د. عبدالعزيز المقالح -
لا أظن أن خطبة الوداع التي ألقاها الأمين العام السابق للأمم المتحدة السيد كوفي عنان قد لقيت ما تستحقه من قراءة واضاءة وتعليق فقد كانت من القوة بمكان، وربما ذهبت الى مراجعة كثير من أمور هذه المنظمة التي عمل البيت الأبيض على ابتلاعها تدريجياً حتى صارت في بطنه أو جيبه لا فرق، وصار من الضروري البدء في التفكير الجدي بنقل المنظمة من نيويورك الى بلد أوروبي او شرقي لتستعيد هذه المنظمة دورها الدولي والانساني وتستعيد ثقة العالم الذي بات ينظر اليها كمنظمة روتينية لا تقدم في الشأن العالمي ولا تؤخر.
لقد كان واضحاً منذ اختفى الاتحاد السوفييتي وتحولت دولته العظمى الى دويلات ضعيفة ومتناحرة، أن الأمم المتحدة ستصبح لعبة في يد القطب الكبيرة، وأن التوازن النسبي الذي كانت تتصف به قد أصبح مفقوداً وهذا ما حدث ويحدث الآن.. وليس الباحث في هذا الشأن بحاجة الى دليل يؤكد به هذه الحقيقة.. وتكفي نظرة واحدة الى اجتماعات مجلس الأمن ودور المندوب الأمريكي فيه لنبين أن هذه المنظمة الدولية قد صارت واحدة من الإدارات التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية تثبت ما تشاء وتلغي ما تشاء، وعلى الذين يغالطون أنفسهم في أن هناك بقية من أمل في توازن هذه المنظمة أو الخروج بقرارات ترضي الرأي العام العالمي، عليهم أن يدركوا أنهم واهمون بل أكثر من واهمين.
وحسناً فعل كوفي عنان عندما أوضح في خطبة وداعه، أزمة هذه المنظمة، وكان شجاعاً في توجيه النقد اللاذع الى الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الذي أمعن في احتقار المنظمة العربية وألحق بها عاراً لن تبرأ منه عندما توجه الى حرب العراق الخاسرة دون أن يلقي اعتباراً للمنظمة ولمجلس الأمن، وكان سلف السيد كوفي عنان وهو الدكتور بطرس غالي، قد سبقه في خطبة وداع مماثلة الى التحذير من استيلاء الإدارة الأمريكية على المنظمة، كما نشر في مذكراته الكثير عن تدخلات هذه الإدارة في شئون الأمم المتحدة وتأكيد سيطرتها التامة على كل صغيرة وكبيرة، وبذلك افتقدت هذه المنظمة ما كان لها من دور في حماية السلام العالمي ومواجهة الأزمات الطارئة والمستجدة.
وربما كان من حقنا ان نسأل الأمينين العامين الأسبق والسابق لماذا تأخرت شهادتهما الى اللحظات الأخيرة؟ وأين كان ضميرهما طوال فترة إدارتهما للمنظمة التابعة للبيت الأبيض؟ ولكننا سنؤجل التساؤل الى وقت لاحق ونكتفي بالاشارة الى أن الشهادة الأخيرة للسيد كوفي عنان بخاصة قد جاءت في الوقت المناسب ووضعت بعض النقاط المهمة على الحروف سيما ما يتعلق بموقف الإدارة الأمريكية من العراق، ومن حربها المتهورة التي أحدق بها الفشل من كل الجهات ولقيت استنكاراً دولياً ولا تزال لا لأنها تمت خارج الشرعية الدولية فحسب وإنما لكونها حماقة لم تكن متوقعة أغرقت الولايات المتحدة في مستنقع دموي لن تستطيع الخروج منه إلاّ بخسائر فادحة.
وبالمناسبة فقد لفت انتباهي -منذ أيام- صديق ممن عملوا في المنظمة الدولية في حقبتها الأخيرة الى أن هناك خطب وداع لا تقل أهمية، وهي تلك التي ألقاها مديرو المنظمات الفرعية للأمم المتحدة والتي أدانوا فيها التدخل الأمريكي في هذه المنظمة الدولية ومنها مديرو منظمة التربية والثقافة والعلوم »اليونسكو« التي حاولت الإدارة الأمريكية تدميرها لأنها لا تعمل وفقاً لتوجهات البيت الأبيض.