يحيى علي نوري -
الجنرال المخدوع
يحيى علي نوري
شدني كثيراً وصف البعض لما أقدم عليه علي محسن مؤخراً بالانقلاب الناعم وهو وصف قد يكون غريباً على ما نعرفه عن الانقلابات العسكرية.. وهي مناسبات للقتل والهدم ومبعث دائم للفوضى والتخريب.. الخ..
ولعل هذا التعريف واحد من تفسيرات عدة لما قام به علي محسن، فهناك من يصف ما قام به بالانقلاب العسكري وهو ما لايتفق مع الشروط الكاملة للانقلاب العسكري.
أما القول بالانقلاب الناعم فانه قد شدني كثيراً لوجود العديد من المسوغات والحيثيات التي تعبر عن حالة تآمر كبيرة اعدت مبكراً للاطاحة بالشرعية الدستورية.
ولعل من أبرز هذه المصوغات هو ان الرجل كان ولايزال عضواً بارزاً في قيادة حركة «الاخوان المسلمين» وان ما قام به لم يكن بالمفاجئ، فقد عرف عنه انحيازه للاخوان المسلمين والتزامه بدعمهم ورعايته لهم في اطار الجسم العسكري الذي يقوده والذي جعل منه وكراً للاخوان ولكل من يقف معهم من عناصر التشدد والغلو، علاوة على ارتباط اسمه بكل الحروب التي شنت ضد تيارات دينية تتناقض مع الاخوان المسلمين ومنها الحركة الحوثية.
نعتقد ان الجنرال محسن هو المهندس الفعلي لحركة الاخوان المسلمين والمخطط الوحيد والداعم بحكم موقعه العسكري لهذه الحركة وتوجيهها نحو الانقضاض على السلطة، لكن اعتقاداً كهذا سرعان ما يتبخر وقد حدث العكس بدليل أن انقلابه الناعم أظهر أنه عبارة عن مطية للاخوان المسلمين وليس القائد الفعلي والموجه لهم حيث أحسن الأخوان المسلمون وباتقان شديد جره الى ميدانهم من خلال تقديمهم له صورة وردية لما ستؤول إليه الأمور فيما لو قام بالانقلاب، الحلم الذي يسعون له منذ وقت مبكر.
ولاريب ان مايؤكد ذلك بصورة جلية هي تلك التسريبات التي عبرت عنها بوضوح وثائق ويكيليكس عن حميد الاحمر والذي تحدث لشخصيات امريكية في اشارات واضحة عن رغبة جامحة لديه ولدى قيادة الاخوان المسلمين في الاستغلال الامثل للجنرال علي محسن كإحدى القيادات العسكرية لاسقاط النظام وهي حقيقة تكشف بجلاء استخدامهم له كمطية لبلوغ السلطة وتظهر نفس الوثائق حقيقة الإعداد للمؤامرة مبكراً ونظرت معديها وتسخيره لخدمة أهدافهم بل والذهاب الى ما هو أبعد من ذلك في وصفه من قبل حميد الاحمر بالدموي والفاسد والشخص الذي لايمكن أن يعول عليه لقيادة البلاد.
وعلى ضوء المجريات والتطورات الراهنة نجد علي محسن الاحمر قد فشل فشلاً ذريعاً في القيام بتنفيذ ما خطط له الاخوان المسلمون من فعل عسكري.وخير دليل على ذلك أنه لم يستطع ان يكسب انصاراً له داخل منظومة المؤسسة العسكرية بل خسر المئات من الضباط والافراد الذين رفضوا العمل تحت قيادته باتجاه ضرب الشرعية والاضرار بالامن والسلم الاجتماعي وهي خسارة مثلت لوحدها ضربة قاضية عكست هشاشة بنيانه العسكري بل ودرجة قدرته على الصمود في مواجهة حالة السخط الشعبي الكبير لما قام به سواء كان ذلك من قبل الجماهير المليونية الرافضة قطعياً لما قام به أو بذلك الموقف الثابت والصارم للمؤسسة العسكرية والرافض للتمرد عن الشرعية الدستورية والحنث بالقسم العسكري.
اذاً هذا الفشل السريع للانقلاب الناعم كان قد تبعه فشل آخر تمثل هو الآخر في بعض ابعاد الصورة الوردية التي قدمها الاخوان المسلمون لعلي محسن الاحمر كطعم لجره الى ميدانهم.. وهذا البعد تمثل بإيهامه بأن حركته العسكرية سوف يصاحبها عملية استقالات واسعة النطاق من الحزب الحاكم ومن مختلف المؤسسات الحكومية والهيئات المختلفة بصورة تكسب انقلابه تأييداً كبيراً امام الرأي العام المحلي والعالمي وتقدمه كزعيم منقذ للأمة.
وتمثل الفشل الثاني وغير العادي من قبل الانقلابيين في اكذوبة بيضاء حاولوا تمريرها عبر الديناميكية الاعلامية التي تقف الى صفهم والمتمثلة في قناة «الجزيرة» والتي كانت وبشكل غير مسبوق تقوم بالإعلان عن وابل من الاستقالات المزعومة لاعضاء وقيادات الحزب الحاكم.. وتكمن النكتة هنا في ان الاخوان المسلمين قد تناسوا بأنهم قد دفعوا بالمئات من عناصرهم كدخلاء على المؤتمر وتناسوا ان المؤتمر الشعبي قد قبل بهم في صفوفه بل ومكن العديد منهم من تبوء اماكن قيادية.
وعندما أرادت قيادة الأخوان تنفيذ احلامهم تم التعميم على عناصرهم بسرعة العودة الى قاعدتهم الحزبية واظهار المؤتمر الشعبي العام بالحزب الذي يتساقط في اسسه وقواعده واركانه على عكس الحقيقة حيث لم نجد احداً ينادي الى الخروج من المؤتمر سوى الاصلاحيين والقليل من بعض الاحزاب.وتلك حقيقة قدمت الدليل الناصع ان الاخوان المسلمين قد اعدوا مبكراً للانقلاب واستطاعوا توريط علي محسن بطريقة مرعبة.
اذاً علي محسن الجنرال الدموي والفاسد -حسب وصف حميد في وثائق ويكيليكس- حقق هدفهم كخطوة اولى فشلت ومطلوب منه ان يواصل لتحقيق خطوة ثانية لهم عسى ان تعوضهم عن فشل خطتهم الاولى، بيد ان ذلك يمثل طموحاً كبيراً للاخوان على ضوء معطيات الواقع الراهن المنتصر للشرعية الدستورية.. لم يعد بمقدور علي محسن تحقيقه في ظل تزايد واتساع الاخطاء الفظيعة التي يواصل اقترافها والمتمثلة في اراقة الدماء لمواطنين لم يسلم منها حتى اقاربه.. اخطاء يتواصل ارتكابها وتزيد من حالة السخط الشعبي العارم ضده وضد من يقفون معه وهي أخطاء لاتعبر إلا عن حالة من الارباك وعدم القدرة على السيطرة.. حالة من الفوضوية تشوب كل نشاط الجنرال الفاشل بالمقابل نجد الأخوان المسلمين يتعاملون معه اليوم باستغلال رخيص وحاقد.
اذاً الاخوان المسلمون وبعد ان اغلقوا تماماً على علي محسن كل الطرق ولم يعد امامه سوى الموت أو الخروج من هذه الورطة باتخاذ قرار شجاع يعيده الى التناغم مع الوطن وقيادته وهو طريق مازال يؤمل منه ان يسلكه خاصة وان القيادة السياسية لم تقم بعزله ومازالت أمامه فرصة للعودة باعتبار ذلك انقاذاً لهذا الشخص الذي -ربما- سقط في هذه المؤامرة بحكم عامل السن.