محمد الجرادي - بقليل من التأمل يمكن استدراك أخطائنا الجسيمة في تصوراتنا للحال العربي الراهن ككل _ خاصة حين تذهب أحكامنا باتجاه وصم شعوبنا بالنقائص.. وتعريضها للشماتة، والإصرار على أن لا شيء من حياة وكرامة يسكن شعورها ويخالج تفكيرها وإحساسها.
والواقع أننا نظلم أنفسنا، قبل أن يصل الظلم إلى هذه الشعوب المغلوبة على أمرها منذ أمد بعيد.. ففي حين تتضافر وتتسع حلقات ووسائل تُصدِّر الإحباط وتؤسس لثقافة الهزيمة في الواقع العربي، تحتفظ الشعوب بدم حار وتائر في وعيها ومشاعرها.. وتتحين الفرصة السانحة التي تفاجئ بها تخرصات وتكهنات مواتها!
ولعل في شاهدٍ لا تزال تداعياته حية وهادرة -ما يدل على هذه الحقيقة تماماً.. فإعدام الرئيس العراقي السابق "صدام حسين" بقدر ما شكل جرحاً غائراً في الشعور العربي والإسلامي، وإهانة قاسية للأنظمة والشعوب على حدٍ سواء.. بقدر ما كان بعثاً لحقيقة أن كثيراً من حياة وكرامة لا تزال تدب في أعماق هذه الشعوب، بل رأت في مثول زعيم عربي تحت حبل المشنقة، ما يثير توقها إلى أزمنة للعزة والكرامة وعدم الخضوع، وأن بدت التضحيات على هذا النحو في نهاية المطاف.
نعم.. في وجدانات شعوبنا العربية من الأشواق والأحلام إلى الحياة الكريمة والحرة، ما يكفي لأن نشعل فيها وقود التفاؤل، ومشاعل الهمم من أجل التغيير والتنوير إلى واقع أفضل.. ومستقبل أجمل لا أن نعلن موتها، ونجلس القرفصاء ندباً ونواحاً وإحصاءً للهزائم والانكسارات.
ولا أظنني مجافياً للحقيقة إذا قلت إن قادة الرأي والتنوير، من المفكرين،والعلماء، والمثقفين في عالمنا العربي تحملوا جزءاً وافراً من هذه المسئولية، فهم للأسف الشديد تخلوا عن أدوارهم الحقيقية وراحوا مع الأنظمة في طريق واحد، وإن كانوا يعتقدون أنهم ليسوا كذلك!! هذه الطريق التي لا تؤدي إلى هذه الشعوب، ولا تلتقي أو تتناغم أو تتحاور مع واقع حاجاتها ومطالبها وقضاياها.
وباختصار: المواطن العربي يحلم بالانعتاق من واقعه المتخلف والمرتهن لكن ليس هناك من أنظمة تتجاوب مع حقيقة ما يريد وما يطمح إليه.. كما ليس هناك من قوى تنتمي واقعياً إلى أحلامه، وتكون قادرة على تشكيل وتوجيه تفاعلاته في مختلف الظروف، تستثير مكامن قوته، بدلاً من العزف على مواطن ضعفه وهشاشة واقعه.
|