فيصل الصوفي -
< تقول الأخبار الآن إن ثروة الرئيس معمر القذافي وزوجته والأولاد الثمانية تبلغ (130) مليار دولار، وحصة العقيد قائد الثورة منها (80) ملياراً.. ومن قبل قيل إن ثروة مبارك (70) مليار دولار، وفي تقدير آخر إن ثروته مع ثروة أسرته (14) مليار دولار.. وقبله أيضاً قدرت ثروة زين العابدين بن علي بخمسة مليارات دولار وقيل بل خمسة مليارات يورو.. ومن قبل ومن بعد كانت هناك أرقام مثل هذه أو أقل أو أكثر قد ذكرت بشأن ثروات رؤساء وملوك عرب وما دونهم من رؤساء حكومات ووزراء في هذه الجهة الفاسدة من الدنيا.
وعادة ما تظهر هذه الشائعات في أوقات المحن التي يتعرضون لها.. أما في الحالات العادية فنادراً ما تتردد هذه الشائعات.. ونقول «شائعات»، لأن بعض الأرقام لا تصدق بالنظر إلى أن دولاً عربية ليس فيها موارد تتيح للفاسدين «هبر» مثل تلك المبالغ الكبيرة، كما في حالة مصر مثلاً، ما يجعل الكلام عن امتلاك مبارك (70) مليار دولار أمراً مستحيلاً، هذا من جهة ومن جهة ثانية تضارب الأرقام، فقد قيل إن ثروته وثروة أسرته تبلغ (14) مليار دولار في بنوك سويسرا، بينما السلطات المعنية في سويسرا تؤكد أن إجمالي الودائع المصرية في بنوك سويسرا نحو ثلاثة مليارات وستمائة مليون دولار ليس غير.
لكن هذه الشائعات لها أصل، والمبالغة فيها تدلل على أن السائد في الأنظمة العربية هو الفساد، وأنها ليست محل ثقة، وليست بيئة للنزاهة.. والأمر الملفت للانتباه أن مصادر الشائعات تبالغ في الأرقام، فالأرقام الكبيرة هي المهمة بالنسبة لها، وهذه أيضاً مشكلة المجتمع العربي، فهو لايهتم بالأرقام الصغيرة، بينما لو بلغت ثروة مبارك أو القذافي أو زين العابدين نصف مليار لكل واحد، فذلك مدعاة لإسقاط أي واحد منهم دون حاجة إلى ثورة لأن الرئيس أو الموظف العام مهمته أن يخدم بلاده ولايجوز له أن يستغل وظيفته لسرقة المال العام.. يأخذ حقه مقابل واجبه فقط.
المهم في الموضوع السابق هو العبرة.. فالقذافي وأسرته محل اتهام، ومبارك وعائلته وزين العابدين وزوجته.. ووزراء ومسئولون في هذه الدول، خلعوا من السلطة، وبعضعهم في السجون، وجميعهم موضوعون في دائرة المساءلة، والبلاغات توجه إلى مختلف الدول لتجميد أرصدتهم وإجراءات كثيرة من هذا القبيل تحاصرهم و«تسوّد» وجوههم.. ومصائرهم ومصائر عائلاتهم ستكون أسوأ من ذلك.. فهل يعتبر الآخرون..؟
الاستغناء إنما يكون بالتجارة، وهذا من حق التجار والموهوبين وخبراء السوق وأصحاب المال الذين يستثمرونه لكسب مزيد من المال.. أما رئيس دولة أو ما دونه من الموظفين العموميين فمن حقه أن يكون غنياً بما يحصل عليه من أجور بحكم وظيفته، أما أن يتحول إلى مستغنٍ ومالك مليارات فذلك يعني أنه استغل وظيفته العامة لسرقة المال العام.. إن موظفاً كبيراً أو صغيراً يمضي في الخدمة العامة عدة سنوات ثم يمتلك قصراً لايمكن أن يمتلكه إلاّ إذا ادخر مرتبه خلال خمسمائة عام، فهو إذاً «لص».