امين الوائلي - تمييز القضايا والحديث حولها مسألة مهمة حتى لا نظل نتحدث في كل شيء دفعة واحدة ولا نحصل على شيء. لأن البعض يحلو له العمل وفقا لقاعدة "دعك من القواعد" والبعض الآخر يختلق لكل شيء قاعدة طالما وافقت رأيه. وصنف ثالث جعل القواعد تبعا للاستثناءات وهي لديه أهم من القواعد الأصلية إذا كانت ستخالفه الرأي والقناعة, وسيفه أسبق من رأيه!!
متفقون.. مختلفون
الحديث عن التغيير وضرورته ليس محل خلاف, التغيير قائم وماض ولم يعد ممكنا صرفه أو تأجيله أو المزايدة عليه, هذه قاعدة اجماعية تتساوى عندها الآراء مهما تباعدت والقناعات مهما اختلفت. ومن يعتقد بخلاف ذلك يكون إما معاند أو مراهن وما أكثر هذين الصنفين في هذا الوقت بالتحديد.
ومن لا يريد أن يفهم ذلك يظل مستأثرا لنفسه بفكرة "التغيير" وحتميته وكأنه لوحده وقع عليها أو اخترعها من العدم المستحيل. بينما الفكرة باتت مستهلكة تماما لكثرة رواجها وشيوعها بين العامة قبل الخاصة ومعروضة بالمجان في الشوارع والمقاهي ووسائل المواصلات العامة. لم تعد القضية محل خلاف أو تنازع وليست هنا تحديدا. وهنا تأتي الاستثناءات.
القول بحتمية التغيير سبقنا إليه رجل الشارع والعالم البسيط وبائع الخضرة والفلاح الريفي وغيرهم من أفراد المجتمع وغالبية هذا الشعب المهموم بالسياسة أكثر من أي شيء آخر. لم يحتج الأمر إلى الاستعانة بخبرات وعبقرية الحزبيين والأكاديميين والمشايخ وكبار الانتهازيين الفاسدين الذين خلعوا وجوههم المزمنة ولبسوا غيرها في الساحة بين عشية وضحاها, قبل هؤلاء وبعدهم كان اليمنيون أكثر وأصدق حضورا وإدراكا لحتمية التغيير.
التباين الذي ينشأ عن هذا الاتفاق طبيعي جدا ومطلوب بكثرة؛ حول طبيعة ونوعية وطريقة التغيير الذي هو محل إجماع. وهنا يجب أن يدخر العقلاء أسلحتهم الفتاكة وأن يتحكموا بأعصابهم المدمنة على الانفعال وإطلاق النار في وجوه أعداء مفترضين, ولو لم يكن لهم وجود يجب خلقهم, لتقلي الرصاص واستقبال الاتهامات والإدانات ومنح القناصة فرصة لاستعراض المواهب والخبرات والعقد!
أن يتفق الناس حول حتمية التغيير ويختلفون تلقائيا في الطريقة والوسيلة والتفاصيل الأخرى, فهذا ايجابي أكثر من كونه سلبيا, لأن العقل من طبيعته التفكير وليس استقبال التعليمات والإملاءات في شأن يومي متروك للجماعة المفكرة.
أما أن يحب المرء الرئيس ويؤازره ويحمل له الود ويتمنى له الأفضل والأمثل, أو لا يحبه ويتمنى له العكس, فهذا من جملة الحقوق والقناعات الشخصية وليست مادة للنقاش أو شرطا للقبول من عدمه.
حرية كل شخص مكفولة ولا سلطان عليها ولا يجوز إعطاء أحكام قطعية أو مواعظ أخلاقية هنا. لأن البعض أعطى نفسه حقا زائدا وراح يحاكم مشاعر الناس ويحكم عليهم بها, ونسي القضية الرئيسية وغرق في التفاصيل الشخصية فانصرف وصرف جهوده في مهمة بائسة تتمثل في إلقاء الحجارة على المارة وتتبع خصوصياتهم والتشهير بها وكأنها عورات أو مساوئ وعيوب, بينما العيب الوحيد أن ينشغل المرء فيما لا يعنيه ويتحول إلى قاطع طريق بطريقة أو بأخرى.
بين "ثورة" و"ثورة" مسروقة
الجميع تقريبا كتب وتحدث وحذر ونبه وأكد.. أن المنطقة العربية تشهد هزات زلزالية حقيقية لابد أن تصل إلينا ومن الحكمة أن نستعد لها وأن لا ندير ظهورنا أو ندس رؤوسنا في الرمل, كلنا فعلنا وكتبنا وقلنا من وقت مبكر, وكان لا يزال كثر -ممن يلوون ألسنتهم اليوم- غارقين في وهم الخصوصية وبعيدين جدا عن قراءة واستيعاب ما يحدث على الأرض ومن حولنا.
هل تغير شيء؟ كلا جرت الأمور كما هو متوقع وكما استشرفناه عن بعد, ومن وقت مبكر قلنا وقال الكثرة: نحتاج إلى تغيير والى تنوير والى ثورة. التوافق قائم حول هذه المقاربة, وهي قاعدة ولكن أية ثورة نريد.. وكيف.. وبأية كلفة.. ومن.. والى أين؟ في هذا كان لابد أن تتعدد الرؤى والأفكار وتنشأ اختلافات وفروق طبيعية بحسب القناعات والقراءات الشخصية والخاصة. أي بأس في هذا؟!
هناك من ألغى القواعد وأهمل أو تعامى وتعمد أن يتجاهل نقاط التوافق وهي الأساس وخاض في الفرعيات والجزئيات اللاحقة وقام يحاكم الآخرين ويحكم عليهم ويصادر حرياتهم وحقوقهم ويعدهم الويلات, هؤلاء تحولوا إلى سيافين وتحول كل شخص منهم الى "وشاح" آخر يصقل سيفه ويرويه بدم العصاة المارقين!!
الأمر هنا يشبه مهمة التكفير والتكفيريين, مع بعض الفروق التي لا تغير شيئا في جوهر الفكرة الأساس: (حاكم الآخر إلى رأيك وقناعتك واحكم عليه بهذه القاعدة: معي أو ضدي, مؤمن أو كافر وضال وعدو الله)!
اليوم نرى ونقرأ ونسمع عن أشخاص وجهات ومراكز قوى تحاكم الناس إلى فكرتها الانتهازية حول "الثورة" ومن ليس معهم فهو ضدهم. إما مؤمن أو كافر! كُثرهم أولئك الذين يودون استباحة عرض الثورة, إن بقيت هكذا ثورة بالمنطق الذي يتخاطب إلى الثورات ويخاطب بها وعنها. وكثر أيضا الذين يفهمون الثورة "سيفا" لا رسالة وثأرا لا تثويرا, وانتقاما لا تقويما. وهذا أغلب السائد والمتزاحم على الواجهة, هناك كتابات, ومن أشخاص أكاديميين حتى, راحوا يلوحون بصميل الثورة ويمسحون بعقلها البلاط, سيل من الترهيب والابتزاز والتهديدات المسفة: إما.... أو انتظروا سيف الحجاج ! كم من حجاج ووشاح ستفرزهم الأحداث ويتطلعون الى حصد رؤوس مخالفيهم وإسكار السيوف من الدم؟!
حملة شعواء ضد أصحاب الآراء والكتابات (الحرة) المتحررة من التبعية للأنموذج السائد والمعربد في المنابر والجرائد والشاشات, إرهاب يطاردك في المواقع بالتعليقات المسفة والكلام الساقط والبذاءات الرخيصة. كتاب وصحفيون أحجموا عن الكتابة أو نشر آرائهم في المواقع الالكترونية هربا من سيوف الحجاج ورصاص الإرهاب الثوري الزائف وخشية التعرض لنقمة القناصة المتفرغين والمفرغين لأعمال البلطجة الالكترونية, يجب أن تظل الساحة خالية من الرأي والموقف الآخر, طاردوهم ولا تدعوا منهم فاسقا ينجو بجلده من سيوفكم. هذا ما يحدث وأكثر من ذلك يحدث.
بكل سرور يجب أن نؤكد: تبا للحجاج وسيوفه, وليحدث ما يحدث, لتذهب إلى الجحيم عقلية الإرهاب والترهيب والبلطجة الالكترونية من الوضاعة والدناءة والرخص بمكان أن يلجأ المرء أو أن تضطره الظروف والأيام إلى المداهنة والمهادنة والتزلف والنفاق. هذا ليس نحن وليس من فصيلة دمنا. وسنقولها بالفم المليان: سُرَّاق الثورة هم من يصدرونها سيفا وخوفا وحقدا وانتقاما وبئس الوعيد.
نعم أردنا ثورة وكتبنا هذا عشرات المرات, لكن لا نريد ولن نطبل لسراق الثورة وسراق الشباب وقراصنة الأحلام, لم نشأ ولم نرد ثورة يقودها ويتحدث عنها وباسمها أعداؤها المتطرفون الذين يجيدون المؤامرات وليس الثورات, والانتقام وليس التقويم, والترهيب وليس الإقناع, والابتزاز والتخويف والانتهازية... وليس التثوير والتنوير, لا يصلحون لقيادة الثورة أو إدارتها. وأقر لهم بالصلاحية الكاملة لقيادة الثورة المضادة وإدارتها وهم في هذا ماضون وساعون!
قوائم .. الثأر..
موضة أو تقليعة "القوائم السوداء" التي تكاثرت في الساحات هي واحدة من أسوأ الأخطاء وأخطرها التي يقع فيها الشباب لأنها تؤسس للكراهية والثأر والنزعات الانتقامية المريضة التي تتصادم مع فكرة التغيير الى الأفضل ومع فكرة الثورة الأولى –قبل أن تُسرق وتتحول الى مشروع ثأر بمعزل عن رغبة وإرادة الشباب. ولا أعلم إن كان الشباب أنفسهم -الذين نحن منهم وأيدناهم من البداية وما نزال- مسؤولين تماما عن إصدار مثل هذه القوائم الغبية والسيئة, وما أعلمه أنه على الشباب أن لا ينجروا الى مربع العنف أو التحريض على العنف أو منحه مشروعية ثورية هي كل ما يحتاج إليه محترفو القنص وحملة مشروع الثأر والانتقام. هناك اليوم في الساحات عشرات القوائم (السوداء) وهي سوداء بالفعل كونها تحرض على أفعال سوداء وتستحضر كراهية سوداء وتؤسس لمرحلة أكثر سوادا.
فكرة القوائم هذه أكثر من سيئة وخطيرة وبلغت من الكثرة حدا لا يعقل ولا يمكن السكوت عنه, حتى ان كل شخص يمكن أن تطلع في رأسه ويعمل قائمة سوداء بأسماء إعلاميين أو كتاب أو أشخاص لم تعجبه أشكالهم يوما, فقط لهذا السبب يستطيع ضمهم الى القوائم السوداء وعلى الثورة المحروسة أن تقتص منهم!!
أعداء الثورة.. وأعداء الله
كل هذا قد يهون وقد نجد له حلا أو نتجاوزه الى حين, إنما أن يصل الأمر الى مستويات عليا.. وأن ينخرط أكاديميون ومفكرون حزبيون وأساتذة جامعات في التحريض العلني وإنتاج قوائم خاصة وممارسة أساليب الترويع والترهيب وإشهار سيف الثورة المسروقة في وجوه المخالفين وتخييرهم بين السيف أو الاستسلام, فهذا كثير جدا ومهينا لشباب الساحات قبل غيرهم. هل فوض الشباب –مثلا- المجلس الأكاديمي.. والدائرة القانونية في التجمع اليمني للإصلاح بحصر ومتابعة جميع الخونة المارقين الذين ستحاكمهم الثورة؟ وما هي صلاحيات وحدود هذا التفويض؟
لأنني كافر بكم وبثورتكم من الآن والى يوم القيامة إذا كنا نتحدث عن شباب يسوقون لمحاكم التفتيش وجزء من مشروعهم إقامة المشانق الجماعية!!
يقترح الدكتور (الإخواني) المحترم أحمد الدغشي على من يطلق عليهم "أعداء الثورة" الخوف من المستقبل القريب. وهو يخيرهم بين "التوبة" –بهذا النص- قبل فوات الأوان, أو ضمهم الى قائمة "أعداء الثورة" ويستاهلوا ما سيقع لهم أو يحق عليهم من عقاب, يورد الدغشي –وأنا في غاية الأسف لأنه لم يربأ بنفسه وشخصه الذي احترم عن هذه الوقيعة والواقعة التحريضية- عددا من الأسماء لإعلاميين وكتاب وشخصيات سياسية ويرشحهم لصدارة قائمة "أعداء الثورة", مع أنه فضل عدم ذكر الأسماء ولكنه عدل عن التفضيل الى التسمية على سبيل الاستشهاد المقصود لما وراءه وفهمها آخرون أنها على سبيل الترويع والترهيب ومها يكن فإن المجاهرة بالتحريض واقعة لا محالة ولا أقول إن الدكتور نجح في هذا,بل إنه نجح في تنبيهنا الى محذور أعظم والى ما يعتمل من خطط وأولويات جسيمة للمستقبل القريب عمودها الثأر والانتقام وتصفية الحسابات الشخصية والحزبية مع المخالفين والخصوم السياسيين.
والأسماء التي أوردها أو سكت عنها الدغشي هي لصحافيين وإعلاميين وسياسيين لم يرفعوا سلاحا في وجه أحد, ولا مارسوا اللعن والقذف والشتم والسب العلني ولا واحد منهم تمرد علنا وشق المؤسسة الوطنية العسكرية, وقاد انشقاقا خطيرا في جسم الجيش مهددا بحرب أهلية طاحنة لولا لطف الله وحكمة أهل الحكمة من أهل القرار, ولم يقطعوا طريقا, ولم يتآمروا لتقويض السلطة والنظام العام عبر الفوضى المنظمة, ولم.. ولم.. ولم, فقط مارسوا السياسة بالكلام وعبروا عن مواقفهم سلميا.. مهما اختلفنا أو اتفقنا معهم فلا تحجير في الرأي والقناعة الشخصية. وهذا يدعونا الى الاستفسار عن مصير آخرين زاولوا السياسة أبعد من ذلك, فهل لهم من توبة أم أن أبواب سماء الثورة سُدَّت في وجوههم على طريقة "كفرت ومالك توبة"؟! عندها لا مفر من التذكير بأن أعداء الله هم أشد خطرا من أعداء الثورة لو صح أن للثورة أعداء, بل لو صح أن ثمة ثورة أو بقية من ثورة!
في الأفق.. ثورة
من هم أعداء الثورة؟ ومن يحق له الفرز والغربلة وابتزاز الشباب سلطات الثورة المسروقة؟!
وليسمح لنا أكثر المتحدثين المتمترسين خلف ستارة ابتزاز الثورة أو المتاجرة بالشعار الثوري أن نلفت عنايتهم إلى حق ومسؤولية كل شخص في أن يكون له رأيه وقناعته تجاه الرئيس أو أي قضية كانت, وليس من حق أحد ممارسة الأستذة المتعالية والنظر إلى اليمنيين من شاهق وفرزهم حسب ألوانهم الحزبية وآرائهم السياسية, فيقال هؤلاء في النار, وهؤلاء في الجنة. أو على طريقة الدكتور الدغشي, هذا مثقف ساقط.. سحيق, وهذا مثقف نصف ساقط, وذاك عافاه الله من السقوط فعفونا عنه!!
اكتملت حلقات التملك والتمليك واستملاك سلطات وحقوق الثورة المسروقة والتحدث باسمها ومزاولة سلطاتها ووظائفها التنظيرية والتنفيذية.. القمعية.
الآن فقط أستطيع القول: إننا نحتاج إلى ثورة.. من صدق.. الساحات لن تختفي.. ونحن لن نذهب بعيدا.. والأيام بيننا.
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,شكرا لأنكم... تبتسمون
Ameen71@ Gmail.com
• رئيس تحرير صحيفة (اليمن) |