د. عبدالعزيز المقالح -
كثيرة هي الشئون العربية الساخنة فضلاً عن العالمية التي تستدعي الكتابة وتدعون بإلحاح الى الوقوف ازاءها بقدرٍ من القراءة الواعية والتحليل الدقيق.. وأكثر الكتابات التي تتناول الشئون العربية لا ترى أنها ساخنة فحسب بل ملتهبة وهي كذلك في عدد من الاقطار وكأن الأيام لا تزيدها إلاّ التهاباً.. وربما يكون الوضع في كل من العراق وفلسطين أكثرها سخونة والتهاباً، وعلى الرغم مما يستأثر به الوضع في العراق من خوف وشعور مرير إلاّ ان الوضع الأخير في فلسطين يبعث على الهلع بعد ان تحول الصراع من مواجهة مع العدو الى مواجهة فلسطينية-فلسطينية، ووصلت الخسائر البشرية بين المتقاتلين الفلسطينيين الى أكثر من خمسين قتيلاً في أقل من عشرة أيام.
لقد انحرفت البندقية الفلسطينية في الاسابيع الأخيرة عن وجهتها الصحيحة وافتقد المتخاصمون في فتح وحماس شعور الأخوة والاحساس بالمخاطر التي تحيط بكل الفلسطينيين وتضعهم في قائمة واحدة للتصفية الجسدية والتهجير.. وعندما يغيب العقل ويفقد المناضل بوصلته وتنحرف بندقيته الى نفسه بدلاً عن عدوه تكون الأمور قد وصلت الى درجة من الانحراف لا ينفع معها نصح ولا اجتماعات حتى لو كانت في أقدس مكان في العالم مالم يتم الاحتكام الى العقل والضمير، ويعود الاحترام بين الحركتين اللتين تقاتلان الاحتلال وتحلمان بالنصر القريب وبالخروج من كابوس ثقيل يزيد عمره عن ستين عاماً.
واذا كنت أكتب هذه الكلمات قبل اجتماع مكة المكرمة بساعات فإن المتشائمين لا يرون في هذا الاجتماع الذي يتم في أقدس بقعة على الأرض اي جدوى إن لم يكن المتخاصمون على اقتناع تام بأن ما يرتكبونه في حق انفسهم وفي حق بلادهم وقضيتهم من حماقات مذهلة هو جريمة يتحملها الطرفان بالتساوي.. وما لم ينتبهوا الى خطورة التمسك بالسلطة الموهومة وما تقود اليه من سلسلة طويلة من الأخطاء والمنافسات اللاأخلاقية.. واتمنى ومعي ملايين من ابناء القضية ومن أشقائهم في كل الأرض العربية أن يخرج المجتمعون في مكة المكرمة بقرار واحد ووحيد من شأنه أن يقضي على شأفة الخصومة وهذا القرار إلغاء السلطة الموهومة والعودة الى ما كان عليه الحال قبل »أوسلو«.. أما اذا استمر الحال على ما هو عليه من تمسك بالسلطة الموهومة فإن الحال لن يتغير والاقتتال سوف يستمر وربما يزيد وتتسع رقعته، والدليل ما يحدث في العراق بعد اجتماع القيادات السياسية والمذهبية في مكة المكرمة قبل اسابيع، ولم يسفر سوى عن تصاعد الاقتتال وزيادة الدعوات الى الثأر والثأر المضاد.
هل يستجيب الفلسطينيون الى نداء الواقع وسرخة الضمير ويتحررون من وهم الاستيلاء على السلطة لكي يتحرروا من عدوهم اولاً أم انهم سيظلون يسيرون في الطريق الخاطئ نفسه وتستمر الضحايا في التساقط على ايدي العدو الصهيوني المحتل وبأيديهم والانتظار لوعود سرابية كاذبة من قوى عالمية لا تريد ان يكون العالم الحائر المضطرب في حالة من الأمان والاستقرار؟!