خير الله خيرالله - ما تبيّن قبل ايام، من خلال مؤتمر القبائل الذي انعقد في صنعاء، ان هناك قسما كبيرا من اليمنيين لا يزال مؤيدا للرئيس علي عبدالله صالح.. لم يكن هناك ضغط على آلاف اليمنيين من ابناء القبائل للمشاركة في المؤتمر الذي اكد دعمه للرئيس اليمني ودعا في الوقت ذاته الى تفادي اللجوء الى العنف نظرا الى ان ذلك ليس في مصلحة احد في اليمن. شارك الآلاف في المؤتمر القبلي من منطلق ان الرئيس اليمني يمثل بالنسبة اليهم شيئا. ربما يدركون في قرارة نفسهم ان هناك خوفا كبيرا من المستقبل في حال خروج علي عبدالله صالح من الرئاسة من دون تسوية تحافظ على ما بقي من مؤسسات يمنية، في مقدمها الدستور المعمول به. هذا الدستور يلحظ كيفية اجراء انتخابات عامة بما يضمن انتقالا سلميا للسلطة من رئيس الى آخر.
ثمة توازن للقوى لا يمكن تجاهله في اليمن. ولذلك لا يمثل الاصرار على الغاء علي عبدالله صالح من المعادلة السياسية حلاّ مقبولا يؤدي الى الخروج من الازمة التي يعاني منها البلد منذ ما يزيد على ستة اشهر. على العكس من ذلك، ان الاصرار على الغاء الرئيس اليمني، بكل ما يمثله، بمثابة دعوة مكشوفة الى تعميق الازمة وذلك لسببين على الاقلّ.
السبب الاوّل ان علي عبدالله صالح قادر على العودة الى صنعاء والبقاء قدر ما يشاء في "دار الرئاسة" في غياب الرغبة في البحث عن تسوية معينة. وهذا ليس حلاّ. اما السبب الاخر فهو ان هناك عددا كبيرا من اليمنيين يؤيدون الرئيس اليمني في ضوء ارتباطهم بصالح معينة بنظامه... او لاعتبارات قبلية وعائلية وحتى عاطفية. انه واقع ليس في استطاعة احد تجاهله حتى لو كان من بين الدّ أعداء علي عبدالله صالح الذي امتلك دائما ما يكفي من المرونة لابقاء شعرة معاوية مع معارضيه...
لا يمكن تجاهل ان الكلمة التي القاها الرئيس اليمني في اثناء انعقاد مؤتمر القبائل تكشف وجود نية لديه للبحث عن تسوية. تجاوز الرئيس اليمني، الذي لا يزال في الرياض ضيفا على المملكة العربية السعودية، اعتبارات كثيرة. لعلّ اهمّ ما في خطابه خلوه من الرغبة في الانتقام. ربما يعتبر نفسه انتقم من الذين ارادوا التخلص منه عن طريق اختراق الحلقة الامنية الضيقة المحيطة به. انتقم بمجرد انه بقي حيّا على الرغم من اصابته بجروح وتعرضه لحروق في انحاء مختلفة من جسده.
فشلت محاولة اغتيال علي عبدالله صالح. ما فشل عمليا هو انقلاب بكل معنى الكلمة تقف وراءه جهات باتت معروفة، اقلّه من وجهة نظر المحيطين بالرئيس الذين يعتقدون ان معجزة حصلت يوم الثالث من حزيران- يونيو الماضي عندما حصل انفجار في مسجد النهدين، مسجد "دار الرئاسة" حيث يمضي الرئيس اليمني معظم وقته ويستقبل زوّاره.
نظرا الى فشل محاولة التخلص من علي عبدالله صالح جسديا، ونظرا الى انه لا يزال يمثل قسما كبيرا من اليمنيين، لا مفرّ من البحث عن مخرج. الحوار يقود الى مخرج. والاتفاق على انتخابات في مرحلة معينة تشكل استكمالا للمخرج. وفي امكان الذين لا يثقون بالرئيس اليمني، وهؤلاء لهم من دون ادنى شك وزنهم، العمل على ايجاد آلية يتحدون من خلالها ما سبق والتزم به الرئيس اليمني عندما اعلن رفضه تمديد ولايته وانّ التوريث لم يعد واردا. في النهاية هل المطلوب ايجاد حلّ، او على الاصحّ مخرج، امّ تعميق الازمة؟
عن طريق الحوار، يمكن التوصل الى مخرج من منطلق ان لا احد يلغي احدا في اليمن. كل احداث السنوات الخمسين الماضية تؤكد ذلك. ما هو مطروح الآن يتجاوز علي عبدالله صالح. المطروح مستقبل هذا البلد المهم وذلك بغض النظر عن الايجابيات والسلبيات التي رافقت مرحلة ما قبل الوحدة في ايار- مايو من العام 1990 وما تلاها.
المطروح عمليا هل في الامكان الحؤول دون تفتيت اليمن؟ اليمن مهددة بالصوملة في حال عدم الاتفاق على انتقال سلمي للسلطة يؤمن قيام حكومة وحدة وطنية قادرة على ابقاء حد ادنى من التماسك على الصعيد الوطني. شئنا ام ابينا هناك محافظات يمنية صارت كيانات شبه مستقلة. لم يعد هناك وجود للسلطة المركزية في صعدة مثلا. وقبل ايام جرى تعيين محافظ للجوف بقرار لا علاقة لصنعاء به. وفي الجنوب، خصوصا في ابين، هناك كيان مستقل يسيطر عليه ارهابيو "القاعدة". يمكن القول انهم يسيطرون على جزء من تلك المحافظة التي هي مسقط رأس عدد لا بأس به من الشخصيات اليمنية المعروفة.
هناك مشاكل ضخمة في اليمن تبدأ بالاقتصاد والفقر والجهل وتنتهي بالتطرف الديني مرورا بالنمو السكاني.
.يفترض باليمنيين الاعتراف بهذا الواقع والخروج من اسر تصفية الحسابات بين الرئيس وخصومه. الاخطر من ذلك، ان هناك فتنة مذهبية بدأت تطل برأسها. ولذلك لا يمكن الاستخفاف بما جرى او يجري في تعز والمناطق المحيطة بها والتي فيها اكبر تجمع سكاني في اليمن.
لا يختلف اثنان على ان هناك مرحلة جديدة في اليمن. كذلك، لا يختلف اثنان يمتلكان حدّا ادنى من التعقل والعقل على ان الحكم ارتكب اخطاء كثيرة في السنوات القليلة الماضية. لكن الانتقال الى المرحلة الجديدة لا يمكن ان يحصل عن طريق الغاء الآخر. وحده الحوار يمكن ان يحمي اليمن ومستقبل اليمنيين... في انتظار الاتفاق على صيغة مختلفة تاخذ في الاعتبار ان اللامركزية الموسعة هي وحدها الكفيلة بتوفير اطار يقي من الحروب الاهلية والتفتت.
|