعة مثلما مافيش معهم برنامج يشرح الصدر.. حتى نشرة الأخبار يغثونا فيها.
إعلان الثورة
هل من نصيحة تريد قولها بهذه المناسبة؟
بصراحة ومثل ما قال الشاعر محمد احمد منصور :
(( وأتعس الناس في الدنيا وانكدهم من يمتطي الليث أو من يحكم اليمن)).. وأنا أرى انه مافيش مع الرئيس علي عبد الله صالح إلا انه يعلنها ثورة داخل الثورة.. ثورة تجعل الشعب كله متأهباً للدفاع عن مصالحه والتصدي لأعدائه.. لا أن يظل في حالة استرخاء ، وبدل من أن يدافع عن الثورة وأهدافها يدافع عن معاشه.
خُلق للثورة
هل لكم أن تحدثونا عن دور والدكم النضالي ضد الإمامة؟
ولد المناضل عبدالله عبده الدحان في قرية غابره محافظة تعز سنة 1905م وانتقل بعد أن أصبح شابا للعيش في عدن باعتبارها آنذاك كانت تمثل قلب اليمن والمتنفس الوحيد لليمنيين.. وهناك انخرط في الجمعية اليمنية بالأربعينيات والتي استطاعوا من خلالها أن يخلقوا وعيا وطنيا بالقضية اليمنية، وقد تجلى ذلك بتجييشهم العمال والمثقفين وغيرهم للالتحاق بالحرس الوطني الذين توافدوا إلى صنعاء قادمين من عدن وغيرها للدفاع عن الثورة.
وكان رحمه الله يمتلك دكاناً صغيراً في سوق البهرة في التواهي.. واكبر ضمار داخل الدكان كان راديو يتجمع حوله الأحرار ويستمعون إلى الأخبار، لان الانقلاب على الامام والتخلص من الإمامة كان شغلهم الشاغل.
وعندما حان موعد الثورة انطلق مع المتطوعين إلى تعز وكان ذلك في بداية الثورة اليمنية الكبرى في عام 1948 وهي أول ثورة قامت في اليمن ضد النظام الإمامي الملكي المستبد.. لكن ثورة الأحرار سقطت والقي القبض على معظم الأحرار وكان والدي من ضمن من القي القبض عليهم بتعز.. فأمر الإمام بان يساقوا مشياً على الأقدام مقيدين إلى سجن حجة.. وعند وصولهم الى مدينة ذمار استقبلهم الناس بالشتم واللعن و كانوا يبصقون عليهم ويسبونهم ويعايرونهم (بالمدسترين).. وقد عرف والدي بالنكتة ويذكر انه عندما قابلهم أهل ذمار بذلك الاستقبال التفت والدي إلى النعمان وقال مازحاً : (هي هذي الحكومة يانعمان اللي اديتمونا من اجلها.. وهذا هو الشعب الذي تشتي نحرره.. هاذ ولا يشتوا لهم فقيه).. وكانوا يجرون بعضهم البعض لان كل واحد كان مقيدا بالأغلال إلى قيد صاحبه وإذا أراد واحد منهم أن يتبول كان يجر باقي المعتقلين معه.
المهم كل واحد خلق لما هو مسخر له ، وقد أودع والدي السجن في حجة لمدة ثلاث سنوات مع مجموعة من أحرار ثورة 1948م كان من بينهم السلال والنعمان والارياني وزيد الموشكي الذين كانوا من الرعيل الأول للثورة .
كيف خرج من السجن ؟
توسط لهم الشيخ محمد سالم البيحاني -رحمه الله- وقد جاء يشفع لهم من عدن وانشد بين يدي الامام قصيدة طويلة بدأها بقوله:
من حضرموت الى مشارف ميدى
لا عيد الا مثل هذا العيدي
الى آخر القصيدة وكان البيحاني -رحمه الله- بصير العين يأتي من عدن الى تعز يقابل الامام ويشفع للناس ويخرجهم من السجن وبوساطة البيحاني خرجوا من السجن.. هؤلاء صنف من الرجال لا يتكررون ناضلوا إيماناً منهم بان الثورة اصبحت ضرورة ملحة.. المهم والدي توفي في عام 1983م.
أدى دوره
الكثير من المناضلين من زملاء والدك شغلوا مناصب قيادية كبيرة في الدولة.. هل عرضوا عليه اى منصب باعتباره واحداً من كبار رجال الحركة الوطنية ؟
هم أناس أدوا أدوارهم الوطنية إيمانا منهم بأهمية ذلك ولم يتوقعوا او ينتظروا أي شيء مقابل ذلك.. والأدوار النضالية لها رجالها.. للأسف الوطنية كلمة قد اندثرت اليوم وخرجت من القاموس.
حتى أن التاريخ لم ينصفهم اي انهم غيبوا اعلامياً وبقوا في الظل بعد الثورة مع ان دورهم كان بارزاً.. هل صحيح ان والدكم انشغل بالتجاره؟
لا.. لكن لأن الناس إذا وجدوا الوقت ليتكلموا.. يتكلموا عن أنفسهم ، وكثير من الثوار كان عندهم هدف.. كل واحد أدى دوره وانتهى.
»الوحدة مليحة«
هل التقى والدك بالسلال أو الارياني بعد أن تولوا قيادة البلاد؟
عندما كان يمر موكب السلال من القصر الجمهوري ومعه بعض المصريين.. كان الوالد يصيح ((الوحدة مليحه يا سلال.. الوحدة مليحه يا سلال)) والسلال كان يحيه ويبتسم.
يعني تحررت اليمن من إمام لتقع في قبضة (إمامات) ومصر كانت تتحكم بكل شيء.
وهل شارك والدكم في ثورة14 اكتوبر؟
الثورة اليمنية كانت موحدة برجالها ولكن والدي لم يكن له دور يذكر في ثورة اكتوبر.
سؤال اخير لماذا توقفت عن الكتابة؟ انا وصلت الى مرحلة لا يسعني فيها إلاّ أن أتفرج.
كلمة أخيرة تود قولها للمؤتمر.. وأحزاب المشترك وبقية الأحزاب في الساحة؟
أقول لهم اتقوا الله.. ورفقاً بالوطن.