د. رشاد الرصاص -
الجمهورية اليمنية أنشئت في 22 مايو 1990 من خلال اتحاد اندماجي بين شطري اليمن سابقا لتنتهي الشخصية الدولية للشطرين و تنشأ شخصية دولية جديدة هي ( الجمهورية اليمنية) تعد من الديمقراطيات الناشئة التي تمتلك دستورا قويا ساهمت في إعداده كافة القوى السياسية و اقره الشعب اليمني من خلال استفتاء عام عليه.
وبين ذلك الدستور أسس قيام الدولة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و حقوق و واجبات المواطنين الأساسية و أيضا سلطات الدولة ( التشريعية , التنفيذية , القضائية ) و كيفية الفصل بين هذه السلطات و العلاقة بينها.
وقد جرى وفقا لهذا الدستور عدة انتخابات رئاسية و نيابية و محلية شاركت فيها مختلف القوى السياسية و كان آخرها الانتخابات الرئاسية و المحلية التي أجريت عام 2006 م في أجواء تنافسية ديمقراطية شاركت فيها المعارضة المنضوية تحت اللقاء المشترك بفعالية و حظيت بتغطية و رقابة دولية واسعة و إشادة بهذه التجربة الديمقراطية الناشئة.
وقد حدد الدستور بعد تعديله في عام 2001م فترة رئاسة الجمهورية بفترتين رئاسيتين فقط مدة كل فترة سبع سنوات و كانت الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 2006م و التي أعلن فيها فوز فخامة الأخ رئيس الجمهورية علي عبد الله صالح ضد مرشح تكتل اللقاء المشترك بنسبة (77.19%) هي الفترة الثانية لفخامة الأخ / الرئيس في الحكم و التي ستنتهي في عام 2013م و لا يحق له بموجب نص المادة (112) من الدستور الترشح للرئاسة مرة أخرى و هذا ما أعلن عنه شخصيا رئيس الجمهورية أمام البرلمان مما يعني أن التغيير قادم وفقا لأسس دستورية و ما على كافة القوى السياسية إلا أن تحشد طاقاتها للتجهيز لخوض الانتخابات القادمة بمرشحين مقبولين من قبل الشعب.
إن الديمقراطية الناشئة في اليمن هي الأساس لتحقيق الأمن و الاستقرار و من ثم الازدهار و النهوض بالبلد إلى ما يطمح إليه الشعب اليمني و يجب على جميع القوى السياسية اليمنية و أشقاء و أصدقاء اليمن رعاية هذه التجربة من أجل المضي قدما في الطريق الصحيح الذي سيوفر أرضية آمنة و مستقرة لتحقيق التداول السلمي للسلطة بعيدا عن العنف و الفوضى لهذا الجيل و للأجيال القادمة.
أما العمل على أيجاد حلول للأزمة السياسية الراهنة خارج إطار الشرعية الدستورية هو بكل ما تعنيه الكلمة دمار فعلي للتجربة الديمقراطية الناشئة و ترسيخ لثقافة الفوضى بعيدا عن مبدأ سيادة القانون مما سيؤثر بشكل مخيف على مستقبل اليمن السياسي ولفترة طويلة جدا من الصعب التكهن بنهايتها.
يشير الدستور إلى أن النظام السياسي للجمهورية اليمنية يقوم على التعددية السياسية و الحزبية بهدف التداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع و تمارس الأحزاب و التنظيمات السياسية عملها وفقا للدستور و القوانين النافذة. وبالتالي فان أي إجراء من أي طرف سياسي بتشكيل أي مجلس انتقالي لإدارة البلاد هو عمل غير ملزم لأي مؤسسة من مؤسسات الدولة أو أي سلطة فيها و لا يستند إلى أي نص قانوني وفق قوانين الجمهورية اليمنية.
لا يستطيع أحد أن ينكر بأن الأزمة السياسية الحالية في اليمن تلقي بظلالها القاتمة على حياة الشعب اليمني الذي عبر عن إرادته الحرة في إختيار حكامه عبر صناديق الاقتراع وبالتالي فإن فرض أي واقع بالمخالفة لإرادة الشعب اليمني المعلن عنها هو بمثابة مصادرة لحق الشعب في ممارسة حقه الدستوري و السياسي في اختيار حكامه وفقا لبرامجهم السياسية و انتماءاتهم الحزبية. وما يؤكده المراقبون ويكاد أن يكون هناك شبه إجماع على ذلك أنه لا سبيل للخروج من هذه الأزمة إلا من خلال جلوس القوى السياسية إلى طاولة الحوار و فق ضمانات يتفق عليها و قاعدة مشتركة لانطلاق الحوار منها و بموجب الدستور اليمني لأننا نتسأل ببساطة من المستفيد مما حصل خلال الخمسة الأشهر الماضية؟
نجد أن الجماعات الإرهابية و الخارجة عن القانون هي المستفيد الفعلي من هذه الأزمة و تسعى لتوطين نفسها بشكل مخيف في اليمن مستفيدة من حالة الصراع السياسي.
إن الحوار السياسي وفقا للدستور وعلى أرضية مشتركة هو طريق اليمن الصحيح للخروج من هذه الأزمة من أجل تكاتف الجميع لتحقيق الأمن و الاستقرار في اليمن و حتى تشرع الحكومة القادمة على إعادة فرض سيطرتها على كامل أجزاء اليمن لما يمثل ذلك من هدف حقيقي لازدهار اليمن بدل الدخول في صراعات جانية بين القوى السياسية لا تحقق أي قيمة إيجابية لليمن و اليمنيين بل أنها تعمل على تفاقم القيم السلبية في ظل ظروف اقتصادية صعبة ونسبة فقر مرتفعة وأمية متفشية بين غالبية السكان.
-وزير الشؤون القانونية