محمد انعم -
النهج الديمقراطي في بلادنا يمر بمرحلة مهمة، ربما هي الأصعب على الاطلاق.. فمحاولة أحزاب المشترك اختصار الديمقراطية بما تسميه »بالتوافق« الحزبي، يجعل مصير هذه التجربة في قبضة حزام ناسف.. كما أن رفض إجراء الانتخابات النيابية في موعدها يجعل الخوف على الديمقراطية في ازدياد، خاصة بعد أن صارت الاحزاب الشمولية تعتبر إجراء الانتخابات النيابية انقلاباً على الديمقراطية .. ولا ترى قيادات المشترك غضاضة في مبايعة مجلس النواب ليظل مدى الحياة دون انتخاب، فلا ضير لديهم في ذلك ابداً طالما أن هذه المتاهات الحوارية ستفضي إلى تصفية الديمقراطية في ساحة إعدام مفتوحة وبمباركة المنظرين إلى الجدد للديمقراطية.
فلا ندري- أمام إصرار احزاب المشترك على عدم إجراء الانتخابات النيابية- عن أية ديمقراطية يمكن الحديث..؟
حقيقة إن الديمقراطية تتعرض اليوم لأعداء عنصريين حاقدين يحملون قناعات فكرية تحرم الديمقراطية على الشعب.. لذا فهم يسعون لتفصيل الديمقراطية بمقاييس عنصرية ومناطقية وبعقليات إقطاعية وانفصالية وإمامية تساندهم قوى منحرفة تتخفى تحت شعارات قومية بعد أن بدأت تخسر بعض امتيازاتها أمام هذا النهر الديمقراطي الجارف الذي نسف أساليبها الاستبدادية.
موقف شجاع
إن شمس الديمقراطية قد أحدثت تغييراً واضحاً في كل مناطق اليمن وبدأت نتائجها الايجابية تفرض حضورها بقوة في وعي المجتمع.
إذاً فثمة خوف من هذه التحولات والتي تعد بمثابة انقلاب على الذين ظلوا يحصدون مكاسب ومنافع مالية وامتيازات دون حق وتحت مسميات عدة لا تختلف عن أولئك الكهنة الذين ظلوا يزعمون أن لهم صكوكاً إلهية لحكم الشعب اليمني.
وبعيداً عن بقية التفاصيل في هذا الموضوع، فإن ما يعنينا هنا قضية الانتخابات النيابية.. وهل اجراؤها أصبح خطراً على الديمقراطية.. أم أن تأجيلها هو إعلان موت سريري للديمقراطية داخل غرفة إنعاش أطباؤها ميليشيات الشموليين وبقايا رهبان عهود التفتيش..؟
أعتقد أن اعتراف المؤتمر الشعبي العام بخطأ قبوله تأجيل الانتخابات النيابية 2009م جاء بمثابة رد واضح وموقف شجاع نقرأ فيه استشعاره لمسئولياته الوطنية والتاريخية في الحفاظ على الديمقراطية وعدم السماح لأيِّ كان مصادرة حق من حقوق الشعب المكفولة دستورياً.
شيطان »التوافق«!
ومن دون شك فإن المؤتمر الشعبي العام وحلفاءه قد استفادوا من تجربة ودروس التأجيل للانتخابات البرلمانية والتمديد لمجلس النواب الحالي عامين.. وأدركوا اليوم أن التمديد للبرلمان كان طُعْماً قدمته أحزاب المشترك للمؤتمر لتنفيذ مخطط يستهدف الأمن والاستقرار في البلاد.. لإدراكها تماماً أن المؤتمر كان سيحصد الأغلبية في مقاعد البرلمان لو جرت الانتخابات في عام 2009م، وسيفوت عليها فرصاً كثيرة لعل أهمها أن شرعية السلطة التشريعية ستكون من الشعب وليس من اتفاق حزبي.. إضافة الى أن أحزاب المعارضة بذلك التمديد هيَّأت أجواء شيطانية للحيلولة دون تحقيق استقرار سياسي.. ولذلك حاولت أن تعيق المؤتمر عن تنفيذ برامجه الانتخابية، كما عملت على تغذية الصراعات وبث جراثيم المناطقية والدعوات المريضة ونشرالعنف والكراهية.
لذا فإن أي تأجيل للانتخابات أو تمديد جديد للبرلمان يعني التسليم بالشرعية الحزبية كبديل شاذ للشرعية الدستورية، ومصادرة إرادة الشعب.. وخطأ كهذا لو حدث قد يضع اليمن في كف عفريت »التوافق« الحزبي وتعطيل الدستور والقانون.. وهذا ما تسعى إليه أحزاب المعارضة.
إن أحزاب المشترك عندما ترفض الانتخابات النيابية فهي تدافع عن حياتها لأنها تدرك أن مشاركة في أية انتخابات ستكون هي آخر محطات حياتها السياسية.. فليس من المعقول أن تقبل بالانتخابات، في حين لم تستطع أن تتفق على إصدار بيان مشترك ترحب فيه بضيوف خليجي (20)..
خيار استراتيجي
لذا.. من المستحيل أن تتفق هذه الأحزاب على قوائم مرشحين مشتركة، أو برنامج انتخابي واحد، علاوةً على أن خوضها الانتخابات النيابية سيكون بمثابة بيان نعي لوفاة ذلك التحالف الذي أصبح أشبه ببقرة حلوب تدر أموالاً باهظة وامتيازات ووجاهة، دون حاجة للنضال الديمقراطي.
لذا فإن ذهاب المشترك الى 27 أبريل 2011م من المستحيلات.. وعلى المؤتمر الشعبي العام وبقية الأحزاب والتنظيمات السياسية في الساحة الوطنية ألا تراهن على ذلك أبداً.. لكن ذلك لا يعني أن حزبي الاصلاح والاشتراكي سيقاطعان الانتخابات فذلك القرار لا يمكن أن يسمح به الاصلاح كما لن يكرر الحزب الاشتراكي نفس الخطأ الذي وقع فيه في انتخابات 1997م.. وسيشاركون في الانتخابات والتنافس تحت مسمى مستقلين، لذا فخيار المقاطعة بالتأكيد خيار استراتيجي مهم بالنسبة لهما للتخلص من الأحزاب الصغيرة والصورية أو ما اصطلح على تسميتها بأحزاب الكهنة المنضوية في قوام ما يسمى اللقاء المشترك.. لأنه من غير المنطقي أن يتساوى الاصلاح أو الاشتراكي مع بقية الأحزاب في القوائم الانتخابية أو غيرها.. أو أن يتنازل أحدهما عن دوائر مضمونة لتُمنح لتلك الأحزاب التي لا تملك شعبية ولا حضوراً أو قبولاً لدى الناخبين.
هذه المسببات وغيرها تجعل أحزاباً في المشترك تتعمد إفشال الحوار، خوفاً من الوصول الى الانتخابات البرلمانية كما أنها تحرص على تبني خيار المقاطعة في حال فشلها في تأجيل أو عرقلة الانتخابات.. أي أنه من المحال أن تقبل بالانتخابات حتى لو قبل المؤتمر بكل شروط المشترك.. لأن المشكلة والأزمة الحقيقية تكمن داخل المشترك وليست في تهيئة الأجواء خصوصاً وأن الأجواء قد أصبحت مهيأة جداً ونجح المؤتمر في ذلك بدليل أن بطولة خليجي عشرين جرت في البلاد وتابع تفاصيلها العالم دون حدوث أية منغصات، ولم يعد بإمكان المشترك أن يعزف على ورقة الانفلات الأمني بعد اليوم اطلاقاً.
ما المطلوب إذاً؟
> إن المؤتمر الشعبي العام وحلفاءه ليسوا بحاجة الى أن يخوضوا جولة من المعارك العبثية مع المشترك اطلاقاً.. بل عليهم أن ينقلوا الخلاف للشعب وليس لسواه.. فقوة المؤتمر الشعبي العام مستمدة من الشعب وليس من أشباح الخارج.
على المؤتمر وبقية الأحزاب والتنظيمات السياسية ألا يسمحوا مجدداً بطرح أية قضية وطنية حلها بيد الشعب على أي أجنبي سواءً جاءت عبر ملاحظات أو توصيات أو نصائح ويكفي ما حدث خلال السنوات، والاستفادة من التجربة المصرية.. ويكفي أن تأجيل الانتخابات النيابية بناءً على اتفاق فبراير 2009م.. كشف لنا عن قيام قيادات في أحزاب المشترك بمحاولة أقلمة الحوار واستدعاء أطراف خارجية للتدخل في شأن يمني داخلي بحت.
benanaam@gmail.com