أحمد الجارالله * - اذا كانت المعارضة اليمنية هي من تحرك الشارع فعلا, فلماذا هذه المناكفة والمماطلة وزيادة تعقيد الازمة في اليمن?
يبدو ان تلك المعارضة لا سلطة فعلية لها على الشارع, وأنها وجدت مجموعات من الناس تهتف مطالبة بحقوق اجتماعية ومعيشية محقة, فركبت موجتها, وألبستها جلبابا سياسيا, بينما هي في الواقع معارضة"مع الخيل يا شقرا" لا تمتلك قوة غالبة في الشارع اليمني, بدليل فشلها في الانتخابات النيابية التي جرت باشراف الامم المتحدة وتحت أنظار العالم كله, ولذلك تحاول استغلال الشارع, للفوز بمقاعد لها في الصفوف الامامية لحركة الشباب.
لقد عملت المعارضة اليمنية على تحريض فئات الشباب المتظاهرين, وحاولت الاستقواء بهم من اجل تحقيق اهدافها السياسية, وأخذت بعد ذلك ترفع سقف المطالب حتى وصلت الى رحيل الرئيس علي عبدالله صالح عن سدة الحكم وبطريقة غير دستورية, ليس طلبا للإصلاح انما في سبيل الاستيلاء على السلطة.
يفوت هذه المعارضة ان ما تطمح اليه لا يمكن ان يحدث, لأن صالح يتمتع بغالبية شعبية, وهو لا يمكن ان يضحي بهذه الغالبية او يتخلى عن الامانة التي حملته إياها, حتى لا يكون خائنا للامانة, كما ان هذه الغالبية لا يمكن ان تتركه فريسة لابتزاز اقلية اتخذت من الشارع مقرا لها لرفع راياتها وصوتها, وبالتالي ستكون هذه الغالبية على استعداد للذهاب مع صالح الى الآخر, دفاعا عن الحقوق الشرعية الدستورية, حتى اذا اقتضى ذلك بعض الخيارات الصعبة.
ان مبادرة دول"مجلس التعاون الخليجي" لحل الازمة اليمنية منصفة وحصيفة, لانها أعطت ما لقيصر لقيصر وما لله لله, بمعنى انها اعطت كل ذي حق حقه, اكان في ما يتعلق بتلبية المطالب الاصلاحية او باحترام حق الاغلبية المؤيدة للرئيس عبر منحها 50 في المئة من الحكومة التي ستشرف على انتقال السلطة واجراء الانتخابات, وقبل الرئيس صالح هذه المبادرة فقط حقنا للدماء, ومن اجل تجنيب اليمن حربا اهلية لا يعلم الا الله وحده الى اين يمكن ان تؤدي, وهو لو اراد غير ذلك لكان رفض المبادرة وأساء استخدام سلطته ودفع بالبلاد الى ما لا تحمد عقباه.
ما يجب ان تدركه المعارضة اليمنية النافخة في كير التصعيد ان المبادرة الخليجية لن تتغير وهي اقصى ما يمكن ان تحصل عليه, وان دول الاقليم ومعها ايضا العالم كله لن تقبل بتحول اليمن الى صومال آخر, ولن تسمح بانتقال غير سلمي للسلطة, او بتنحي الرئيس صالح بطريقة غير دستورية, حتى لا تكون هناك فوضى جديدة مثل تونس ومصر, حيث لا يعرف من يحكم هل هم البلطجية او ما تبقى من مؤسسات الدولة? ولذلك عليها ان ترفع يدها عن الشارع منعا لنهر من الدم ربما يجرف كل شيء امامه, وحينها لن ينفع الندم, او البكاء على اطلال اليمن.
طوال السنوات الماضية, وحتى في أحلك الظروف, وخلال هذه الازمة اثبت علي عبدالله صالح انه رجل يريد الخير لبلاده, ويعمل من اجلها حتى اذا كان ذلك على حساب مصلحته, وهو حين سيودع السلطة ويسلمها الى من يخلفه, لن يجري ذلك الا بإشراف دول"مجلس التعاون" وتحت نظر العالم أجمع, وبالتالي يكون الكلام على عدم الثقة بهذا او ذاك مجرد ترهات لا طائل منها, لهذا كله على المعارضة ان توافق على المبادرة الخليجية الا اذا كانت فعلا تريد اشعال النار في كل اليمن الذي سيذكره العالم مستقبلا انه كان في يوم من الايام "اليمن السعيد".
*رئيس تحرير صحيفة"السياسة" الكويتية |