د. علي مطهر العثربي -
يبدو أن بعض القوى السياسية في ساحة الفعل الوطني لم تدرك المهام الوطنية التي ينبغي القيام بها، من أجل الإسهام في خدمة المجتمع وتقديم النافع، بل إن ذلك البعض لا يرى أن له دوراً ايجابياً على الاطلاق، ولأنه لا يرى أكثر من ذلك فإن الاعتقاد لديه هو الايمان بالفعل السلبي، منطلقاً من الشعار الذي يرفعه البعض »خالف تعرف«.. وهنا تكمن خطورة هذا البعض محدود الإدراك، وغالباً ما تعاني الدول في العالم من سلبية ذلك البعض الذي يسعى للانخراط في العمل التعددي الحزبي دون أن تكون لديه الخلفية الكاملة بأهمية القيام بالأدوار الخدمية لخدمة المجتمع وليس جلب المضار والفتن وتشجيع الظواهر الفاسدة التي تعيق عجلة التنمية وتمنع التحديث وتقاوم الفعل الايجابي.
إن المجتمع اليمني تعددي بطبعه في حياته الطبيعية وجاءت التعددية السياسية لتضيف إلى تنوعه الطبيعي تنوعه السياسي، ويفترض في هذا التنوع الأخير أن يكون بناءً على دراية وادراك من كل مكونات المجتمع المدني، بمعنى أن يكون المجتمع واعياً بذلك التعدد وقادراً على فهم المتغيرات وادراك الثوابت التي ينبغي عدم التنازل عنها، مهما كانت درجة التأثير من القوى الشريرة التي تستغل ذلك التعدد السياسي من أجل تحقيق أهداف سياسية رخيصة تخدم اغراض الحاقدين على الوطن وأمنه واستقراره، بمعنى أن درجة الوعي لدى مكونات المجتمع المدني ينبغي أن تكون في أعلى مستوياتها، وعندما يكون المجتمع محصناً بالوعي المعرفي فإنه دون شك لن ينجر وراء دعاة الفتن الذين يظهرون الخير ويبطنون الشر، ويستخدمون الدين استخدماً خطيراً في سبيل تحقيق رغباتهم الحاقدة والشريرة والعدوانية على سلامة الأمن المجتمعي.
إن الملاحظ على المجتمع المدني اليمني أن مسألة الوعي المعرفي لم تصل الى الدرجة المطلوبة على الاطلاق، وأن الوعي المعرفي بأهمية التعدد السياسي مازال في بداياته الأولى، الأمر الذي يعني أن على الدولة أن تقوم بالدور التوعوي المعرفي الذي يفترض أن تقوم به الأحزاب والتنظيمات السياسية، ولأن الأحزاب والتنظيمات السياسية القائمة ركزت على المصالح الحزبية الخاصة، وخلقت حالة من الضجر داخل المجتمع جراء سياسة الحقد والكراهية التي تروج لها ضد بعضها البعض وطالما أن الأحزاب والتنظيمات السياسية لم تدرك بعد أن التعددية السياسية والحزبية وسيلة وليست غاية، فإن الأمر يحتاج الى اعادة نظر من القيادات الحزبية لمراجعة سياستها الاعلامية وتحديد مفردات خطابها السياسي بما يخدم المجتمع ويلم شعثه الذي فرقته الأحزاب بسياساتها العوجاء وأساليبها غير المنسقة أو المتفقة مع الثوابت الوطنية، الأمر الذي انعكس سلباً على أداء الجماهير، بل إن كثيراً من أفراد المجتمع الذين لديهم نزعة شريرة استفادوا من ذلك التصرف لبعض الأحزاب واعتقدوا أن ممارساتهم شرعية طالما الأحزاب تؤمن بذلك السلوك المناهض للثوابت الوطنية، وبذلك التصرف الخطير الذي جعل من الحزبية غاية اندفع بعض الطائشين باتجاه الإضرار بالسلم الاجتماعي وخلق بؤر توتر على مرأى ومسمع من تلك القوى الحزبية التي تؤيد تلك التصرفات الغوغائية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
إن مسئولية حماية السلم الاجتماعي مسئولية جماعية وهي واجب وطني وفرض عين على الجميع القيام به دون تردد، وبالمقابل فإن الاسهام في تأجيج الوضع واشاعة الكراهية واحياء الفتن واستغلال ضعف وعي الجماهير بهدف الإخلال بالأمن والاستقرار يترتب عليه انزال أقصى درجات العقوبة في حق من يقوم بذلك الفعل الاجرامي، ولذلك ينبغي على الذين يسهمون في الفتنة ويضنون أنهم في منأى عن العقاب أن يدركوا أن يد الدولة يجب أن تطال كل من تسبب في إثارة الفتن أو أسهم في اقلاق الأمن ولا يجوز السكوت عن تلك الممارسات، ولابد من كشف الأقنعة عن الذين يمارسون الكيد للبلاد والعباد وهم داخل دهاليزهم متوهمين أنهم في منأى عما يدور في الساحة، وعليهم إعلان التوبة والتكفير عن أفعالهم الاجرامية التي أثارت الفتنة، وإدراك أن الوطن أمانة في أعناق الجميع.