علي عمر الصيعري -
في مؤلفه الشهير « إميل» Emile، قال المفكر الفيلسوف “ جان جاك روسو” مفلسفاً حكمة التاريخ في تعرية السريرة البشرية واظهارها على حقيقتها عندما تتعارض تصرفاتها مع ما يصدر عنها من أقوال، قال هذا الفيلسوف:« على المرء أن يرى الناس في غمرة تصرفاتهم كي يرى حقيقتهم، ففي الحياة لا يسمع إلا ما يصدر عن افواههم من كلام ،هم يظهرون أقوالهم ويخفون أفعالهم، ولكن هذه الأفعال تسفر عن وجهها في مرآة التاريخ فيحكم عليهم من خلال الوقائع. فإذا قارنا ما بين ما يفعلون وما يقولون، رأينا حقيقتهم وظاهرهم معاً.. وكلما أمعنوا في التخفي كانت معرفتنا بهم أفضل.»
سقنا ما تقدم ، إسقاطاً منا على تصرفات بعض قوى المعارضة ومحاولتهم الإمعان في التخفي وراء ما يصرحون به وما يظهرونه من أقوال ليموهوا من خلالها على مواقفهم وأفعالهم في هذا الوطن المبتلى بهم، معتقدين في سرائرهم أن الشعب اليمني سيصدقهم، متناسين أن هذه التصرفات وتلك الأفعال ستسفر عن وجهها في مرآة التاريخ إن عاجلا أم آجلاً.
فإذا ما عدنا بذاكرتنا إلى الوراء لسبع سنوات مضين لندلل على حكمة التاريخ هذه، فإنه يكفينا أنموذجا واحدا وهو تعاملهم مع الحوار الوطني وانتفاء مصداقية ما كانوا يقولونه منذ ذلك الحين وإلى يومنا هذا، لنذكرهم بمواقف سابقة لهم إطار هذا “ الأنموذج”، وهي مواقف يخجل من الإقدام عليها الساسة العظام من قادة أحزاب المعارضة في العالم، وهاكم بعضا منها:
في مايو من العام 2003م، واستجابة لمطلب قادة أحزاب المعارضة لإجراء حوار وطني، دعا فخامة الأخ علي عبد الله صالح - رئيس الجمهورية - حفظه الله - كافة الأحزاب السياسية إلى حوار وطني شامل يهدف إلى تحقيق اصطفاف وطني، وحدد مطلع العام 2004م موعداً لبدء ذلك الحوار، كان أقطاب “ المشترك” أول من تملص منه، إذ خرجوا على الناس، مطلع ذلك العام، بدعوة غريبة مفادها عقد مؤتمر وطني يدعو إلى “ نظام برلماني” تحت مظلة ما سموه – حينها- بمشروع “ الإصلاح الوطني الشامل” مما أثار جدلاً سياسياً واسعاً حول هذه الدعوة ، وتمكنوا عبره من إفشال دعوة الأخ الرئيس للحوار.
في سبتمبر من العام 2005م، وعندما جدد الحزب الحاكم “ المؤتمر الشعبي العام” دعوته للحوار مع الأحزاب، واستهله بالحوار مع الحزب الاشتراكي اليمني، رتبوا لندوة سياسية في محافظة “ إب” ليطلع علينا موقع “ الصحوة –نت” مساء الثلاثاء 25 /10/ 2005 بخبر عنها أورد فيه تصريح علي الصراري، رئيس دائرة النقابات بالاشتراكي – آنذاك- حيث قال :« إن الحوار الذي يجريه المؤتمر مع الاشتراكي مجرد لعبة جديدة لمحاولة تفكيك المشترك” وفي استدراك عاجل للحماقة التي ارتكبها ( الصراري)، صرح مصدر رفيع المستوى في الاشتراكي لـ« المؤتمر نت» مساء نفس اليوم كشف فيه عن محاولة اطراف المشترك وصفها بـ« الديناصورات» السياسية لتوتير أجواء التقارب والتفاهم بين الحزبين –أي المؤتمر والاشتراكي- شريكي الوحدة”. وفي اليوم الثاني 26 /10/ 2005 صرح أمين عام الاشتراكي د. ياسين نعمان لـ«المؤتمر نت» بالقول: « إن الأمانة العامة للاشتراكي تتمسك بمسألة الحوار وتؤكد على أهميته في إطار الآلية المتفق عليها.» ومع ذلك تمكنت تلك “ الديناصورات” من إفشال ذلكم الحوار.
في مطلع العام 2006م، وبعد تشديد الأخ الرئيس على الأحزاب للجلوس على طاولة الحوار لتدارس كيفية إجراء الانتخابات الرئاسية والمحليات ، وبعد جولات ساخنة من الشد والجذب وتصريحات وجعجعة صحف “ المشترك”، وبعد أن أصبح ما يفصلنا عن هذه الانتخابات لا يتجاوز الأشهر الثلاثة، وقع “ المشترك” مع “المؤتمر” على وثيقة “ ضوابط وضمانات الحوار” في 18 /6/ 2006 .
في سبتمبر من العام 2007م، وعندما أطلق الأخ الرئيس مبادرته السياسية لمشروع التعديلات الدستورية والإصلاحات الوطنية، بدأت جولة جديدة من الحوارات بين الحاكم والمعارضة حاول الطرف الثاني ممارسة صنوف من الابتزازات السياسية الجديدة للطرف الأول لم تخل من كيد سياسي ومزايدات ومماحكات طوال شهرين ونيف، إلى أن استفاق “ المشترك” على مشروع تقدمت به الحكومة يوم الأحد 25 /11/ 2007 إلى مجلس النواب بخصوص إجراء بعض التعديلات الدستورية وقانون الانتخابات رقم 13 لعام 2001م، فأحدث ضجة عظيمة في البرلمان كان مصدرها كتلة “ المشترك” نفسه، وصفها النائب الاشتراكي د. محمد صالح القباطي، في تصريح لـ« اخبار اليوم» العدد (1234) 26 /11/ 2007م بالقول:« أخيرا عرفنا أن المسألة – أي مشروع الحكومة- لم تعد مجرد مماحكات حزبية، وإنما أصبحت مسألة جدية، ويختلف الموقف في هذه الحالة.
كان ذلك غيضاً من فيض لنماذج تكشف عن تصرفات ومواقف أقدمت عليها قوى المعارضة السياسية لتفوت على نفسها فرص الحوار الوطني الذي عادت لتتمسك به اليوم وتتباكى عليه لعل وعسى أن يتراجع الحاكم عن خطوة الحسم التي خطاها البرلمان بتصديقه على التعديلات الدستورية إيذاناً بالبدء في اللحاق بما تبقى من وقت لإجراء الانتخابات القادمة في موعدها المحدد. وهكذا انكشف زيف ما قاله “ المشترك” وما تعارض مع تصرفاته وأفعاله. فسبع سنوات فترة زمنية كافية لأن يكتشف الشعب ما كان أقطاب المشترك يقولونه وما كانوا يفعلونه في الخفاء.
[email protected]