حوار- جمال مجاهد -
قال وزير الصناعة والتجارة في حكومة تصريف الأعمال المهندس هشام شرف عبدالله: إن تقديرات غير مؤكّدة تشير إلى أن الأزمة السياسية الراهنة التي دخلت شهرها الثالث قد ألحقت خسائر بالاقتصاد الوطني والسياحة والاستثمارات والصادرات قد تصل ما بين 4 و5 مليارات دولار.
وأكّد شرف في حوار مع «الميثاق» أنه كان يأمل في أن لا يتم الزج باحتياجات المواطنين اليومية والأساسية وخاصةً مادة الغاز المنزلي في المماحكات السياسية الدائرة حالياً، واستغلالها بما يضر بمصالح المواطنين والمجتمع. ولفت إلى أن التقطّعات على طريق مأرب- صنعاء هي السبب الرئيسي والأوّل في أزمة مادة الغاز، حيث أن 90% من احتياجاتنا من الغاز تأتي من مأرب.
واعتبر شرف أن الزيادة في أسعار الدولار ظاهرية ومفتعلة وثبّتتها الأزمة السياسية وانخفاض عائدات الدولة من العملة الصعبة بسبب توقّف تصدير كميات كبيرة من النفط نظراً للتقطّعات المتكرّرة التي حدثت وتحدث وتفجير أنابيب النفط عدة مرّات.
وأوضح وزير الصناعة والتجارة أن المهمة الرئيسية للحكومة خلال السنوات الخمس القادمة تتمثّل في تدفّق الاستثمارات المباشرة وتشجيع الصادرات وتحسين مستوى الخدمات والبنية التحتية والبنية التشريعية في الدولة وخلق الظروف المناسبة والضمانات لتدفّق الاستثمارات جنباً إلى جنب مع مواصلة مسيرة الإصلاحات وخاصةً في جوانب المالية العامة وتثبيت الأمن والاستقرار.
هل هناك تقديرات لحجم الخسائر التي لحقت بالاقتصاد الوطني والتنمية جرّاء الأزمة السياسية الراهنة والاعتصامات والمسيرات والمظاهرات؟
- هناك خسائر لحقت بسير النشاط الاقتصادي في اليمن، والذي يشمل عدة جوانب منها السياحة والاستثمارات ومشاريع التنمية والصادرات بمختلف أنواعها، هذه كلها أصيبت بتوقّف جزئي أو طارئ، لكن التقدير الفعلي إلى الآن لم يتم بشكل دقيق. هناك تقديرات غير مؤكّدة تشير إلى خسائر قد تصل ما بين 4 و5 مليارات دولار منذ اندلاع الأزمة السياسية الراهنة التي دخلت شهرها الثالث. طبعاً إلى الآن ليس هناك أي تحليل مدعوم بأرقام من خلال بيانات أو شكاوى من المنشآت السياحية أو المستثمرين الذين أوقفوا أو جمّدوا بعض مشاريعهم وأنشطتهم أو الصناعيين بالنسبة لبعض الصادرات. أستطيع القول إن التأثير السلبي كبير جداً على مجريات النشاط الاقتصادي وهناك الآن توجّه لدى الوزارة بالتعاون مع برنامج الأمم المتّحدة الإنمائي لتشكيل فريق عمل لوضع دراسة واقعية علمية حول تأثير الأزمة السياسية على الاقتصاد والتنمية في اليمن، وبرغم ما تكبّدناه من أعباء ستعود إلى طبيعتها بعد انتهاء الأزمة.
ظروف طارئة
هل صحيح أن الولايات المتّحدة الأمريكية قد جمّدت حزمة مساعدات كانت تعتزم تقديمها لليمن بسبب الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد؟
- ليس
افة يزيد عن مليار دولار على مدى عدة سنوات، هو نفسه مستوى الدعم الأمريكي المقدّم لليمن في الوقت الحالي، وإذا قلنا إنه 1.5 مليار دولار على مدى خمس سنوات سيكون المعدّل السنوي 300 مليون دولار هو حجم المساعدات الأمريكية الجديدة المقرّرة لليمن. أمريكا من الدول التي تتعاون مع اليمن بشكل وثيق ومتنامٍ وتقدّم الدعم لمساعدة اليمن في مواجهة التحديات التنموية الرئيسية وفي مقدّمتها الفقر والبطالة، بالإضافة إلى الدعم العسكري المتمثّل في جوانب التدريب والتأهيل ورفع قدرات الحكومة في مجال مكافحة الإرهاب وخفر السواحل، وبالتالي فإن ما تم تداوله إعلامياً قد يكون فيه مبالغة بعض الشيء. نحن نتّفق مع الدول والمنظّمات المانحة على برنامج دعم سنوي أو لمدة ثلاث سنوات, وليس لدينا معلومات مؤكّدة حول هذا الموضوع، ولكن قد تكون الأوضاع الحالية دفعت بأكثر من دولة إلى سحب خبرائها من اليمن وبذلك تكون المساعدة المقدّمة منها قد توقّفت لظروف طارئة وبشكل مؤقّت ولم تتوقّف بقرار سياسي شامل، يعني تعليق التعاون لمدة محدودة ولأسباب طارئة نتيجة الوضع السياسي والأمني وسوف نتجاوز ذلك خلال الفترة القليلة القادمة.
أزمة الغاز
رغم جهود الحكومة لتوفير مادة الغاز المنزلي للمواطنين وخصوصاً الاعتماد على السلطات المحلية وعقّال الحارات لحل هذه الأزمة غير المسبوقة في هذه المادة الحيوية، إلا أن الأزمة ما زالت مستمرّة.. كيف تتعاملون مع هذا الوضع الاستثنائي لمادة الغاز؟
- الأزمة ما زالت موجودة لأن 90% من احتياجاتنا من الغاز تأتي من مأرب، والتقطّعات التي حدثت في مأرب كانت هي السبب الرئيسي والأوّل في هذه الأزمة. عندما يزيد الطلب ويقل العرض تحدث أزمة وترتفع أسعار أي مادة وليس الغاز فقط حتى لو كان ملح الطعام. هذا ظرف طارئ نشأ عبر الأزمة الحاصلة حالياً ولعبت التقطّعات في مأرب دوراً كبيراً جداً في تفاقمها بهذا الشكل غير المسبوق، ونحن كنا نأمل أن لا يتم الزج باحتياجات المواطنين اليومية والأساسية وخاصةً مادة الغاز في المماحكات السياسية الدائرة حالياً. ومؤخّراً تمكّنت الحكومة والجانب الأمريكي ممثّلاً في السفير الأمريكي لدى صنعاء جيرالد فايرستاين والمتقطّعون من التوصل إلى اتّفاق وكانت هناك وساطة أمريكية لفتح طريق مأرب- صنعاء والإفراج عن قاطرات الغاز والمشتقات النفطية المحتجزة، ولكن -للأسف- ظهر هناك متقطّعون جدد وبالتالي الأزمة مازالت قائمة، ونحاول أن نتعامل معها من خلال استيراد كميات إضافية كبيرة من الغاز من الخارج عبر ميناء عدن، لكنها لا يمكن أن تعوّض النقص الحاصل في المادة ولا يمكن أن تغطّي احتياجات العاصمة والمحافظات، ولا يمكن أن تكون بديلاً عن غاز مأرب.
أملنا أن لا يتم التلاعب بمادة الغاز واستغلالها بما يحرم المواطنين من هذه المادة المعيشية الحيوية وبما يضر بمصلحتهم ومصلحة المجتمع ولا تضر الدولة بشكل مباشر.. مازلت متفائلاً أن يسود العقل والحكمة وأن يتم إطلاق قاطرات الغاز المحتجزة بسبب المتقطّعين.
ارتفاع الأسعار
ارتفعت أسعار السلع والمواد الغذائية والأساسية بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة، كما ارتفعت نسبة التضخّم.. كيف تتعاملون مع هذه الإشكالية التي تؤثّر على معيشة المواطن وقدرته الشرائية لاحتياجاته؟
- أوضّح هنا أن السلع الأساسية التي تغطّي الدولة تمويلاتها عن طريق البنك المركزي كانت التأثيرات عليها طفيفة جداً وفي مستوى يمكن التعامل معه، لكن السلع الأخرى التي تستورد من الخارج بسعر الدولار في السوق فهي تخضع لجانب العرض والطلب وما حصل من زيادة في سعر الدولار مؤخّراً هي زيادة ظاهرية أي لا تعكس فعلاً الوضع الاقتصادي الطبيعي.
الأزمة السياسية ساهمت في وجود هذه الزيادة الظاهرية في سعر الدولار الذي وصل إلى مستويات غريبة لا تعكس بأي حال من الأحوال عوامل الاقتصاد اليمني. وبالتالي أنا أتوقّع أن يعود الدولار إلى وضعه وسعره الطبيعي مقابل الريال بعد فترة قصيرة من الزمن وبعد زوال ظواهر هذه الأزمة السياسية أي أن الدولار سيعود ومن خلال عوامل كثيرة وجديدة إلى مستواه السابق في حدود 213.5 أو 214ريالاً.. هذه الزيادة مفتعلة وثبّتتها الأزمة السياسية وانخفاض عائدات الدولة من العملة الصعبة بسبب توقّف تصدير كميات كبيرة من النفط نظراً للتقطّعات المتكرّرة التي حدثت وتحدث وتفجير أنابيب النفط عدة مرّات.
صحيح أن هناك زيادات في أسعار بعض المواد التي لا تعتبر أساسية وسببها انعكاس سعر الدولار في السوق السوداء عليها حيث يقوم بعض التجّار بالشراء من السوق بأسعار عالية ويستورد البضائع التي تكون تكلفتها عالية أيضاً، لكن أطمئن المواطنين بأنه حالما تنتهي الأزمة ويحدث الانفراج وتعود الأوضاع إلى سابق عهدها سيعود الدولار تلقائياً إلى وضعه الطبيعي الذي هو عبارة عن عدة عوامل اقتصادية تحدّد سعر العملة الصعبة في اليمن. وعندما تجلس جميع الأطراف السياسية إلى طاولة الحوار الوطني الشامل ويتحسّن المناخ السياسي فإن ذلك سيؤدّي إلى تحسّن الوضع الاقتصادي من خلال النشاط الطبيعي للسوق ودخول مكوّن دعم خارجي سواء في ميزانية الدولة أو برنامج إنعاش جديد وسيؤثّر ذلك إيجاباً على قيمة العملة الوطنية مقابل الدولار. لكن بالمقابل أنا لا أنسى أن أقول أنه ستكون هناك أعباء وجهود نحو تصحيح العديد من الاختلالات في تركيبة السوق.
أما موضوع التضخّم ففي أي بلد وليس اليمن فقط تحدث فيه أزمة سياسية كما هو حاصل لدينا يحصل شحّة في بعض المواد والمنتجات أو بعض المدخلات التي تخص معيشة المواطن ويحدث نقص في دخل الدولة من العملة الصعبة بشكل طبيعي جداً، يكون هناك نوع من التضخّم الظاهري والذي تعكسه الأزمة السياسية واختفاء لبعض المدخلات مثل الغاز المنزلي والارتفاع الظاهري غير المبرّر في أسعار الدولار، ولكن هذا كله سيعود إلى طبيعته، ومعدّل التضخّم الذي سجّل 11.3% خلال السنوات 2006- 2010 وارتفع خلال الأزمة سيعود إلى ما كان عليه إلى معدّل الرقم الواحد، وكذلك مسألة العرض والطلب فإذا انخفض الطلب على العديد من السلع وتراجع التهافت الكبير الموجود في السوق حالياً، سيتوازن السوق تلقائياً، هذا مبدأ اقتصادي معروف، كما أن زيادة الطلب على الدولار في السوق يعود بتضخّم عالٍ جداً.
أنا أريد أن أؤكّد للمواطنين بأنه لا معادلة اقتصادية صحيحة الآن في ظل أزمة سياسية معقّدة، عندما تنفرج هذه الأزمة وتحلّ وتعود الأمور إلى طبيعتها وهذا قريب الحدوث، ستعود الأوضاع الاقتصادية إلى ما كانت عليه في يناير الماضي بل ونتوقّع تحسّناً على مستوى السوق وعملية إصلاحات متكاملة تعيد لعوامل السوق اعتبارها.
تصحيح
اليمن من الدول الأقل نمواً في العالم وتواجه تحديات تنموية رئيسية مثل الفقر والبطالة وتدنّي مستوى الخدمات.. هل تعتقد أن الأزمة الحالية سوف تفاقم مشاكل اليمن الاقتصادية أو ربما تفقدها الإنجازات والمكاسب التي تحقّقت في السنوات الماضية؟
- لا.. أنا أعتبر أن الأزمة التي حصلت أزمة طارئة في وقت معيّن وأحدثت تغيّرات معيّنة لكنها ليست بالضرورة أزمة ستضيّع بعض إنجازات اليمن، بالعكس هذه الأزمة علّمتنا الكثير وسنبني على ضوئها قرارات وإصلاحات بإمكانها أن تقطع شوطاً في تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للإصلاحات 2011- 2015 وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومعالجة بعض الاختلالات المتمثّلة في الفساد والازدواج الوظيفي. الإصلاحات في اليمن ضرورية جداً وما حدث من خسائر ومضاعفات اقتصادية على مستوى المالية العامة للدولة والاقتصاد الوطني سننتبه إليها من الآن فصاعداً وسنعكسها في حزمة إصلاحات تعالج أوضاعاً كثيرة بشكل جذري. المصائب والأزمات تعلّم وليس صحيحاً أن ما حصل من أزمة ربما يقضي على إنجازات كثيرة حقّقتها اليمن، اليمن تعلّمت من هذه الأزمة وستعمل بالتعاون مع أشقّائها وأصدقائها بالذات في الجانب الاقتصادي والصناعي على تجاوز سلبيات الأزمة وأوّلها الزعم بأن الإصلاحات التي تمّت في اليمن خلال الفترة الماضية لم تؤت ثمارها، بالعكس الإصلاحات أتت ثمارها ولو بشكل بطيء لكنها تستلزم مواصلة العمل والجهود والتمويل والدعم، هذا الدعم أتمنى أن نجده من الأشقّاء والأصدقاء سواء بشكل برامج أو خبراء أو إجراءات تصحيحية، أن نتعاون معاً في تحمّل أعبائها حتى يتم تصحيح اختلالات الاقتصاد والسوق. أملي كبير جداً- وهذا سيكون الهدف مما أسميه اقتصاد ما بعد الأزمة- في القضاء على الاختلالات الحاصلة في السوق لأنها عندما تحصل في اقتصاديات الدول الأقل نمواً أحياناً تقبل كبديهيات. نحن ننادي بتصحيح الاختلالات في كل جوانب الاقتصاد اليمني والتي فعلاً تعطي المعادلة الصحيحة لكل المسميّات والقرارات وأن تكمل ما بدأناه.
إصلاحات
هل هناك إصلاحات ينبغي التركيز عليها خلال المرحلة القادمة؟
- نعم.. بالطبع.. إصلاحات المالية العامة بالدرجة الأولى والإصلاحات الخاصة بتحسين بيئة ومناخ الاستثمار بحيث تكون مشجّعة وجاذبة للمستثمرين اليمنيين والعرب والأجانب وتتوافر فيها الضمانات والحوافز الكافية. أنا أتمنّى أن نتمكّن في الفترة القادمة من خلق بيئة مثالية للاستثمار تمنح تسهيلات وحوافز وضمانات حقيقية وواسعة للعمل في بيئة أعمال طبيعية وخالية من الشوائب كما هو حاصل في الدول الأخرى، ويأتي على رأس ذلك كل الإصلاحات التي تثبّت مبدأ الأمن والاستقرار الذي هو الشرط الأساسي لوجود الاستثمار في اليمن.
نحن في اليمن حل معضلتنا الرئيسية يتمثّل في زيادة حجم وقيمة الاستثمارات وزيادة الصادرات سواء كانت نفط من خلال اكتشافات نفطية جديدة أو من خلال الثروة السمكية أو المنتجات الزراعية أو من خلال تقديم خدمات ودعم الاقتصاد الخدماتي. لا بد من قدوم استثمارات جديدة وكبيرة تغطّي العجز الحاصل في قدرة الدولة على التعامل مع مشكلات البطالة، ليس هناك إمكانية للقضاء على البطالة فقط من خلال الحكومة سواء الموجودة الآن أو التي ستأتي في المستقبل، وإنما من خلال تدفّق الاستثمارات المباشرة وتشجيع الصادرات وتحسين مستوى الخدمات والبنية التحتية والبنية التشريعية في الدولة وخلق الظروف المناسبة والضمانات لتدفّق الاستثمارات، جنباً إلى جنب مع مواصلة مسيرة الإصلاحات وخاصةً في جوانب المالية العامة وتثبيت الأمن والاستقرار، هذه هي مهمّتنا الرئيسية خلال السنوات الخمس القادمة وذلك من أجل الخروج من الأزمة الاقتصادية.
العمل الجماعي
ما الرسالة التي توجّهها إلى اليمنيين بمختلف انتماءاتهم واتّجاهاتهم السياسية؟
- رسالتي لكل فرقاء العمل السياسي وجميع اليمنيين هي الصبر، فالشعوب لم تجتز أي محنة سياسية أو اقتصادية إلا بالصبر والحكمة والتعقّل والعمل الجماعي والتعاون المشترك من أجل الحفاظ على وحدة وأمن واستقرار اليمن وتجنيبه الانزلاق في الفتنة أو الاقتتال الداخلي. بلد كاليمن لديه مقدّرات كبيرة جداً إذا أحسن استخدامها في ظل إصلاحات ناجحة ستعود بفائدة كبيرة عليه، وأنا متأكّد أن أشقّائنا في دول الخليج سيكونون أول من يقف إلى جانبنا في الفترة المقبلة. الجميع يعرف أن هذا الشعب شعب عامل وطموح ولديه إمكانات كبيرة. 90% من أرضه لم تستكشف بعد سواء في مجال المعادن أو النفط، وبالتالي إذا صبرنا وكانت مواقفنا محكومة بالعقل والمنطق ولما فيه المصلحة الوطنية العليا للغالبية العظمى ستقف هذه الدول معنا لخلق مناخ سياسي ملائم واستقرار اقتصادي. اليمنيون لا يحتاجون فقط إلى أن يذهبوا إلى بلاد الآخرين للبحث عن عمل ورفد الدولة بالعملة الصعبة لا.. هذا جزء فقط من خطتنا المستقبلية لكن الأساس أن يعزّز هذا البلد والشعب قدراته ويستفيد من إمكاناته الهائلة من الثروات الطبيعية والموارد البشرية ويحدث نقلة نوعية في مستوى التنمية البشرية والبنية التحتية ويعزّز موقعه بين الدول والشعوب ويكون نداً للدول الأخرى. البنية التحتية لا بد أن تكون متطوّرة حتى لو اضّطررنا في فترة من الفترات إلى أن نقترض بشروط ميسّرة جداً لإقامتها، فهذا استثمار للمستقبل يساوي الاستثمار في تطوير الموارد البشرية وتأهيلها وتدريبها.
أتمنّى أن يتعاون الجميع في التوصّل لرؤية متدرّجة، لا نتوقّع تغييراً سريعاً في وضع ورثناه منذ سنوات طويلة.. أبداً. لقد مررنا بأزمات اقتصادية وسياسية وأزمات عالمية مثل أزمة ارتفاع أسعار الغذاء والأزمة المالية العالمية، أثّرت علينا، فلا يتوقّع البعض بأننا بمجرّد سن تشريع أو قانون أو إصلاحات أو تشكيل حكومة جديدة أننا بدأنا التغيير المنشود فوراً، لا نستعجل، لا بد من الصبر والحكمة والتعقّل والعمل المشترك للخروج من الأزمة.
دعم خليجي
هل تعتقد أن الأزمة التي تمر بها اليمن حالياً تلقي بمسئولية أكبر على دول مجلس التعاون الخليجي لدعم التنمية والإصلاحات في اليمن؟
- لا أقول أبداً إن على دول الخليج مسئولية كبيرة أو أحمّلها الأعباء التي تترتّب على ما حصل ويحصل حالياً، ولكنهم أشقّاؤنا بالدرجة الأولى ونتمنى منهم الوقوف معنا في فترة ما بعد الأزمة، وبالذات المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتّحدة ودولة الكويت التي أكّدت لنا خلال سنوات طويلة أنها تدعمنا وتقف إلى جانبنا وأظهرت أنها مستعدة لمساعدتنا في إطار برامج وخطط لإحداث نقلة نوعية في الاقتصاد اليمني والنهوض بالتنمية البشرية والبنية التحتية وتحديثها. كانت هناك بعض الاختلالات أو التأخير في الإجراءات الإدارية والأنماط التنظيمية لدينا، لكن أنا أقول إن هذه الدول وما قدّمته في السابق من دعم مالي وفني وما أظهرته من استعداد لتعزيز وتطوير التعاون الثنائي وفي إطار المنظومة الخليجية المشتركة وبما يخدم المصالح المشتركة، تدرك أن أمنها واستقرارها من أمن اليمن واستقراره وأن اليمن هو العمق الاستراتيجي لمنطقة الخليج والجزيرة وأن اليمن يجب أن يكون موحّداً ومستقرّاً وآمناً لأن في ذلك تأميناً للمنطقة من مخاطر الإرهاب والقرصنة البحرية والهجرة غير الشرعية للاجئين من منطقة القرن الأفريقي، وسياسياً فإن هذا يعني أن اليمن هو الحديقة الخلفية لدول مجلس التعاون الخليجي، وأن هناك ارتباطاً مصيرياً ومصالح مشتركة لا يمكن بأي حال من الأحوال الإضرار بها أو التخلّي عنها. .وأودّ هنا أن أشيد وأثني على دور السعودية والإمارات والكويت بشكل خاص على مواقفها الجريئة والقوية والكبيرة التي وقفتها معنا في السابق والتي ستتّخذها تّجاهنا في المرحلة المقبلة. وأنا متأكّد أن الشعب اليمني سيواصل مسيرته التنموية والنهوض الاقتصادي أملاً في الخروج من هذه الأزمة بأقل الخسائر وبنظرة أكثر تطلّعاً وطموحاً ووضوحاً إلى أهدافنا المستقبلية.
على ماذا تركّزون حالياً لتطوير القطاع الصناعي؟
- أولوياتنا تتمثّل في دعم القطاع الخاص الصناعي الذي يقوم بجهود كبيرة جداً لكنها مازالت متواضعة بالقياس إلى الهدف الكبير المتمثّل في النهوض بالصناعة الوطنية. سنعمل بكل قوة على أن تحظى المناطق الصناعية بكل الرعاية والحماية والضمان والدعم من الدولة، وكذلك نحن نعتمد على أشقّائنا في دول الخليج وجهودهم الكبيرة في نقل التجارب الناجحة والخبرات الفنية لديهم وتقديم الدعم المالي الخاص بإقامة هذه المناطق في عدن وحضرموت والحديدة سواء من خلال منح أو تمويلات ميسّرة جداً على مدى سنوات طويلة. أملنا في تطوير المناطق الصناعية وموانئنا التي ستكون خلال الـ 20 سنة القادمة موانئ لتزويد السفن المارة في هذه المنطقة بالخدمات اللوجستية والوقود والصيانة والإصلاح، إضافة إلى إنشاء حاضنات لصناعات كثيرة نستطيع من خلالها أن نشغّل كوادرنا المحلية وننشئ صناعات صغيرة تتطوّر إلى متوسّطة يمكن أن تغطي احتياجاتنا واحتياجات بعض دول المنطقة. وكما ذكرت الصبر والعمل الجاد والدؤوب وتطوير مواردنا البشرية وإرساء أجواء الأمن والاستقرار متطلّب أساسي للاستثمار والتنمية، فلن يأتي أي مستثمر إلى اليمن ولن تنفّذ مشاريع الاستثمار أو الصناعات أو تشجيع الصادرات في أي بلد في العالم إذا لم يتوافر فيه الأمن والاستقرار والضمانات اللازمة لمثل هذه الاستثمارات، هذه الأزمة علّمتنا درساً أن ننظر إلى المستقبل ونتفادى أخطاء الماضي وأن نعتبر وأن نحافظ على ما لدينا من أجل المستقبل والجيل القادم الذي يجب أن نعتني به قبل كل شيء فهو الجيل الذي سيبني اليمن خلال الـ 50 سنة القادمة.