د. عبدالعزيز المقالح -
عنوان هذه الزاوية بكامله من صنع امرأة يمانية عجوز جاءتني صباح الاثنين الماضي ٩٢ يناير ٧٠٠٢م.. الى مكتبي صارخة نائحة.. ظننت في البداية انها طالبة حاجة او شاكية من ظلم وقع عليها وتريدني أن اساعدها في توصيل صوتها الى من يهمه الأمر، لكنها ما كادت تستقر على المقعد حتى انطلقت في صراخ حاد يقترب من البكاء منددة بالاقتتال الفلسطيني-الفلسطيني، وما يجره على القضية المركزية للأمة العربية من انتكاسة خطيرة وصلت بأبعادها الحقيقية وتأثيرها المباشر على مسار الصراع العربي الصهيوني الى قلب الانسان العادي.. إن ما يصنعه العدو بنا غير ما نصنعه نحن بأنفسنا، وفي رأي العلماء والجهلاء على حد سواء.. إن الذي يحدث بين الحركتين الفلسطينيتين فتح وحماس لا مبرر له ولا يمكن الدفاع عنه او السكوت عليه وهو نوع من العبث غير المسئول لإهدار الدم الفلسطيني. قالت العجوز -وقد هدأ انفعالها بعض الشيء: لقد هجرت التلفزيون ومنعت اولادي واحفادي من ان يفتحوه حتى لا نسمع مزيداً من اخبار الاقتتال بين الاخوة اصحاب القضية الواحدة والهم المشترك. وواصلت العجوز القول: كانت اول الاخبار تشير الى مقتل فلسطيني واحد برصاصات فلسطينية، وقلنا ربما يكون ذلك قد تم عن طريق الخطأ، لكن الاخبار توالت مقتل ثلاثة ثم اربعة وعشرة، وبلغ العدد كما تقول الاذاعات والفضائيات خمسة وعشرين قتيلاً.. وقلت لأولادي هذه مجزرة والدم يجر الدم ولا يجوز السكوت، وان ما تريده الدولة الصهيونية هو ان يقتتل الفلسطينيون فيما بينهم، وفي حالة انتصار احد الاطراف سيقوم جيش الاحتلال بالقضاء عليه. ادهشني وعي المرأة العجوز، وصواب رؤيتها ازاء ما يحدث في غزة خلال تلك الأيام السوداء.. وقلت لها لماذا لاتذهبين إلى السفارة الفلسطينية وتعلني احتجاجك على ما يجري قالت: لقد ذهبت فعلاً لكنهم منعوني من الدخول واعتبروني جئت لأشحت منهم وانا الذي تبرعت في مناسبات عدة بكل ما أمتلكه من ذهب ومازلت على استعداد لأتبرع بالمزيد.. فما قيمة المال وفلسطين محتلة والقدس مهانة، وجيش صهيون يدنس بأقدامه الاقصى، والأمل في التحرر يكاد يبدو بعيداً. وأتوقف هنا لكي أشير الى أن هذه المرأة العجوز ليست الوحيدة التي افزعها بل فجعها ما بدأ يحدث على أرض فلسطين الدامية فهناك ملايين النساء والرجال الذي يؤرقهم ما يحدث، وما هذه المرأة إلاّ الرمز الصادق لما يكنه الشعب العادي وما يريد ايصاله الى المقاتلين من استنكار فازع وشجب صادق ودعوة مباشرة الى ضرورة وضع حد للأسباب التي أدت وتؤدي الى الاختلاف الذي يؤدي بدوره الى الاقتتال واراقة الدماء في الساحة الخطأ والمعركة الخطأ في وقت البلاد فيه احوج ما تكون الى كل قطرة دم من أجل التحرر. كان أحد الزملاء حاضراً في مكتبي يتابع باهتمام كل كلمة قالتها المرأة العجوز، وبعد ان ودعتني قال لي هل ستكتب عن هذه المقابلة المثيرة؟ قلت: نعم.. قال: وهل سيصدق القارئ ان هذا ما قالته او بعض ما قالته المرأة العجوز؟.. قلت له: ما يعنيني هو ان يدرك الاخوة في فلسطين مدى الغضب الذي يتأجج في النفوس جراء ما يقوم به بعض المقاتلين من خروج على الثوابت ومن تجاوز لكل قيم الاخوّة والنضال.