عبدالفتاح الأزهري - برزت أهمية الصناعات الصغيرة والأصغر والحرفية في اليمن لما تمثله من مردود اقتصادي واجتماعي وموروث تاريخي، وتشكل هذه الصناعات- او هكذا يفترض- قاعدة اساسية في النشاط الاقتصادي وفي توفير فرص عمل لشريحة عريضة من المجتمع اليمني، كما تتميز بدورها التكاملي مع المنشآت الكبيرة باعتبارها مصدراً مهماً لتوفير السلع الوسيطة، بالاضافة الى قدرتها على الاستجابة السريعة لآلية السوق لبساطة التقنيات التي تستخدمها والمهارات الفنية التي تتطلبها والذي يمكنها من سرعة تلبية ذوق ومتطلبات المستهلك ومن سهولة الانتشار في المناطق الريفية.
غير ان هذه الصناعات الصغيرة والأصغر والتي يتركز معظمها في أمانة العاصمة ثم محافظة إب ومحافظة صنعاء، مازالت النظرة تجاهها وتجاه اهميتها قاصرة.. كما تواجهها الكثير من الصعوبات والمعوقات التي تحد من نموها وتطورها وتعميمها بشكل جدي على مستوى مجتمعات الجمهورية.
جهود متواضعة
ورغم ان بلادنا تخوض هذه التجربة منذ سنوات ماضية إلاّ أن الجهود لاتزال ضعيفة ومتواضعة، وبحسب توزيع الصناعات الصغيرة والأصغر والحرف اليدوية في المحافظات فتشير بعض الاحصائيات الى أن عدد المنشآت الصغيرة والأصغر والحرف اليدوية قد بلغ ٨٩٢.٢٣ منشأة بنسبة ٨٩٪ من اجمالي عدد المنشآت الصناعية، ويعمل فيها ٨٨٣.٨٥ عاملاً يمثلون ٨٤٪ من اجمالي عدد العاملين في القطاع الصناعي، ويستحوذ هذا الفرع على ٥٢٪ من قيمة انتاج قطاع الصناعة التحويلية، ٢٣٪ من القيمة المضافة و١٢٪ من اجمالي الاجور.
وادراكاً من الحكومة لأهمية هذه الصناعات وما تحققه من توزيع عادل للمنافع الاقتصادية والاجتماعية ولاسهامها في تحقيق التنمية الريفية والحد من الهجرة من الريف الى المدينة ولدورها في دمج الشباب في سوق العمل وتفعيل دور المرأة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، لذلك تسعى الحكومة لتقديم الدعم والمساعدة الفنية لتطوير هذا القطاع من خلال اعداد برامج لتعزيز قدرة المشاريع الصغيرة في خلق فرص عمل جديدة، وتقدم هذه البرامج النصح والارشاد للصناعات الصغيرة بالاضافة الى اعداد وتنظيم بعض الدورات التدريبية لهذا القطاع.. كما تقدم الحكومة ايضاً تنفيذاً لقانون التعاون رقم ٩٣ لعام ٨٩٩١م، كافة اشكال المساعدة الممكنة لهذه الصناعات والمتمثلة في الامتيازات والتسهيلات الجمركية والضريبية بما يمكنها من مواكبة مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية وادامة نشاطها الانتاجي.
تلبية الاحتياجات
وتبرزا ايضاً مميزات اخرى مهمة للمشاريع الصغيرة، تتجلى في قدرتها على تلبية احتياجات مختلفة للافراد من خلال تقديم منتجات وخدمات مصممة خصيصاً لاحتياجات الافراد المختلفة اي ان المشاريع الصغيرة تتميز بمرونة كبيرة على صعيد الانتاج ويمكن ان تلبي احتياجات متباينة لشرائح مجتمعية مختلفة.. لأن هذه المرونة لا تتوافر لدى المشاريع الكبيرة حيث ان الانتاج يستند الى مفهوم الانتاج الثابت والكبير -على سبيل المثال: تجهيز اثاث منزلي مصنوع بطريقة يدوية او أحذية مصنوعة بنفس الطريقة.. فإن وجود هذه الميزة تخدم المجتمعات التي لا توجد لديها اسواق كبيرة حيث ان الانتاج الكبير فيها متواضع.
كما يلعب العنصر البشري دوراً اساسياً في المشاريع الصغيرة فهذه الاهمية ناجمة عن الدور المركزي الذي يلعبه المبادر التجاري من خلال صفاته الشخصية او مستوى تعليمه المهني والمهاري اضافة الى الوسائل التي تستخدم في الانتاج والادارة.. عكس ما هو موجود في المشاريع الكبيرة التي تعتمد على الوسائل التكنولوجية الحديثة.
كما تعمل المشروعات الصغيرة في كثير من الاحيان رافداً للمشروعات الكبيرة بقطع الغيار او الخدمات المساندة والتي ليس مجدياً للمشروعات الكبيرة ان تنتجها.. وأهمية هذا الجانب في أنه لا يمكن قيام مشروعات كبيرة ناجحة دون خلق ودعم سلسلة كبيرة من المشروعات الصغيرة.. كما تجب ان تكون العلاقة بين قطاعي المشروعات الكبيرة والصغيرة علاقة تكامل وليس علاقات تبادل.
وتتميز المشروعات الصغيرة ايضاً أنها اكثر قدرة من المشروعات الكبيرة -ذات الاستثمار الضخم في رأس المال الثابت- على التكيف مع الظروف والمستجدات التي يمكن لاقتصاد ما ان يتعرض لها.. هذه القدرة الكبيرة على التكيف تنعكس على ارض الواقع في سهولة نقل مكان المصنع، وتخفيض خطوط الانتاج وتحويل العملية الانتاجية، وتغيير السياسة التسويقية.
صعوبات ومعوقات
وتتمثل ابرز الصعوبات في التجربة اليمنية في قلة التمويل المتوافر للمنشآت الصغيرة والأصغر كأحد اهم معوقات نموها، ووفقاً للمسح القاعدي للمنشآت الصغيرة والأصغر الذي نفذه الصندوق قبل سنوات فإن ٢٩٪ من المنشآت الصغيرة والأصغر بحاجة لتوفير خدمات التمويل المناسبة، ومثل كثير من الدول فإن البنوك والمؤسسات المالية الاخرى في اليمن تعزف بشكل عام عن تقديم خدماتها لهذا القطاع، لذلك فهناك حاجة لايجاد ادوات بديلة لتوفير هذه الخدمات، ولقد تطورت صناعة جديدة على مستوى العالم عرفت بالتمويل الأصغر والذي هو عبارة عن تقديم الخدمات المالية المختلفة »قروض وادخار وتأمين.. الخ« للفئات التي لا تتمكن من الحصول على هذه الخدمات من المؤسسات القائمة.. وقد قدم الصندوق الاجتماعي للتنمية دعماً لمشاريع من هذا النوع، وواجه جملة من المعوقات اهمها ضعف القدرات والبنية المؤسسية لدى الجمعيات وعدم وجود ثقافة للاقتراض لدى المجتمعات المحلية، والثقافة الدينية التي تعتبر ما يسميه الصندوق »رسوم الاقراض« نوعاً من الربا المحرم شرعاً، اضافة الى الكوارث التي ضربت بعض المناطق مثل حمى الوادي المتصدع مما ادى لتعثر بعض البرامج، بالاضافة الى عدم توافر الكوادر المؤهلة والقادرة على التدريب خاصة في المناطق الريفية.
كما تبرز ايضاً جملة من الصعوبات والمعوقات امام تنمية المشاريع والمنشآت الصغيرة والأصغر، كما يوضع ذلك الأخ قاسم شمره مدير عام صندوق الرياعة بقوله: بالطبع اي مؤسسة خدمية تقوم بمهام مكافحة الفقر يصبح من الصعوبة الوصول الى الدرجة المثلى في هذه الانشطة فهناك صعوبات تتعلق بالاسر المستفيدة نفسها وصعوبات يكون سببها المجتمع المحلي، وعدم تفهمه للأنشطة والاهداف التي نسعى للوصول اليها، كما ان هناك ايضاً صعوبات مؤسسية تظل قائمة وهي مرتبطة بالمؤسسة التي تقدم الخدمة وفي هذا الجانب تم تجاوز الكثير من الصعوبات سواء بإنشاء الفروع بالمديريات او النفقات التشغيلية التي تستلزم قيام الكوادر بتنفيذ انشطتهم في الميدان حيث تم توفير ما يمكنهم من النزول الميداني.
اما الصعوبات التي تتمثل بالمجتمع المحلي فتشتمل على جوانب التوعية التي تحتاج الى تفعيل في مسألة التوعية بقانون الرعاية ومعايير الاستحقاق وشروطه ومن هي الأسر المستحقة فعلاً.. والصعوبات المتعلقة بالمستفيدين تتمثل في انتشار الامية بين الغالبية منهم الأمر الذي يصعب اقناعهم بالتوجه نحو البرامج التنموية ومحاولة تفعيل انشطتها الانتاجية نتيجة قصور وعي هذه الاسر، وخوفهم على سحب المساعدات النقدية بعد اجراء مثل هذه البرامج، لذلك يقوم الصندوق بتفعيل التوعية عبر خطباء المساجد بالتنسيق مع مكاتب الأوقاف، وعبر المجالس المحلية والنشرات التي يصدرها الصندوق والشخصيات الاجتماعية واعضاء مجلس النواب بأن هذه الاسر هي مستهدفة في برامج تنموية سيتم استهدافها لتنميتها وتنمية افراد اسرها لتعزيز الموارد وتحسين ظروفها المعيشية بعيداً عن سحب المساعدات النقدية التي سيكون لها الاثر الايجابي في المستقبل.
أسر منتجة
ورغــــــم وجود الكثيـــــر مــــن المعوقــــات والمشكلات التــــــي تحد من تنمية قطاع الصناعات الصغيرة والأصغــــر، إلاّ ان الصندوق الاجتماعي للتنمية يقوم بجهود مقدرة غير انها بحاجة الى قوة دفع اخرى من مؤسسات المجتمع المدني واصحاب رؤوس الاموال والمشاريع الكبيرة لرفد هذه التجربة واتساع رقعتها بشكل اكبر.
فقد استفاد الصندوق ووظف توجيهات القيادة السياسية العام الماضي بتخصيص عشرين مليار لدعم المشاريع الصغيرة ومكافحة الفقر.. حيث قام بعمل دراسات على مستوى المديريات والعزل من أجل تقديم دراسات لتنمية الأسر المستفيدة من الصندوق، كما انشئت آلية تنسيق مع البنـــــك الزراعي لتوظيف هذه المبالغ لتنمية الاسر الفقيـــــــرة، بحكم انها من أكثر الاسر احتياجاً في المجتمع وبالتالي سيكون دمجها في مشاريع صغيرة مدرة للدخل ونافع لها في تحسين ظروفها المعيشية.
كما ارتبط نشاط الصندوق بشكل كبير بشراكة فاعلة مع السلطة المحلية الي كان لها دور ايجابي في عملية الحصر الأول للأسر المستهدفة اضافة الى الدور الرقابي والاشراف على انشطة الصندوق بشكل عام.ويعتبر الصندوق مسألة المساعدات الضمانية ليست راتباً يقدم للأسر بل هي مساعدة واغاثة للأسر والأشخاص المعوزين ولا ترتبط بمسألة قلة المبلغ المدفوع فالعبرة هي في تحويل هذه الأسر من أسر فقيرة الى أسر انتاجية مكتفية ذاتياً ومعتمدة على نفسها وتصبح مساهمة في الانتاج المحلي وتخفيف البطالة بين اوساط هذه الشرائح. |