غسان شربل -
في بداية الغزو خطف الجيش الأميركي بغداد من نظام صدام حسين. ابتهج عراقيون كثر برؤية تمثال السيد الرئيس يتهاوى. رقص كثيرون في الشوارع. كان جورج بوش غارقاً في الأحلام الوردية. لم يزعجه الافتقار الى تفويض دولي. لم يتوقف عند معارضة بعض الحلفاء الأوروبيين. اعتبر ان النتائج اللاحقة ستدفع المعارضين والمعترضين الى الندم لأنهم لم يصعدوا الى القطار في محطة انطلاقه.
ارتكبت ادارة بوش قدراً كبيراً من الأحلام. انتصار كبير وغير مكلف. إسقاط ديكتاتور أدمى شعبه والمنطقة. قيام عراق ديموقراطي تكفي اشعاعاته لزعزعة الأنظمة غير الديموقراطية أو ارغامها على سلوك طريق الاصلاح. هذا من دون ان ننسى معزوفة أسلحة الدمار الشامل ومحاولة اختراع علاقة ما بين نظام صدام حسين و «القاعدة» لإدراج الغزو في سياق الحرب على الارهاب.
أدت سلسلة من الأخطاء الى ضياع بغداد من أيدي الذين خطفوها عبر الغزو. بدت التركيبة العراقية أكثر تعقيداً. اتضح ان العراق ليس مؤهلاً لاعتناق ديموقراطية غربية الملامح أو المعايير. أبدت الدول المجاورة قدرة على تعقيد حياة المنتصر الذي راح يحاول تطبيق تصوراته كأن العراق صحراء خالية وبلا تاريخ.
لم تزعج ايران القوات الاميركية حين رأتها تطبق على نظام «طالبان». اعتبرت الأمر هدية من السماء. يمكن القول انها رقصت مع الغزو الاميركي لأفغانستان. فعلت الشيء نفسه مع الغزو الاميركي للعراق. رأت في اسقاط نظام صدام على يد الاميركيين فرصة لإطاحة التوازنات القديمة في المنطقة. فرصة للثأر من المهزوم. وفرصة لاستنزاف المنتصر. وفي الحالين تدور العملية بحطام العراق والدم العراقي.
تقوم الاستراتيجية الجديدة للرئيس بوش على اعادة خطف بغداد. استعادتها من المسلحين السنة من جهة ومن الميليشيات الشيعية القريبة من ايران من جهة أخرى. وإذا نظرنا الى الخطوات السياسية التي طالب بها بوش حكومة المالكي في ما يتعلق بالدستور واشراك السنة وتوزيع العائدات النفطية وملف البعث ندرك ان تقليم اظافر ايران في العراق هدف اساسي بين الأهداف التي يسعى بوش اليها من معركة بغداد الجديدة. يؤكد ذلك الاعلان صراحة عن العزم على استهداف شبكات المسلحين والدعم سواء ارتبطت بسورية أو ايران. اعتقال «الديبلوماسيين» الايرانيين في اقليم كردستان يؤكد ايضاً قرار تقليم الأظافر.
واضح ان العراق يتحول الى خط تماس ساخن بين اميركا وايران. تزامن اختبار القوة هذا مع أزمة الملف النووي الايراني يدفع الى الخشية من الشهور المقبلة. لقد تسربت ايران الى صلب النسيج العراقي. تحلم ادارة بوش ان تضع حداً لهذا التسرب ما دام منعه بالكامل مستحيلاً. معركة بغداد تندرج في هذا السياق. بعض النجاح ضروري للرئيس الاميركي ليبرر لاحقاً خفض القوات وبدء الانسحاب من دون رائحة هزيمة مدوية.
في المقابل من حق أي مراقب أن يتساءل عما تريده ايران من العراق. هل تكتفي بالعقاب الذي ألحق بنظام صدام حسين أم أن حساسيات التاريخ القديم والحديث تشجعها على معاقبة العراق نفسه؟ وهل تقبل ايران بعودة العراق موحدا حتى ولو كان الثمن الطبيعي لوحدته تقلص الدور الايراني فيه وتزايد صعوبة الامساك بقراره أو ادارته من الخارج أم انها تفضل عراق المناطق والاقاليم حتى ولو حمل في طياته ملامح فتنة مذهبية ذات جاذبية اقليمية؟ وهل من مصلحة ايران احمدي نجاد تسهيل الانسحاب الاميركي من العراق أم استدراج ادارة بوش الى المزيد من الغرق هناك؟.
سيكون الظل الايراني حاضراً في معركة بغداد الجديدة. سيكون حاضراً في أي حديث عن الانسحاب الاميركي من العراق. والوجهة التي سيتخذها الوضع العراقي في الفترة المقبلة ستشير ايضاً الى ما حققته ايران على طريق.
انتزاع دور الدولة الكبرى في الاقليم. ان ظل احمدي نجاد سيكون حاضراً حين يتلقى بوش التقارير عن سير معركة بغداد الجديدة. والمؤلم هو تنازل العراقيين عبر انقسامهم عن حقهم في خطف بغداد من أيدي الآخرين كل الآخرين.
*صحيفةالحياة