اسكندر الأصبحي -
تتعامل بعض صحف المعارضة مع التقارير الانطباعية »الدولية« بخفة وكأنها وقعت على خبطة صحفية على نحو ما تناولته عن التقرير السنوي الصادر عن »صندوق دعم السلام« ومجلة »فورن بوليسي- FP« الأمريكية، والذي نشرته في عددها الأخير..
يركز التقرير على ما أسماه بالدول الفاشلة ومظاهر فشلها من خلال مؤشرات اعتمد في رصدها على ما نشرته وسائل الإعلام المحلية والدولية حول كل دولة (146 دولة) كما يقول التقرير..
احتفاء بعض الصحف »المعارضة« بالتقرير لأنه صنَّف اليمن ضمن »الدول غير المستقرة والتي تحمل مخاطر الانهيار ووضعها ضمن الدول الفاشلة«.. لذلك اقتضى الأمر لدى هذه الصحف الذي تصفه بالتقرير الدولي أن تروج له وتقدمه وكأنه يقدم حقائق وحججاً قوية لا يأتيها الباطل من خلفها أو بين يديها، فيما يعترف التقرير أنه بُني على ما نشرته »وسائل الإعلام«.. وهو ما لا يعتد به علمياً..
والذي يقرأ بموضوعية ما أورده التقرير عن الأوضاع في اليمن لابد أن يصل إلى أن ما جاء فيه يتحدث عن دولة أخرى وليست اليمن.. فالحقائق على الأرض تخاصم ادعاءات التقرير وتبطلها، فاليمن تعيش استقراراً سياسياً وأمنياً مشهوداً، وديمقراطية واحتراماً لحقوق الإنسان وتنمية حثيثة..
لا بأس إذاً.. أن تحتفي بعض صحفنا المعارضة بالتقرير وتروج له.. فشيء من بضاعتها قد رُد إليها.. ألم يعترف التقرير ذاته اعتماده على ما جاء في وسائل الإعلام منذ نوفمبر 2005م حتى إعداده؟!
.. والواقع أن ما تنشره هذه الصحف في مجتمعنا يتجاوز »حرية« ما أورده التقرير.
وما يتعين أن نلتفت إليه هو أن مجلة »FP« التي اسهمت في إعداد التقرير ونشرته تعد من المجلات الدولية الواسعة الانتشار والمؤثرة، وهي متخصصة في الشئون الخارجية (لها طبعة تصدر باللغة العربية).. لذلك فإن صورة اليمن في الخارج يسهم مثل ما أورده هذا التقرير في التأثير فيها على نحو سلبي.. وهذا ما يستوجب تصحيحه.. خاصة أن هذه المجلة تفتح صفحاتها للردود والتصحيح حول ما تنشر من موضوعات.. وكثيراً ما قرأنا مثل ذلك لكُتَّاب وسفراء يناقشون أو يصححون ما جاء فيها من تناولات تخص بلدانهم..
وأظن أنه من المهم أن ترد سفارتنا في واشنطن على المجلة حول ما تضمنه تقريرها المنشور عن اليمن.
> > >
وما دمنا قد بدأنا الحديث حول تقرير انطباعي فلا بأس أن يستوقفنا تقرير آخر لم يحظ بمثل ما حظي به التقرير الذي نشرته مجلة »الشؤون الدولية« لدى صحفنا المعارضة ربما لأنه لم يقدم اليمن من الدول الفاشلة.. والتقرير الذي نحن بصدده صادر عن بعثة الاتحاد الأوروبي التي شاركت في الرقابة على الانتخابات الرئاسية والمحلية اليمنية التي أجريت في سبتمبر الماضي..
وجاء في التقرير الذي أعلن الأسبوع الماضي »أنه وللمرة الأولى في التاريخ السياسي اليمني والإقليمي يواجه رئىس حالياً تحدياً حقيقياً في صناديق الاقتراع«.. وذهب التقرير إلى »أن الديمقراطية اليمنية تمثل نموذجاً مستقبلياً مهماً لتطور الديمقراطية في المنطقة لأن اليمن هي الدولة الوحيدة في الجزيرة العربية التي يكفل دستورها الديمقراطية التمثيلية«.. وما يهم في الأمر- كما جاء في تقرير البعثة الأوروبية- أن الانتخابات اليمنية قد نجحت في إتاحة الفرصة لمعركة سياسية مفتوحة وتنافسية شاركت فيها جميع الأحزاب السياسية الكبرى بشكل كامل، وأُعطي الناخبون الحق في الاختيار من المرشحين، وهذا يدل على إنجاز كبير في التطور الديمقراطي اليمني، ويشكل سابقة مهمة للانتخابات المستقبلية (...) وان انتخابات سبتمبر مثلت أيضاً دليلاً على المستوى الذي وصلت إليه السلطات اليمنية في الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بالإصلاحات الديمقراطية وتحسين العملية الانتخابية.. وتحدث التقرير عن أن الحملات الانتخابية وفرت فرصة حقيقية للتنافس وان الناخبين حصلوا على حرية الاختيار.. وتناول التغطية الإعلامية للانتخابات حيث أشار إلى أن حيادية الإعلام الحكومي تعد سبقاً لليمن، إذ لم يعهد أن أتيح للمعارضة النقد في وسائل الإعلام الحكومية.. إلخ..
إلى ذلك تضمن تقرير البعثة الأوروبية جملة من التوصيات التي ترمي إلى تطوير العملية الانتخابية تمثل أبرزها في إصلاح النظام الانتخابي من خلال خفض فترتي الرئاسة والبرلمان، وإحداث تعديلات قانونية تسمح بجدولة وإعلان نتائج الانتخابات بسرعة ودقة، إلى جانب تعزيز شفافية وحيادية اللجنة العليا للانتخابات.. ودعم الفرص المتساوية للمرأة في العملية الانتخابية..
انفتاح وشفافية.. وكان من نتيجة الملاحظات والتوصيات التي وردت في تقرير بعثة الاتحاد الأوروبي التي شاركت في الرقابة على ا نتخابات سبتمبر.. أن وقعت الأحزاب اليمنية الاثنين الماضي اتفاقية لتعزيز الديمقراطية ودعم مشاركة المرأة..
> > >
يستلفتنا تقرير آخر.. لكنه هذه المرة محلي، ويدعونا إلى قدر من التأمل فيه ومناقشته بشفافية..
التقرير أنجزته لجنة التجارة والصناعة بمجلس النواب حول »تقصي الحقائق عن أسباب شحة المعروض من السلع الغذائية الأساسية في الأسواق وارتفاع أسعارها«، وناقشه المجلس الاثنين الماضي.. (نعرض التقرير في صفحة أخرى من هذا العدد).. غير أن ما استلفتني فيه عدد من الملاحظات يمكن إيجازها في النقاط التالية:
> بالرغم من حرية الاستيراد والتنافسية، تحتكر استيراد القمح والدقيق نحو سبع شركات.. يرتبط بهذا أن نعيد النظر في تقييم السوق اليمنية.. وهل لديها مقومات السوق فعلاً أم لا.. حتى نتحدث عن حرية السوق..
> وفقاً للتقرير، فإن الدولة باعت ما كان لديها من صوامع للغلال.. ويوصي في الوقت نفسه أن يكون لها صوامع، خاصة أن ماهو قائم لايكفي لمخزون استراتيجي.. كما كشف التقرير بعد تخلي الدولة عن ضبط الأسعار عن غياب قوانين تضبط مراقبة الأسعار والمخالفين.. كما كشف التقرير عن أن أسعار مادتي القمح والدقيق ارتفعت في السوق المحلية بصورة لاتتناسب مع ما طرأ من ارتفاع في الأسعار العالمية.. ويوصي التقرير بدور الدولة من خلال تفعيل ودعم المؤسسة الاقتصادية اليمنية لاستيراد القمح والدقيق وتوفير هذه المادة بأسعار منافسة، كما يوصي بالتدخل الحكومي لحماية المستهلك لحفظ التوازن في المعروض السلعي عند الضرورة.. وبناء صوامع ومطاحن للقمح لاستخدامها كمخزون استراتيجي.. وتشجيع الشركات لتوريد مادة القمح والدقيق وبيعها مباشرة لتجار الجملة..
> ما أورده التقرير من ملاحظات واستنتاجات وتوصيات.. يقتضي الوقوف عنده باتجاه إعادة النظر في وظيفة الدولة الاقتصادية على نحو موضوعي يراعي المعطيات والخصوصيات المحلية وبصورة متوازنة مع ما تفرضه العولمة الاقتصادية وحرية السوق..
> ما لم يتناوله التقرير- وإن كان مرتبطاً بجوهر هذه القضية- هو أن نزرع وننتج القمح في بلادنا.. فما ينتج منه الآن لايكفي لعشرة أيام.. والمتوقع أن تزيد أسعار القمح العام القادم عالمياً بنسبة 50٪.. ولابد أن ننظر إلى هذه المشكلة باتجاهين متوازيين يتعلق الأول بتنفيذ ما اقترحته اللجنة البرلمانية وما اتخذته الحكومة من إجراءات وتدابير في هذا الجانب.. فيما يتعلق الاتجاه الآخر بإحياء فكرة مشروع أن نزرع القمح.. فمن أهل الاقتصاد الزراعي من يذهب إلى إمكانية تحقيق هذا المشروع وإنتاج القمح بكميات اقتصادية.. فلدينا مساحات واسعة قابلة لزراعة القمح ويمكن ريها مطرياً ومن المياه الجوفية.. هذه المساحات التي يمكن استزراعها تتوافر في حضرموت والجوف ومأرب وأبين..
فهل يمكن التوافر على دراسة جدوى علمية في هذا الاتجاه؟.. في تقديري أن ذلك أمر حيوي خاصة أنه يتعلق بالأمن الغذائي.. وبأولوية الاستثمارات التي توفر فرص عمل أكثر للمواطنين..
> > >
ونختتم هذا اللقاء بالوقوف على فشل الإدارة الأمريكية في سياستها في المنطقة العربية.. فبعد أن سقطت فكرة فرض الديمقراطية بالقوة إذا لزم الأمر برسم المحافظين الجدد.. أخذت أصوات ما يدعى بـ»الاحتياط الاستراتيجي« تعلو هذه الأيام من خلال بعض مراكز البحوث الأمريكية التي لها دور في صناعة السياسة في بلاد العم سام..
فما آل إليه الحال في العراق لم تعد »الديمقراطية« لدى الأمريكان صالحة لكل زمان ومكان.. ويذكر أحد التقارير أسباباً خمسة وراء عدم صلاحية الديمقراطية للشرق الأوسط »الكبير« هي- في الواقع- تلتمس العذر للسياسيين في واشنطن عندما تواجه سياساتهم الفشل.. هذه الأسباب التي تردد الآن على ألسنة »الاحتياط الاستراتيجي« تتلخص في الآتي:
> أن المنطقة العربية تنقسم إلى هويات متناقضة بما يصطدم مع ما تقتضيه الديمقراطية من شروط قيامها على أساس المواطنة والفرد.
> ثقافة المنطقة غير مواتية للديمقراطية..
> الديمقراطية ستهدد أمن إسرائىل..
> الديمقراطية ستتيح للإسلاميين الفوز في الانتخابات، وهذا يتعارض مع مصلحة الولايات المتحدة..
> مشكلات الولايات المتحدة في المنطقة العربية لن تحلها الديمقراطية.. لذلك يتعين على الولايات المتحدة أن تتوقف عن متابعة دعم الديمقراطية..
من المفارقات أن الولايات المتحدة مجتمعها مقسم إثنياً ودينياً وطائفياً.. لكن هذا التقسيم ليس معتمداً في العملية السياسية والتي يقوم »نظامها السياسي والقانوني في صياغة علاقة الأفراد على أساس المواطنة القائمة على المساواة أمام القانون«.. ومع ذلك فإن الولايات المتحدة التي تحتل العراق اختارت لهذا البلد نظاماً سياسياً يقوم على المحاصصة الإثنية والطائفية.. انظروا إلى ما يعيشه العراق اليوم من فوضى »خلاقة«.. قتل على الهوية وتهجير طائفي.. أكثر من 600 ألف عراقي قضوا في ظل الاحتلال وديمقراطية البيت الأبيض..
النموذج الذي قدم في العراق يبدو الإصرار الأمريكي على المنطقة العربية.. فبلقنة هذه المنطقة وتحويلها إلى فئات متناحرة هي ما تنادي بها بيوت التفكير السياسية في الولايات المتحدة والتي تسهم إلى جانب مراكز البحوث في صناعة السياسة الأمريكية... وعلى الرغم من فشل السياسة الأمريكية في العراق لايتبدى في الأفق تخليها عن استراتيجيتها الحالية التي استمرأتها.. وإذا كانت قد نجحت في خلق الصراع والتناحر والفوضى والحرب الأهلية في العراق الذي تحتله.. فإن مقاومة احتلال العراق وتفتيته لابد أن تنتصر لأنها مع تيار التاريخ.. وأمة لاتزال تنجب مقاومة فإنه يستعصي على أعدائها تفتيتها وتدميرها..
لاحياة ولا مستقبل لسياسة التقسيم الإثني والطائفي التي تمارسها الولايات المتحدة في المنطقة العربية بدءاً بالعراق.. ستخسر الولايات المتحدة كثيراً من هذا الإصرار على هذه السياسة الفاشلة أصلاً..