يحيى علي نوري -
واضح أن ردود الأفعال تجاه مبادرة فخامة الرئيس- والتي أعلنها الخميس الماضي بالعاصمة صنعاء في المؤتمر الوطني العام- متفق على أهميتها سواء أكان ذلك على صعيد الموالين أو المعارضين مع فارق بسيط لموقف المعارضة وبالأخص أحزاب اللقاء المشترك والتي سارعت الى الاكتفاء بالقول إن الزمن تجاوزها، ورغم ذلك لم تقم بتقديم رؤيتها إزاء كل ما حملته من أهداف ومنطلقات ومضامين، وهذا يعني أن موقفاً كهذا يندرج في إطار النهج المعتاد لهذه الأحزاب المعروف عنها رفضها لكافة المبادرات والتنازلات بسبب قصر رؤيتها أو قراءتها العقيمة لمعطيات المشهد السياسي.
وكل ما يعتمل اليوم فيه من تداعيات وإفرازات.. الأمر الذي يجعل من مواقفها لا تتسم إطلاقاً بالمنطقية والموضوعية خاصة مع كل تنازل تقدمه القيادة السياسية بهدف الدفع بالحوار الوطني الشامل خطوات الى الأمام، وخاصة التنازل الأكبر الذي قُدّم مؤخراً.
وحقيقةً إن أحزاب المشترك- ومنذ انطلاقة عملية الحوار ووفقاً لما أفضت اليه الأمور على الساحة الوطنية- أضحت تمارس اليوم الابتزاز السياسي أكثر من أي وقت مضى اعتقاداً منها أن المرحلة الراهنة وبكل ما تشهده من تحولات متسارعة تمثل الوقت المناسب لممارسة مثل هذا الابتزاز والذي يتضح في ارتفاع سقف مطالبها وبشكل كبير في الاهداف التي تحاول بلورتها وما إذا كانت هذه الاهداف وطنية أم تخدم أجندتها السياسية ومصالحها الضيقة؟
وبالعودة الى المبادرة التاريخية لفخامة الرئيس، فإن أحزب المشترك لم تستطع التطرق والتعمق الى كافة الأهداف والمضامين والمنطلقات التي اشتملت عليها، ذلك أنها كما أشرنا لا تمتلك المبررات والمسوغات الكافية والمنطقية والموضوعية التي تمكنها من الإساءة أو التقليل من شأن وعظمة مضامين المبادرة التي جاءت خدمةً للوطن وتعزيزاً لتجربته الديمقراطية.. كما أن اكتفاءها بالقول إن المبادرة قد تجاوزها الزمن قد جاء دون رؤية، ناهيك عن انها لم تقدم البديل الأفضل.
وهذا يعني أن مثل هذا البديل يعد مفقوداً تماماً لدى تلك الاحزاب، الأمر الذي يجعلنا نتساءل بصراحة متناهية عما تحمله هذه الاحزاب من رؤية جديدة أكثر استيعاباً وفهماً وإدراكاً للواقع اليمني ومتطلبات تطويره على صعيد البناء المؤسسي للدولة اليمنية الحديثة، وبصورة تفوق مضامين مبادرة الرئيس.
سؤال لاريب قد لا نجد له إجابة لدى هذه الاحزاب سوى القول إن الزمن قد تجاوزها، وهذا يدفع الى التساؤل من جديد عما إذا كانت الأهداف التي تتطلع اليها أحزاب المشترك هو التغيير والتطوير أم أجندة أخرى؟
فإذا كان الهدف هو التغيير والتطوير فإنه لا يمكن التعبير عن هذا الهدف أكثر مما عبرت عنه مبادرة الرئيس المجسدة بوضوح، ما جعل المبادرة وبلا منازع الاكثر قدرة على التعبير عن مطالب أحزاب المشترك ومطالب الشباب بل ذهب البعض للقول عنها الى ما هو أبعد من ذلك ان الرئيس بمبادرته تلك قد قام فعلياً بإسقاط النظام السياسي الذي يطالب به المعارضون والمناوئون له تحت شعار «الشعب يريد اسقاط النظام» أي ان المبادرة قد قدمت صورة جلية في كل ابعادها ومدلولاتها لنظام سياسي جديد يحتاج لبلورته على الواقع فترة زمنية طويلة حتى تتمكن الفعاليات الشعبية والجماهيرية من المشاركة الفاعلة في رسم خارطة النظام الجديد القائم على المداميك الدستورية القوية الحافظة لليمن والمعززة لتجربته الوطنية.
ولنا هنا كيمنيين معنيين جميعاً بحاضر ومستقبل بلادنا ان نقوم بعملية مقارنة موضوعية بين كافة اهداف ومضامين مبادرة الرئيس وبين الواقع الدستوري والمؤسسي للدول العربية في اطار النظام السياسي العربي الحالي، وهي مقارنة لاريب ستكشف لنا الفارق الكبير بين الاهداف والتطلعات والمضامين التي نرنو اليها لبلوغ المستقبل الافضل للدولة اليمنية الحديثة، وبين الواقع الذي تعيشه بعض الدول العربية في إطار النظام العربي الراهن..
مقارنة لاريب اذا ما قمنا بها فإننا سنكتشف اننا كشعب نقدم المبادرات التي تجعل من تجربتنا اليمنية تكون في مصاف الدول العربية بل والعالم الثالث.. انها طموحات يمنية حققتها التفاعلات السياسية التي تشهدها الساحة منذ قيام الجمهورية اليمنية في الــ22 من مايو 1990م.. تفاعلات كان لها اكبر الاثر في ايجاد مبادرات تاريخية بحجم ومكانة واهمية المبادرة التاريخية الأخيرة التي قدمها فخامة الرئيس.
خلاصةً.. ندعو المعارضة- التي ترفع شعار التغيير- الى اغتنام الفرصة التاريخية التي قدمها فخامة الرئيس والمتمثلة في مبادرته الأخيرة والتفاعل معها بروح عالية من المسئولية الوطنية، ذلك ان التغيير الذي ينشده الشعب لابد ان يتم بالطرق السلمية وبالممارسات الوطنية المسئولة البعيدة عن التشنج والشطح السياسي والتجرد عن روح المغامرات غير المسئولة والتي قد تضر كثيراً بحاضر ومستقبل اليمن وتقدم لاعدائه فرصة للنيل من انجازاته.
ولنا جميعاً ان نعترف بأننا في اليمن وفي ظل الممارسة الديمقراطية نعد الاكثر في العالم العربي تفاعلاً مع متطلبات التحديث والتجديد والاكثر تشبثاً بالخيار الديمقراطي واعتباره الطريق الوحيد او الاتجاه الاجباري الذي لايمكن لشعبنا بلوغ المستقبل الأفضل إلا من خلاله.
وعلينا ان نعترف ايضاً ان ايماننا بالتغيير لايجب ان نصل اليه عن طريق الفوضى والتخريب واقحام الوطن في اتون الصراع والتطاحن، وبأننا شعب قادر على إحداث التغيير من خلال تفاعلاته السياسية التي كفلها الدستور والقانون.
وان علينا ان لانقارن انفسنا بما حدث في تونس ومصر واخيراً في ليبيا.. فمقوماتنا وقدراتنا وامكاناتنا ورصيدنا الديمقراطي يجعلنا أعلى من مقارنات كهذه، كوننا كشعب قام مبكراً بمناقشة قضاياه السياسية الاستراتيجية وبصورة مازالت تمثل طموحاً مبكراً لدى أغلبية الشعوب العربية الأخرى.. وأن المستقبل الافضل لايمكن ان يتأتى لنا ولا لأجيالنا القادمة إلا من خلال إعمال العقل والتعامل الحضاري مع كل التطورات وبروح الديمقراطية المتجردة من المناكفة السياسية والحريصة على تحقيق الاهداف التي تتفق مع عظمة تضحيات شعبنا من أجل تحقيق آماله وتطلعاته المنشودة.